خوصصة الخدمات الصحية و المستشفيات!

 
شيرين عبدالله
ان تزايد التهديدات المناخية والتلوث البيئي واللامبالاة تجاه صحة الكوكب ككل، تحتاج الى سياسة للرعاية الصحية تضمن حمايتها من الصدمات المستقبلية، ويفترض ان يكون النظام الصحي بصورة تقلل من اللامساواة الموجودة وتنهي بها، لا ان تستمر بها وتزيد من شدتها.
قانون الرعاية العكسية (The Inverse Care Law)*
هذه الدراسة الشهيرة ل (د. جوليان تودور هارت)، الذي كان يعمل كطبيب عائلة في قرية صغيرة فقيرة في ويلز، تعرف ب “قانون الرعاية العكسية”. نشرت الدراسة في مجلة اللانسيت الطبية البريطانية في 1971، ومازال القانون لحد اليوم، وبعد 50 سنة، فاعلا تمامأ.
حسب هذا القانون: “ان توفر الرعاية الصحية الجيدة تتناسب عكسيا مع درجة الحاجة اليها في اي مجتمع”. اي انه كلما كانت الحاجة للرعاية الصحية اكثر، كلما قل توفرها وامكانية الحصول عليها، والعكس صحيح.
الشطر الثاني للقانون يشير الى: “ان قانون الرعاية العكسية تعمل باكثر فاعلية في الاماكن التي تخضع فيها الرعاية الصحية لسيطرة قوى السوق، واقل فاعلية اينما كانت هذه الرعاية بعيدة عن السوق”.
كان الدكتور تودور هارت يقوم بمعاجة مرضى القرية جميعهم على حد سواء بدون اي تفرقة. كان يقيس ضغط الدم لكل مريض ويقدم الارشادات الصحية حول نوع الغذاء وتجنب التدخين والكحول والسمنة للجميع، فتبين بعد 25 سنة بان معدلات الوفاة المبكرة لسكان هذه القرية قد انخفضت بنسبة 30% مقارنة بالقرى المجاورة.
عندما تنتقل الخدمات الصحية الى القطاع الخاص، تصبح كل الفحوصات والارشادات الوقائية من الامراض والعلاجات والعمليات بضاعة لكل منها سعرها في السوق. فان المحرومون والمعدمون في المجتمع، والذين لهم احتياجات صحية اكثر، سوف يحرمون منها اكثر. وبالعكس، فان الاثرياء والذين هم ذو صحة احسن، يزداد امكانية حصولهم على تلك الخدمات.
من الجدير الاشارة الى احدى النماذج للتحول السريع والجماعي للقطاعات العامة الى الخاصة، في تاريخنا المعاصر. وهو انهيار الكتلة الشرقية وسقوط جدار برلين في 1989. في السنوات التي تلت هذه الاحداث، تمت العديد من الدراسات والابحاث حول تاثير هذه التحولات، ومايلفت النظر هو انه اضهرت بعضها خلال الاكثر من 30 عاما على هذه التغييرات، بان معدل طول الاوروبيون الشرقيون الذين ولدوا بعد الحدث اقل ب 1 سم ممن ولدوا قبله. وكذلك لوحظ ازدياد نسبة الموت المبكر للرجال. بالطبع هذا لايعني بان النظام الاوروبي الشرقي انذاك كان نموذجيأ وخاليا من النواقص.
حتى الدول التي فيها نظام الصحة العامة رصينة، لايزال هناك تفاوت كبير في نسبة حصول الطبقات المحرومة على هذه الخدمات. واسباب ذلك متعددة ولكن المهم هو انه لم تتمكن اية دولة لحد الأن من القضاء على هذه الفروقات.
لماذا يجب على النساء الوقوف ضد الخصخصة في القطاع الصحي:
صحيح ان خصخصة الخدمات بصورة عامة والقطاع الصحي بصورة خاصة، تحدث ارتباكأ في حياة ورفاهية الجميع نساءأ ورجالأ، اطفالأ وشيوخ، وتجعل من المجتمع ككل عبدأ للسوق والربح، ولكن المراة بوصفها تشكل نصف المجتمع وشريحة مستغلة كبيرة في المجتمع، يزاد من شدة استغلالها وتتفاقم مشقات الحياة على كاهلها في ضل الخصخصة.
في مقال سابق لي تحت عنوان (حول اختيار جنس الجنين واجهاض الاناث -نشر في جريدة الغد الاشتراكي العدد 18 أيار 2021) شرحت كيف ان المجتمع الذكوري يعير اهتمامأ اقل بالاطفال الاناث مقارنة بالذكور، ويتم اهمال احتاجاتهن مثل التعليم والتغذية والملبس والاحتياجات الصحية سواء البدنية او النفسية منها..الخ
مع تصاعد الخصخصة، وفي خضم تنافس السوق، يصعب على النساء اكثر فاكثر الحصول على فرص العمل. ولكنهن وبسبب ضروريات الحياة يجبرن على القبول بالاعمال المنهكة والموقتة. ومع كل ازمة اقتصادية تعاني النساء اكثر من التسريح عن العمل ويزج بهن نحو المنزل ويبعدن عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. هذه هي قسم من العوامل التي تؤدي الى ازدياد تعرضهن للاصابة بالامراض النفسية وحالات الانتحار. ان ثقل العمل المنزلي ورعاية الاطفال والعناية بالعاجزين وذوي الاحتياجات الخاصة في العائلة، وكل تلك الفراغات الناجمة عن استقطاع الخدمات العامة، يتم تغطيتها بالنساء وبدون اجر.
ان لم يكن لها استقلالها المادي، سوف تتردد المراة من زيارة الطبيب والمستشفى، وتكون اكثر عرضة لاهمال مشاكلها الصحية الجسدية او النفسية، وبالنظر لدورها في رعاية العائلة، فهي تعطي الاولوية للاستجابة لمتطلبات العائلة وافرادها على حساب متطلباتها هي.
ان الامراض النسائية، وحتى في البلدان المتقدمة، لازالت لاتحظى باهتمام كافي، وان مشاكل البلوغ والعادة الشهرية والحمل وسن انقطاع العادة الشهرية وتبعاتها الصحية ما زالت في العديد من بقاع العالم تعتبر محرمات و تابوهات ولايمكن الكلام حولها علنا. من الواضح ان هناك العديد من الادوية والمنتجات التي يمكن للمراة الاستفادة منها لتخفيف أثار هذه المشاكل، ولكن التكلفة المادية لهذه المنتجات تصبح عائقا امام استخدامها.
هناك في الاساس شحة في خدمات النجدة لمساعدة النساء المعرضات للعنف والتطاول والقتل والحرق وغيرها وهذه الخدمات صعبة المنال بالاساس فهي لا تشكل اولوية بالنسبة للمجتمع الذكوري وللراسماليين، وان القطاع الخاص سوف لن يقوم باحياء هذه الخدمات حيث انها لاتدر لهم ربحأ.
ان توفير الخدمات الصحية من خلال السوق هو نمط اجتماعي رجعي وعتيق. كل خطوة نحو تعميم هذه الخدمات هي خطوة تقربنا من تحقيق المساواة، واي تراجع يزيد من حدة اللامساواة.
يجب ان لاتكون الصحة بضاعة لانتاج المال والربح، بل يجب ان يكون النظام الصحي مؤسسة اجتماعية، تعالج، وبحسب الحاجة، المشاكل الصحية للمواطنين من دون ادخال الربح في العملية.
هذا النظام الصحي العام يجب ان يكون نموذجأ لادارة المجتمع باكمله.
 
https://www.thelancet.com/journ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى