رمضان شهر الطاعات والخيرات لا شهر الخلافات والمسلسلات ..ياقوم !!

احمد الحاج

لقد أحصيت وحتى كتابة السطور التي أضعها بين أيديكم هاهنا في هذا المقال الطويل والذي أرجو أن لا يكون مخلا و لا مملا ولاسيما لعشاق المعلومة السطحية والسريعة فقط في ما يتعلق بالقضايا الثقافية والتوعوية والتربوية والانسانية، أما الجلوس – عطال على بطال – لـ 3 ساعات متواصلة وتضييعها هباء منثورا بمتابعة هراء (التيك توك) الذي حُظر امريكيا وكنديا وأوربيا على كافة موظفي الدولة – وحسنا فعلوا – فهذه لا تحتاج الى أية سرعة ، بل على العكس من ذلك تماما وعلى قول شادية (سوق على مهلك سوق ..بكره الدنيا تروق ) ، أقول لحضراتكم لقد أحصيت عناوين ما لايقل عن (45 ) مسلسلا “مصريا وخليجيا و سوريا” بخلاف 12 مسلسلا عراقيا ، وتسعة مسلسلات جزائرية وأقل منها تونسية ،اضافة وبطبيعة الحال الى برنامج المقالب المفبرك والمتفق عليه سلفا مع ضيوفه لـ – رامز جلال – ومسلسل باب الحارة بجزئه الـ 13 ، هذا المسلسل الذي يأبى منتجوه أن ينهوه حتى أخذ الكثير منا يردد تندرا وسخرية وتفكها عبارة ” فلان أقدم من مسلسل باب الحارة ” ، وبإستناء مسلسلي ” الامام الشافعي “الذي يقع في (15) حلقة فقط لاغير، اضافة الى مسلسل ” معاوية ” الذي بلغت تكلفته 100 مليون دولار ، والذي يناقش أحداثا وفتنا لطالما آثر الكثيرون السكوت عنها امتثالا لقوله تعالى ” تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ” ، ومن هذه الآية الكريمة استلهم عمر بن عبد العزيز مقولته التي ذهبت حكمة بين الناس ” تلك دماء قد طهر الله منها يدي ، فلا أحب أن أخضب بها لساني” ، أقول وبإستثناء المسلسلين التاريخيين وكلاهما سيثير جدلا كبيرا على منصات ومواقع التواصل فور انتهاء عرض أية حلقة من حلقاتها ولا أشك في ذلك مطلقا ، الأول مسلسل ” معاوية “لما سبق ذكره آنفا ، والثاني مسلسل الامام الشافعي …لماذا ؟ لأن هذا المسلسل الذي تغير عنوانه في اللحظات الأخيرة وصار “رسالة الامام ” بدلا من ” الإمام الشافعي” سيتطرق وبحسب مؤلفه وكاتبه ” الى ايش حبيبي الغالي ؟ الى الصراع القائم يومذاك بين مدرسة الرأي ، و مدرسة الحديث ، فيما سيمر المسلسل على صراع المعتزلة والاشاعرة والصوفية وغيرها من الفرق والمدارس الكلامية اضافة الى مروره على الأحداث السياسية والصراع على (كرسي الحكم) آنذاك والتي سيتم تناولها ومعالجتها وتوظيفها من وجهة نظر – سياسية معاصرة أحادية الجانب – لا من منطلقات ولا من مقاربات أو زوايا تاريخية وموضوعية تناسب الحقبة الزمنية التي نشأت في ظلها بكل تأكيد ، بمعنى أن المسلسل ليس غايته عرض علم وفقه وسيرة الامام الشافعي رحمه الله تعالى ، بقدر حرص المسلسل ومن يقف خلفه على استعراض الصراع القائم آنذاك – سياسيا ومذهبيا وفكريا – لإسقاطه على الواقع السياسي – الكسيف جدا – المعاش حاليا بهدف اذكاء الخلافات وإثارة الفتن كذلك !

وفي حال وأرجو الانتباه الى هذه النقطة جيدا ووضع مليار خط أحمر تحتها ، نجاح المسلسلين التاريخيين في إثارة الفتن المطلوبة – سوشيال ميديويا – فترقبوا سلسلة طويلة من المسلسلات التاريخية وعلى ذات المنوال وكلها لاعلاقة لها بعناوينها البراقة و الأخاذة البتة ، فالعنوان – جذاب وأخاذ وبراق- إلا أن المضمون – مرتاب وصخاب وحراق -ولا أدل على ذلك – وما زلنا في بداية المشوار وطريق الألف ميل ، هو إعلان واحدة من القنوات الفضائية عن البدء بإنتاج فيلم ضخم بعنوان “شجاعة أبو لؤلؤة فيروز النهاوندي ”وذلك ردا على مسلسل ” معاوية ” وسيعرض الفيلم في شهر رمضان تحديدا ، والحبل على الجرار أغاتي .

بقي أن تعلم بأن مخرج مسلسل “معاوية “هو طارق العريان ، وهو طليق أصالة نصري ، وقد طلقا بسبب ضغط زوجته الأولى التي أهملها وأولادها ، وعلى خلفية قضايا تتعلق ببيع ألبوم أصالة الغنائي ، اضافة الى علاقته بعارضة الأزياء السورية – الارمنية نيكول سعفان،

أما عن كاتب نص مسلسل ” معاوية ” فهو خالد صلاح ، وقد سبق تنحيته من رئاسة تحرير صحيفة “اليوم السابع “بعد مطالبات شعبية كبيرة بذلك على خلفية فيديو استضاف خلاله ممثلة شهيرة وهي تتحدث وتصف وبالتفصيل الممل طبيعة قبلاتها الحارة مع كل من احمد زكي ، ومحمود حميدة ، كما أن لصلاح هذا آراء مستفزة للغاية ، ولك أن تتخيل كيف كتب المسلسل وكيف عالج قضاياه الشائكة ، فهل أمثال هؤلاء يؤتمنون على تأليف وإخراج مسلسلات تاريخية مهمة تناقش أحداثا تاريخية حساسة من شأنها إثارة الجدل والخلاف والشقاق بشأنها ؟!

أما ما تبقى من مسلسلات فيتراوح بين – الحبيات – والرومانسيات وعروض اللحم الابيض المتوسط ونظيره الأحمر المتوقد ، وبين – الكوميديات – و- الدراميات – و – الميلو دراميات – المفعمة بالاكشن ، كل هذا الغثاء سيعرض دفعة واحدة في شهر رمضان 1444هـ/ 2023 م ليلا ليعاد عرضها طوال نهار اليوم التالي وهكذا دواليك حتى نهاية الشهر ..وبما أن شهر رمضان الكريم (30) يوما في حال إكمال العدة ، فمعنى ذلك بأننا أمام عرض – كومي ..حبي ..فتنوي ..تراجيدي – سيغطي رمضان كله مضافا له ستة أيام من شوال …وزيادة !

ومن الجدير ذكره بأن أول من استحدث فكرة عرض سلسلة متلفزة في شهر رمضان هي فرقة ثلاثي أضواء المسرح لعميدها سمير غانم ،ورفيقيه كل من جورج سيدهم ،والضيف احمد ، والتي كانت قد بدأتها ” بفوازير رمضان ” عام 1963 بعد سنة واحدة فقط على بث التلفزيون المصري لأول مرة عام 1961،لتستمر الفوازير أعواما طويلة مشجعة بذلك على عرض المزيد والمزيد والمزيد من المسلسلات والفوازير والمقالب والكاميرا الخفية والتي صارت تسمى عرفا بـ” مسلسلات رمضان” أو دورة رمضان البرامجية ، وباتت الشركات تتسابق على إنتاجها وجلها ما عدا القليل النادر منها من المسلسلات التاريخية المعتبرة وبعض المسلسلات الاجتماعية والانسانية الهادفة ، تدور في فلك ومضمون أغنية ” أهو جا ياولاد ” لفرقة الثلاثي المرح والتي يفتتح رمضان بها سنويا – اذاعيا وتلفزيونيا – على مدار عقود طويلة ، فكلمات هذه الاغنية المعروفة والتي من المفترض أنها تحتفي بشهر رمضان ..شهر الصدقات والطاعة والغفران ..شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن ، تدور كلها حول ” عصير قمر الدين ، و البلح والتين، ومدفع الافطار ، وفوانيس رمضان ،والبندق و الزبيب، والكعك ، وملابس العيد ، والشموع ..مع التركيز على عبارة ” وحوي يا وحوي ..إياحا ” وهذه عبارة مغرقة في القدم يرددها الكبار والصغار من دون أن يفهموا ولا أن يسألوا عن أصولها ولا عن معناها وتعني بالهيروغليفية ” وتعني ” افرحي يا ايوحة ” التي تحولت في الأغنية الى ” اياحا ” و”أيوحة” هذه هي أم “أحمس الأول ” وقد اشتق اسمه من ” الهة القمر” في زمن الأسرة الفرعونية الـ 18 ، يومها فرح الناس بطرد الهكسوس وتغنوا بأسم أمه – أيوحة – لما كان لها من دور في تشجيع ابنها على طردهم ” وفقا للباحثة المصرية فاطمة صقر ، وقد تساءل العديد من الباحثين عن علاقة – ايوحة – بأناشيد رؤية هلال رمضان كما في التراث الشعبي المصري والجواب على ذلك هو ” لعلاقة ابن ايوحة – احمس – وقد اشتق اسمه ورمزه من القمر ايضا !أما فانوس رمضان فيعود الى الفاطميين ، وأما عن القمر الدين فهذا يرجع الى أول من صنعه في رمضان وهو صاحب بستان للمشمش في دمشق اسمه ” قمر الدين “، وتأسيسا على ما تقدم يتبين لنا بأن الاغنية الرمضانية الأشهر والتي تتسابق القنوات والاذاعات لبثها منذ عقد الستينات والى يومنا هذا احتفاءا برمضان – بخلاف أغنية ( رمضان جانا ) بصوت عبد المطلب ، و ( أهلا رمضان ) لمحمد فوزي ، وقد تضمنتا احتفاءا بعبادات وسنن وشعائر رمضان أكثر من احتفائها بطعامه وشرابه وحلوياته وفوانيسه وشموعه – فأنشودة الثلاثي المرح لم تتطرق الى أي من العبادات والطاعات والدعوات في رمضان على الاطلاق، بقدر استعراضها لأكلات وعصائر وحلويات وفوانيس رمضان ومدفع الافطار الذي يعود بحسب روايات الى السلطان المملوكى ( خشقدم) وفي بعضها الى (محمد علي) لتنتقل – البدعة – سريعا الى كل أرجاء العالم العربي والاسلامي تباعا وصار الناس يترقبون – مدفع الافطار – بدلا من – آذان المساجد – وما ظهرت بدعة عبر التاريخ الا وأماتت سنة بدلا منها بقانون الازاحة والابدال والاحلال وتحت شعار ” التخلية قبل التحلية ” ، وهذا ما تفعله ما يسمى بـ مسلسلات رمضان بالناس على مدار سنين ، والأصل وإن كان لابد من الترفيه الرمضاني هو انتاج البرامج والمسلسلات على أن تكون كلها ولا أقول جلها هادفة وتربوية وتاريخية وإنسانية وثقافية ووثائقية وبما يتناسب مع الشهر الفضيل ، إذ هل يعقل أن تصوم نصف يوم كامل عن الطعام والشراب والشهوات لتفطر نصفه الثاني كاملا على الارجيلة والمكسرات والحلويات والمحشيات والمشويات الى حد البطنة والتخمة التي تفقدك الحكمة والفطنة وأنت تتابع بشغف منفردا أو بمعية الاصدقاء وأفراد الأسرة الكريمة أجساد الممثلات العاريات المشفوعة بالرقص والاحضان والايحاءات والقبلات ؟! اودعناكم اغاتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى