خواطر رمضانيّة 5 ..الجهل المركّب.. إن كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم

(الجهل المركّب.. إن كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم)
–
*
رشيد مصباح (فوزي)
الجزائر
–
شيئان هما السبب تقريبا في كل ما يحصل لنا من مصائب: إبليس والجهل. بينما أضاف آخر الفقر إليهما كآفّة، والفقر بالفعل هو الآخر من بين الأسباب التي تجر إلينا المصائب. وإذا كان إبليس هو من أخرج أبوينا آدم وحوّاء من الجنّة، فكذلك الجاهل يُلبّس على النّاس دينهم. ذلك أن الناس في هذه الزمان يتخذّون من الجهلة قدوة لهم.
الجهل أنواع وأشكال، منه ما هو نسبي وبسيط، وكلّنا معرّضون لهذا النوع من الجهل والكمال لله فليس هناك من لديه الحقيقة مطلقة. ومنه المطلق، وأصحاب هذا لنوع لم ينالوا حقّهم من العلم والمعرفة أميّون بسطاء. وأمّا أخطرهم وهو موضوع حديثنا، فالجهل المركّب، لأن صاحبه لا يعلم أنّه لا يعلم.
ورد ذكر إبليس في القرآن في إحدى عشرة آية، بينما ورد ذِكر الجهل والجهلة في ثلاث عشرة آية من القرآن العظيم. وهذا ما يبيّن خطورة الجهل على الإنسان في الدّارين، الأولى والآخرة.
ونحن في هذا العصر نلاحظ كيف انتشر الجهل من النوع المركّب بصورة رهيبة بين النّاس، وعلى الرّغم من انتشار العلوم بينهم انتشارا واسعا في ظل العولمة وما تبعها من وسائل معرفيّة متطوّرة، ولأنّنا لا نحسن استخدامها فيما يعود علينا بالمنفعة.
الجاهل من النوع المركّب، صنف من الناس يعتقد الواحد نفسه عالم فقيه وهو لا يفقه ولا يعلم شيئا من هذا أو ذاك، ومع ذلك يصر على اعتقاده الزّائف هذا. الجاهل من هذا النوع إنسان وإن كان قد تخرّج من أكبر الجامعات وبأعلى الشهادات فهو كمن دفن شطرا من حياته تحت التّراب – كما قال ميخائيل نعيمة في وجه له –
ما بالنا إذا كان هذا الجاهل الذي نقصده بكلامنا مسئولا ما في مؤسّسة هامّة أو إطارا كبيرا في الدولة، أوحتى إمام خطيب، أو شخصا ما يدّعي أنّه الفقه ويدرّس على النّاس في مثل هذا الشهر الفضيل… إنّكم لن تستطيعوا أن تفعلوا شيئا، لأن هذا النوع من الجهلة لديه من الوقاحة ما يجعله يتجاهل رأي كل الناس فيه.
كم صار سهلا ارتداء عباءة الدّين وإلقاء الخطب والدروس على المصلين في مثل هذا الشهر العظيم، من طرف هذا الصنف من الجُهّال، وهو يعلم أنه صاحب فهم عقيم. ومن شدّة حرصه على إشباع نزوته هذه المتمثّلة في البحث عن السّمعة وحب الظهور بأيّ ثمن، وليس حبّا في الدّين ولا في الناس.
انتهازيون من الطّراز الأوّل، تتلاعب بهم الأهواء و تدفعهم النّزوات، جهلة ولكن بِشاهدات رسميّة. هم أخبث من إبليس نفسه، بوقاحتهم هذه وقدرتهم على تجاهل الناس وهم كارهون لهم. هم أخبث من إبليس ذاته بالتفافهم على الدّين وهم ليسوا أهلا له، وجعله في خدمة أغراضهم ونزواتهم الخبيثة.
بسبب أصحاب هؤلاء الجهلة الذين فرضوا أنفسهم على الناس نكاية ومراء، والناس لهم كارهون، عمّ الجهل بين الناس وانتشر ”انتشاء النّار في الهشيم“، و تغلّب الهوى والنّزوة على مكارم الأخلاق، وصار مفهوم الدّين عند الناس في هذه الأيّام يقتصر على المظاهر والحركات، و تم القضاء على الوعي الذي هو أساس الدّين وعماده.