أحوال عربيةالعالم

دونالد ترامب و القضية الفلسطينية .. السياسة الأمريكية الجديدة في ملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي

مقاربة حول التصعيد في الضفة الغربية ورؤية ترامب لغزة: تناقضات استراتيجية وأبعاد جيوسياسية

خالد خليل

‎تشهد الضفة الغربية تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق، مما يثير تساؤلات حول انسجام هذا التصعيد مع رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعادة الإعمار والاستقرار في غزة. وفي الوقت الذي يُروج فيه لاتفاقيات وقف إطلاق النار وتحركات دبلوماسية، يبدو أن التوترات في الضفة الغربية تسير في اتجاه معاكس، مما يضع المنطقة أمام مشهد معقد ومتناقض.

رؤية ترامب لغزة
‎تتمحور رؤية ترامب حول جعل غزة نموذجًا للاستقرار وإعادة البناء. في تصريحاته الأخيرة، أكد أن غزة تمتلك إمكانات اقتصادية هائلة بفضل موقعها الساحلي ومناخها المميز، مشددًا على أهمية تحويلها إلى مركز للتنمية بدلًا من كونها “موقع هدم ضخم”.
ومع ذلك، فإن هذه الرؤية تواجه تحديات كبرى، خصوصًا في ظل التشكيك في استمرارية وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وضعف الثقة في قدرة الأطراف المتصارعة على الالتزام بالاتفاقات طويلة الأمد.

التصعيد في الضفة وتأثيره

‎في الوقت نفسه، يزداد التصعيد العسكري في الضفة الغربية، مع تكثيف العمليات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، لا سيما في مدينة جنين ومناطق أخرى.
‎
هذا التصعيد يثير عدة نقاط جدلية:

  1. إفشال جهود التهدئة: الهجمات المكثفة تؤجج الغضب الشعبي وتزيد من حدة الاحتقان، مما يقلل من فرص نجاح اتفاقات وقف إطلاق النار في غزة.
  2. تحديات دبلوماسية: الدعم الأمريكي لإسرائيل، بما في ذلك إلغاء العقوبات عن المستوطنين المتورطين في أعمال عنف، يشير إلى انحياز واضح. هذا الانحياز يضعف مصداقية الولايات المتحدة كوسيط محايد، ما قد يُعقّد الجهود الدبلوماسية المستقبلية.
  3. انعكاسات إقليمية: استمرار التصعيد في الضفة قد يؤدي إلى تنامي دور الفصائل الفلسطينية المسلحة، مما يهدد الاستقرار الهش في غزة ويعيدها إلى دائرة التصعيد.

حماس: الرؤية الشمولية للضفة والقطاع
‎في هذا السياق، لا يمكن إغفال أن حركة حماس، باعتبارها لاعبًا رئيسيًا في المعادلة الفلسطينية، لا تنظر إلى غزة والضفة ككيانين منفصلين. بل تعمل الحركة على امتداد المنطقتين، مستندة إلى رؤية شمولية تعتبر الضفة والقطاع جزءًا لا يتجزأ من مشروع المقاومة.

  • الوحدة في المعركة: حماس ترى أن أي تصعيد في الضفة يمس مباشرة غزة، والعكس صحيح. وبالتالي، فإن العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية تزيد من احتمالات تحرك الحركة من غزة كجزء من استراتيجية موحدة.
  • الضغط على إسرائيل: توظيف الحركة للأحداث في الضفة يُظهر قدرتها على التأثير في المشهد الفلسطيني الشامل، مما يعزز صورتها كحامية للحقوق الفلسطينية.

تناقضات في الاستراتيجية الأمريكية

‎رغم تصريحات ترامب الطموحة حول إعادة إعمار غزة، تتسم سياسته تجاه الضفة الغربية بالتناقض.

  • من جهة، تدفع الإدارة الأمريكية نحو اتفاقيات سلام جديدة عبر توسيع “اتفاقيات أبراهام”، لكنها في الوقت ذاته تدعم السياسات الإسرائيلية المتشددة.
  • هذا التضارب يثير تساؤلات حول مدى جدية الرؤية الأمريكية في تحقيق الاستقرار الشامل، خصوصًا إذا استمرت التصرفات الإسرائيلية في تقويض أي فرص لتهدئة طويلة الأمد.

أبعاد جيوسياسية

‎التصعيد الحالي يعكس تداخل الأجندات السياسية
‎ والعسكرية في المنطقة:

  1. إسرائيل: تحاول تعزيز سيطرتها على الضفة الغربية، وهو ما يتناقض مع الادعاءات بالعمل نحو السلام.
  2. حماس: باعتبارها لاعبًا ذا رؤية شمولية، قد تستغل التصعيد في الضفة لإعادة تأكيد دورها كقوة مركزية في الدفاع عن القضية الفلسطينية، مما يزيد من احتمالات عودة المواجهة العسكرية.
  3. الولايات المتحدة: تواجه ضغوطًا متزايدة لإثبات مصداقيتها كوسيط، خاصة في ظل مواقفها المنحازة التي تضعف من أي دور إيجابي يمكن أن تلعبه.

خاتمة

‎يمكن القول إن التصعيد الحالي في الضفة الغربية يقوّض رؤية ترامب لغزة، ويزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني في المنطقة. إن استمرار الربط بين غزة والضفة، كما تنظر إليه حماس، يعكس حقيقة أن الحلول الجزئية لا يمكن أن تكون فعالة، وأن تحقيق الاستقرار يتطلب استراتيجية شاملة تتناول القضايا الفلسطينية بأبعادها المتداخلة.
بدون هذه المقاربة، سيظل السلام والاستقرار في غزة والضفة الغربية بعيد المنال، وسيبقى المشهد السياسي أسيرًا للتوترات والصراعات المزمنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى