( دَعُوها فإنَّها مُنتنةٌ )
( دَعُوها فإنَّها مُنتنةٌ )
———-
*
رشيد مصباح (فوزي)
*
أثارت قضية إزالة تمثال القائد الأمازيغي (أكسيل) في نفس يوم تنصيبه حفيظة بعض الجزائريين الذين رؤوا في مثل هذا اعتداء على الهوية الشعبية. حيث قامت السّلطات المحليّة بمدينة (خنشلة)، والتي تقع شمال الشرق الجزائري، بإزالته.
لم تكن هذه أول مرّة يُثار فيها مثل هذا الجدل الواسع، القائم حول هذه الأصنام التي تحظى بمكانة مرموقة ومحترمة لدى بعض الفئات، فقد سبق وأن أقدمت مجموعة؛ خلال ما يسمّى بالعشرية السوداء، على تفجير تمثال عين الفوّارة بمدينة (سطيف)، ما أثار غضب بعض الناس بالمدينة، و دفع ذلك بالسلطات المحلية إلى ترميمه. ثم بعد ذلك، قام رجل آخر؛ يُقال إنّه ”مختل عقلي“، بينما قالت مصادر أخرى بأنه ”سلفيّ متشدّد“، بتخريب النّصب بعد أن فشل الناس بمنعه، وتحمّلت وزارة الثقافة تكاليف ترميمه.
إن مثل هذه الضجّة التي تُثار حول إزالة التماثيل سببها الرئيس بلا شك هو ”غياب الوعي الدّيني“ خاصّة، حتى وإن كان الغرض من تشييد هذه التماثيل هو تخليد ”حادثة ما“ أو ”بطل من الأبطال“، فإنّه لا يجب أن يكون هذا سببا في إثارة ”النّعرات العرقية“، وهذا أخطر ما في الأمر.
إن ”إثارة النّعرات“ التي تهدّد تماسك المجتمع، هي بمثابة ورقة رابحة في يد أعداء الدّاخل والخارج. وتبقى هذه التماثيل التي أقيمت وتُقام هنا وهناك، مجرّد ”صنم“ ( لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ )؛ مثلها مثل الأضرحة التي يتم تقديسها من طرف بعض الجهلة، بينما هي في حقيقتها مجرّد قبور بالية لا تنفع ولا تضر.
ليس ببعيد، تسبّبت ”النوفمبريّة – الباديسيّة“ في تصدّع الحراك الشعبي في الجزائر بل وإفشاله؛ في مطلع سنة (2019). ولأن النّظام يومها عرف كيف يستثمر في هذا ”الشّعار المخادع“ وبث التفرقة بين المتظاهرين واشتدّ الصراع بين الفريقين وهذا ”عروبي إسلامي“ وذاك ”أمازيغي لائكي“.
تعتبر هذه الورقة بمثابة سلاح حقيقي بل وخطير يستخدمها الأعداء لضرب أمن واستقرار الشّعوب، أليس هذا ما حدث في بلدان مثل ليبيا والعراق وسوريا واليمن؟
يقول المثل ”إذا عُرف السبب بطَل العجب“؛ المعركة معركة بناء وليس هدم، والجزائر في حاجة إلى كل أبنائها دون استثناء. وليس بمثل هذه الأفكار الغريبة و الجدال العقيم تُبنى الأوطان. فكوني ”جزائري“ هذا يكفيني شرفا وفخرا. و مَن أبطَأ به عمَلُه لَمْ يُسرِعْ به نسَبُه.
لقد تم زرع هذه الثقافة الدخيلة المستغربة، كما تم زرع ”التيّار السّلفي“ الذي لعب دور المحرّض المشجّع على إزالة هذه التماثيل باعتبارها ”أصنام شركية“. هذا التيار الذي عرف انتشارا رهيبا أثناء فترة حكم (بوتفليقة)، هذا التيار الذي يتّخذ موقفا معاديا من كل الحركات الإسلامية التي تخالف مذهبهم، وبالأخص تلك التي تندّد بالاستبداد و تنادي بالديمقراطية، وهم الذين وقفوا ضد الإخوان في مصر وفي كل مكان يُنادى فيه بالعدالة والحريّة. وكما هو الشّأن بالنسبة ”للحركة الثقافية الأمازيغية“، التي كان هدفها بداية ”اعتماد اللهجة الأمازيغية“؛ لتغدو لغة بدلا من اللّغة العربية.
نحن أمام نزاع قائم قد يعتبره بعض منّا ظاهرة صحيّة، بينما يراه آخرون دعاوي للانفصال وتقسيم الجزائر. وأختم قولي بالآية الكريمة: [إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ].