دراسات و تحقيقاتقانون وعلوم سياسيةقانون وعلوم سياسية و إدارية

دور المجتمع المدني في تعزيز “الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان: مكاسب ورهانات”


مداخلة
السيد محمد العيد بلاع، عضو مجلس الامة الجزائري
رئيس لجنة الشؤون القانونية والإدارية وحقوق الإنسان
في يوم دراسي منظم من طرف المجلس الوطني

لحقوق الإنسان حول دور المجتمع المدني في تعزيز
“الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان: مكاسب ورهانات”

يشرفني ويسعدني أن أشارك في هذا اليوم الدراسي حول دور المجتمع المدني في تعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان…. أتوجه بخالص الامتنان للسيد عبد المجيد زعلاني، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، على كرم الدعوة، ولحرصه الدائم على إشراك البرلمانيين في هذه اللقاءات الفكرية، من أجل المساهمة كممثلين للشعب في تعزيز الحوار البناء، وتقديم وجهات النظر حول مختلف القضايا والمسائل التي تهم مجتمعنا.
أود بداية أن أبلغكم جميعا تحيات السيد صالح قوجيل، رئيس مجلس الأمة، وتمنياته الخالصة إلى كافة المشاركين في هذا الملتقى بالنجاح والتوفيق، وبالأخص إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان رئيسا وأعضاء، راجيا من الله العلي القدير أن يسدد خطى جميع أبناء الجزائر المخلصين لما فيه مصلحة وطننا المفدى.

إنها لمن الترتيبات الحكيمة أن يصادف هذا الملتقى الكريم إحياء برلمانات العالم لليوم العالمي للديمقراطية، الموافق للخامس عشر من سبتمبر من كل عام، والذي يحييه البرلمانيون من كل أنحاء المعمورة تقديرا لأهمية هذه القيمة الحضارية التي تتأسس عليها كل مكارم الإنسانية.

تعد التجربة الديمقراطية في الجزائر نموذجا رائدا، توج مسارا سياسيا عسيرا وزاخرا بالتحديات الجسيمة والتحولات العميقة والإصلاحات العظيمة، فتشكلت بذلك نواة تجربة وطنية استثنائية أسالت الكثير من الحبر وأثارت الجدل وحظيت بالكثير من الإشادة ومن المتابعة والدراسة والمقارنة والتقييم، وتحولت في فترة قصيرة إلى نموذج مميز في المنطقة المغاربية والعربية والإفريقية، لتفردها في التأسيس بسلاسة للبناء الديمقراطي الأصيل ، والانتقال من ضيق مرحلة تاريخية حرجة إلى رحابة الاستقرار والحريات والمشاركة بمرونة عالية…
التجربة الديمقراطية في الجزائر هي وليدة طموح شعبي وإرادة سياسية حقيقية لتكريس سيادة الشعب وإرساء دولة القانون، وجهود صادقة من أجل توسيع المشاركة السياسية عبر المؤسسات، واجتهادات حكيمة لتوفير الأرضية المناسبة لديمقراطية تشاركية ناضجة، وثمرة انسجام بين الأسس الدستورية والممارسات السياسية الفعلية…
لقد أطر الإصلاح الدستوري في الجزائر عملية الانتقال الديمقراطي من خلال التقييم والتقويم، وعمل على تعميق الممارسة الديمقراطية بالتدرج المرافق لتطور المجتمع ولمتطلبات وخصوصية كل مرحلة…
وفي هذا الإطار، توالت التعديلات الدستورية المرافقة لعملية الانتقال الديمقراطي بداية من دستور 1989 الذي أقر الحريات العامة والتعددية الحزبية والسياسية، مرورا بدستور 1996 الذي أقر الثنائية في النظام البرلماني الجزائري، تكريسا لاستقرار مؤسسات الدولة وتوازن السلطات في ظل مرحلة حساسة من تاريخ بلادنا، اقتضت مراجعة ضوابط وأسس بناء الدولة وتحديث آليات عملها… فأنشأت بموجبه غرفة ثانية للبرلمان ممثلة في مجلس الأمة، ثم وصولا إلى دستور نوفمبر 2020 بمبادرة من رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، والذي كرس وجود وصلاحيات مجلس الأمة، بوصفه صرحا دستوريا وجوده من في الحياة السياسية الوطنية بعد ربع قرن من العمل التشريعي والرقابي الناجح والمسؤول هو من أولويات الدولة العصرية،… كما تضمن هذا التعديل الذي جاء وفاء من رئيس الجمهورية لالتزاماته الأربع والخمسين، عدة أحكام دستورية توسع من نطاق الحماية المقررة دستوريا للحريات والحقوق، وتوضح الطبيعة الديمقراطية لنظام الحكم الذي يستند إلى الفصل المتوازن بين السلطات، وتحديد العهدات الانتخابية الوطنية وتجديد التمثيل السياسي بموجب قانون انتخابات جديد يشجع الشباب والمناصفة بين الرجل والمرآة وأخلقة الحياة السياسية والعامة معا…

يمكن اعتبار إنشاء مجلس الأمة وتبني نظام الثنائية البرلمانية هما أهم إفرازات التحول الديمقراطي الذي شهدته الجزائر في نهاية القرن العشرين، باعتبار أن الديمقراطية في جوهرها هي تكريس لسيادة الشعب، وقد أتاح إنشاء مجلس الأمة توسيع التمثيل الشعبي، عبر الآليات التشريعية والسياسية والرقابية التي يمارسها أعضاء مجلس الأمة باسم الشعب، وبمختلف الأنشطة المتعلقة بالدبلوماسية البرلمانية التي تعد أرقى أنواع الدبلوماسية الشعبية، فضلاً عن إنعاش المشاركة السياسية التي تثيرها التركيبة الجديدة لمجلس الأمة، والقائمة على المزج بين الاقتراع غير المباشر من بين أعضاء المجالس الشعبية البلدية والولائية، والتعيين من بين الكفاءات الوطنية من طرف رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى تنظيم التنافس السياسي بين الأحزاب السياسية، وتعزيز التمثيل الشعبي للجماعات المحلية.

لقد أدى مجلس الأمة دوره كاملا عبر عمل جاد وشامل وممنهج، في تعزيز الممارسة الديمقراطية، وفي دعم التنمية الاقتصادية من خلال التشريع والتمثيل والرقابة وإقرار الميزانية العامة، علاوة على ما كل يتعلق بالتشريعات اللازمة لترسيخ قواعد الديمقراطية وتقوية النظام القضائي، والتصدي لقضايا الفساد، ودعم الثقافة الديمقراطية، وتقوية دور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والإعلام، وغيرها من المسائل الضرورية للديمقراطية، وذلك من خلال عمل لجانه الدائمة ومجموعاته البرلمانية ومختلف هيئاته المكونة لنسيج متناغم من الأطياف السياسية والتيارات الفكرية، في إطار تعاوني وأخوي متناغم، بعيدا عن المنافسة السياسية الحادة القائمة على التعصب الفكري، والتي تعلي الانتماء السياسي والحزبي فوق مصلحة الشعب والوطن.
وقد ساهمت هذه الإنجازات في تقريب المواطن من هذه المؤسسة التشريعية الوطنية التي تمثله، بعد لغط كبير أثير حول جدوى وجود مجلس الأمة وفق تبريرات واهية والتشكيك في قدرته على دعم العملية الديمقراطية من خلال الوظيفة التشريعية والرقابية، أساء فيها البعض تقدير أهمية هذا الصرح الدستوري في حفظ استقرار الدولة وفي تعزيز الممارسة الديمقراطية، لاسيما وأن الثنائية البرلمانية هي النظام السائد في أغلب دول العالم، وهي تزداد انتشارا بفضل المردود الإيجابي الذي حققته الغرف الثانية على المستويين المحلي والإقليمي والدولي.

وعليه، يمكننا القول أن دستور الفاتح من نوفمبر 2020، الذي بادر به رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وصادق عليه الشعب في الفاتح من نوفمبر، يعد حدثا مفصليا في المسار الديمقراطي في الجزائر، فقد جذر بواقعية قوة المؤسسات الشعبية، وأنهى بحزم كل تشكيك في أهمية وأحقية استمرار مجلس الأمة كمؤسسة تشريعية مؤثرة في الحياة السياسية في إطار صلاحياتها الدستورية، وتساهم بفضل أعضائها الذين تعاقبوا عليها مند خمس عشرين سنة في إرساء أسس بناء الجزائر الجديدة وتثبيت الاستقرار المؤسساتي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى