حياتنا اليومية؛ بين فساد المناخ و غياب الأخلاق!
رشيد مصباح (فوزي)
**
حياتنا اليومية؛ بين فساد المناخ و غياب الأخلاق!
بالأمس نهضتُ باكرا، متخوّفا كالعادة من الموزّعات الآلية التي لا تعمل. وهو ما اعتدنا عليه، وبات يصعّب من مهمّة السّحب في نهاية كل شهر تقريبا. عدتُ أدراجي ولم ألتفت ورائي، وانتظرتُ ريثما يحين وقت فتح الشبابيك الثلاثة، بما في ذلك الشبّاك المركزي المسئول عن الوكالتين الأخريين.
جميعها تقريبا يعاني من خلل؛ مشكلة هذا القطاع تكمن في غياب روح المسئولية، بالإضافة إلى بعض السّلوكيات المريضة؛ تعوّدنا على رؤيتها في مثل هذا المكان بالذّات، الذي يقصده العشرات من الجنسين. الشيوخ والشباب، والصغار والكبار؛ وما إن تُفتح الشبابيك حتى تعم الفوضى ويكثر الازدحام.
لو يعلم المواطن أنّ البريد والمواصلات قطاع غير منتج، وأن وجوده مرهون بكم الرسوم التي يفرضها على الزبائن، لما رضي أن يبقى في العذاب المهين. لكن الناس ْفي هذه الأيّام لا تريد أن تفهم.
قصدتُ الوكالة البعيدة، فوجدتها هي الأخرى معطّلة وكان الحظ معي هذه المرّة. فقد تم إصلاحها. ولكن ما إن تهيّأنا حتى تعالت الأصوات وعمّت الفوضى.
تقدّمتْ بنتٌ شابّة، وفُسح لها الطّريق تبجيلا لها. وجاءت من بعدها عجوز تتهادى، فزمجر الشّخص الذي ورائي، وبنبرة حادّة طالب منّي عدم السماح لها بالمرور. وعبثا حاولتُ دغدغة مشاعره، لكنّي لم أفلح.
ثم جاء شاب غليظ البنية، شديد السُّمرة، عريض المنكبين، مقطّب الوجه والجبين.. علامات الإدمان بادية على وجهه، ومن خلال نبرة صوته، و ڨوبلي القهوة الذي لا يكاد يفارق يده حتى وهو يقوم بعملية السّحب من الموزّع. وكان قد تخطّى الجميع ولم ينبس منّا أحد ببنت شفة.
وفي هذا اليوم بالذّات من الجمعة، حرصتُ على نيل مكان قدّام المكيّف، أتجنّب وطأة الحرارة الشديدة التي لم أعد قادرا على تحمّلها في الأيام الأخيرة. لكن تأخّرتُ قليلا.
تفاديا لشق الرّقاب، صعدتُ إلى ذات المكان الذي جلستُ فيه الجمعة الفارطة، وكاد يغمى عليّ من شدّة الحرّ والزّحام.
سألني أحدهم يجلس قربي، إن كان هذا الذي يدرّس علينا يدرك ما نحن فيه؟ وكان يقصد بذلك الجو الخانق.
على الرّغم من الرطوبة ودرجات الحرارة العالية، ألّـا أن ذلك لم يكن ليشكّل عائقا أمام أصحاب المفرقعات الذين يتفنّنون في أذية الكائنات؛ بما في ذلك الحيوان المسكين الذي لا ذنب له سوى أنه صديق لهذا الإنسان. الذي يقذف بالشهاب لينشر الذعر؛ في القرّ والحرّ، وفي الأعياد والأفراح والمناسبات.
قلتُ لصديقي: ألا يكفي ما نحن فيه؟
يذكّرني كل هذا بمقولة لـ(بن يوسف بن خدّة) رحمة الله عليه، ما برحتُ استدلّ بها. سألوه عن طبيعة الأزمة في الجزائر، فلم يتردد بالقول إنها أخلاقية.
كما يذكّرني كذلك بكلام صديق لي، لديه روح دعابة وحسّ فكاهي؛ كان يقول:
سيأتي اليوم الذي نفقد فيه القدرة على الكلام، و نتعاطى فيه المهلوسات مكان السجائر.