خرجنا سوية لإستكمال معاملة رسمية عالقة
احمد الحاج
اليوم رأيت عجبا من صديق فاضل ينصر الكادحين بالكادحين …والفقراء بالمساكين !!
خرجنا سوية لإستكمال معاملة رسمية عالقة في إحدى الدوائر منذ مدة ليست بالقصيرة ، وبعد أن سمعنا وللمرة السادسة على التوالي العبارة المعتادة التي تؤشر الى التكاسل والى -الخدة والخدر – والبطالة الوظيفية المقنعة التي تنخر المؤسسات الحكومية نخرا عجيبا وبما لا تقل نتائجها المنظورة والملموسة فداحة عن نتائج الفساد المالي والاداري والسياسي الذي هتك حاضر العراق ومستقبله نحو ” روحوا وتعالوا بعد اسبوع !” ، والتي أعقبت العبارة التي قبلها ” روحوا وتعالوا وره العيد !”، والتي قبلها “روحوا وتعالوا بعد العطلة !” والتي قبلها ” روحوا وتعالوا بعد الزيارة !” ، خرجنا نجر أذيال الخيبة والاحباط ، فألفيت صاحبي وبعد هنيهة وهو يشتري كل ما لايحتاجه من كادح ما يبيع الحاجة بـ” 500 ” أو الحاجة بـ” 1000 “في حر تموز “الذي يغلي الماء بالكوز” على الارصفة الملتهبة ، ثم يمضي بما اشتراه قدما الى منطقة أخرى في طريقنا ليلمح كادحا آخر لايعرفه يبيع على الرصيف ايضا أشياء بسيطة بالكاد تؤمن له قوته اليومي وتؤشر الى فقره المدقع في بلد النهرين والنفط والغاز والكبريت والفوسفات ووو..الفساد المالي والاداري والسياسي !!” ، فيهديها له ليبيعها قائلا له “حبيبي هذه المواد كلها جديدة وغير مستعملة اشتريتها قبل قليل ثم اكتشفت بأن زوجتي وبإتصال هاتفي قد اشترت مثلها وبالتالي فلست بحاجة لها …هذه المواد هدية مني لك !!”
عن فرح الكادح الغامر وصدق مشاعره وحرارة دعائه بالرحمة لوالديه لن اتحدث واترك لكن رسم المشهد في مخيلاتكم !
ثم قام وفي تصرف مماثل لايقل روعة عن سابقه بـ” شراء عدد لابأس به من قناني الماء البارد من كادح يبيع الماء على الرصيف ليقوم بتوزيعها بين الكادحين الاخرين حصرا …”.
وفي تصرف ثالث كان يشتري من اي كادح ما يبيعه لا على التعيين ” جرك …صميط …كيك ..داطلي ..” ويعطيه ضعف السعر في كل مرة قائلا له ” بحثت عنك ايام العيد ولم اعثر عليك ..هذه الزيادة هي عيديتك !” .
ثم يقوم بتوزيع كل ما اشتراه ولا يحتاجه البتة ..بل ولا يأكله اساسا ..بين الكادحين الاخرين وما اكثرهم في المنطقة المحصورة بين منطقة الميدان ، والمطعم التركي !
لقد اذهلني الرجل بكرمه فضلا عن ذكائه في اتقان توزيع هذا الكرم بحق ، ولولا انني قد خرجت من الدائرة اياها محبطا لأبديت من جراء تصرفاته وما يقوم به من خير عميم وشعاره الاية الكريمة التي سمعناها سوية في – الكوستر – على لسان المنشاوي رحمه الله تعالى ، وقد كررها مرارا “وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ” ، ثناء وابتهاجا واعجابا اكبر ..!
وأشد من أثار إعجابي فيه أنه وبعد ان يقول له الكادح وفي رد طبيعي على مثل هكذا مواقف ” شكرا ” يرد عليه بالقول ” عفوا الشكر لله ..وآني أشكرك !!” .
تخيل لو أن بعض الموظفين الكسالى وامثالهم يفكرون بالطريقة التي يفكر بها صاحبي في تمشية معاملات المواطنين ويعدونها اضافة الى تأدية واجباتهم المناطة بهم ، عملا انسانيا ، لشكرهم ودعا لهم المراجعون بالخير بدلا من الدعوة عليهم بالشر ، وكثير من المراجعين وعلى وفق ما سمعناه بأذاننا منهم ولم يخبرنا به أحد قد جاؤوا الى بغداد قادمين من البصرة والناصرية ويابل واربيل وصلاح الدين والانبار والموصل وغيرها من المحافظات العراقية متجشمين عناء التعب والسفر الطويل في حر الصيف القائظ ، وقد انفق كل منهم ما لايقل عن 50 الف دينار للاياب على اقل التقديرات ومثلها للذهاب ..وبعضهم قد جاء قبل يوم او يومين وذهب للمبيت اما عند اقاربه فأثقل عليهم ، واما في فندق (3 ) نجوم غرفه ومرافقه الصحية مشتركة لكل طابق ، كان – أبو بريص – سابقا يقف خلف كل نيون أبيض من نيونات الفندق الخارجية والداخلية وذلك لإصطياد مالذ وطاب من الحشرات التي تعشق الانوار وبما ألهمني في حينه حكمة قلت فيها ” في ظلال الانوار ..يتربص الاشرار” وقد كتبت عنها مرارا ، اما اليوم ونتيجة لإنقطاع التيار الكهربائي الوطني المتواصل – برغم انفاق 80 مليار دولار لتأهيلها عبثا بسبب الفاسدين والمفسدين في الارض – وعطل المولدات الاهلية فإن – ابا بريص – ويعد ان كان مخلوقا سقفيا ، صار مخلوقا ارضيا ولاعجب في ذلك ،بعد صعود كثير من مخلوقات القاع والهامش وأسفل السلم الى أعلاه …يتجول في أورقة وصالات الفندق على اثر التغييرات الجذرية التي طرأت على مجمل المنظومة الانتروبولوجية والسيسيولوجية والبايولوجية في العراق ، ولقد غير من اساليبه الماكرة في القنص والاصطياد اذ لم يعد – النيون المضيء – وبعد انطفائه المتكرر اغلب الوقت صيفا وشتاء مصدر رزقه الوحيد ، اذ لاحشرات تحوم حول النور لتؤكل كما كان الامر عليه سابقا …
ايها الكسالى ..اتقوا الله في المراجعين وانجزوا اعمالكم التي تتقاضون لقاءها رواتب ومخصصات وعلاوات وترفيعات ومكافأت ، ولله در الدكتور مصطفى محمود ، القائل ” ابتسم عندما تذهب إلى عملك ، فالكثير ما زال يبحث عن وظيفة .. ابتسم لأنك أنت هو أنت وغيرك يتمنى أن يكون أنت !” .
شكرا من القلب صديقي العزيز ..لقد علمتني اليوم وفي كل مرة نخرج فيها سوية لإنجاز معاملة لن تنجز بسبب البطالة الوظيفية المقنعة في عراق كل ما فيه معطل وحتى اشعار اخر ، دروسا كنت اجهلها في أساليب وأفعال الخير وما اكثر ابوابه ونوافذه ومنافذه وألوانه واشكاله لو كانوا يعقلون ، الاعجب ان بعض – الخدة والخدر – من الموظفين الكسالى ممن أدمتوا البطالة المقنعة ولاسيما اولئك الذين يلوكون طعامهم اثناء ترديد الاسطوانة المشروخة اياها ” روح وتعال بعد شهر ” لطالما تحدثوا مبدين أسفهم وحيرتهم من الفساد المالي والاداري والسياسي المستشري في كل مكان ، ولطالما تساءلوا عن اسباب تراجع العراق وعودته 500 عام الى الوراء وما دروا بأنهم جزء لايتجزأ ، وحلقة قاتمة في مسلسل وسلسلة المنظومة المنهارة والمضعضة ذاتها من اسفل الهرم وحتى قمته …و …اودعناكم اغاتي