حول مساعدات الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكوردي
د. محمود عباس
بعد الشكر لكلا الطرفين، الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكوردي على ما قدموه من مساعدات، لأهلنا في المنطقة المنكوبة، كل حسب إمكاناته وما يتوفر لديه، والتي كانت على مقاسات المساعدات الفردية أو التي قدمتها بعض المنظمات الكوردية، دون أن يستخدموها كحملة إعلامية لتعويم الذات، لأنها من ضمن الواجبات القومية والوطنية (وهنا لا نتحدث عما تم وما يتوجب فعله لمواجهة القوى الخارجية المتربصة بالكورد، وخاصة الجهات التي منعت دخول المساعدات أو أرادت التحكم بتوزيعها على أبعاد سياسية أو عنصرية).
لذا يجدر بنا التنويه إلى ما قدمه الطرفين الحزبيين اليوم، ومقارنتها بإشكاليات ماضيهم المتقاعس – المتردي، والتي انعكست ليس فقط على مكانتهم ضمن المجتمع، بل وعلى تابعيهم وسمعة الحراك الكوردي بشكل عام، إلى أن أصبح المجتمع ينفر من مجرد ذكر أسم الحراك الكوردي، آملين أن تكون خدماتهم، المادية أو المعنوية-السياسية، في المستقبل على مقاس ما قدموه اليوم لأهلنا في المنطقة المنكوبة.
لكل حدث أثر، بعضها غريبة، مثل نتيجة المساعدات المرسلة من قبل الإدارة الذاتية، والتي كانت في مقدمتها عشرات الصهاريج من المحروقات، جاءت لصالح أهلنا في منطقة الإدارة الذاتية، فعلى خلفية منع عبور القافلة إلى مناطق المعارضة التكفيرية والنظام، تم إفراغ حمولة الصهاريج (التي منعت من المرور إلى المناطق المنكوبة، من قبل أدوات تركيا؛ المنظمات السورية المعارضة، وسلطة بشار الأسد) في محطات الوقود ضمن مناطق الإدارة الذاتية، وبها حلت مشكلة الوقود التي كانت مستفحلة في الفترة الماضية وحتى قبل كارثة الزلزال.
وهذه تعني أنه باستطاعة سلطة الإدارة الذاتية، حل مشكلة الوقود في المنطقة، إذا رغبت، ولكن تتبين أنه ربما هناك شريحة، من الفاسدين وتجار الحروب، وقوى خفية أخرى، مستفيدة لا تريد حل المعضلة وغيره من المشاكل التي يعاني من الشعب في المنطقة، بل وكثيرا ما تفاقم في بعضها، كمشكلة الكهرباء والمياه، والبنية التحتية، لغايات شخصية أو تحت أجندات قوى خارجية.
على أرض الواقع لا نرى خلاف بين هذه الإشكالية الكارثية، والمشروع الغريب (بناء الأنفاق تحت الأرض) والذي لا يزال مستمرا، ويقف وراءه شخصيات جاهلة خارج العصر، أو فاسدون وتجار حروب على مستويات عليا. إن كان المشروع دفاعي، فهو من أضحل وأغبى المشاريع ليس في المنطقة المعانية من التدمير الكامل للبنية التحتية، بل وفي كل الشرق الأوسط. فقد كان بإمكان الإدارة الذاتية أو قوات قسد، بناء المدارس أو المستشفيات، وربما مصفاة نفط عصرية، وتصليح الطرقات وغيرها من المشاريع التي كانت سترفع من قدرات الإنسان في المنطقة ليس فقط في العيش بشكل أفضل، بل الوقوف في وجه الأعداء بروح عالية.
صرح البعض من ممثلي المجلس الوطني الكوردي، أنهم قدموا كميات من الألبسة والبطانيات وجمعوا قرابة مئة ألف دولار للمحتاجين من أبناء المنطقة، وكأن الكلام كان موجها إلى الداخل الكوردي وليس الخارج المتربص بأمتنا، ربما لتبييض صفحتهم التي تعتمت في السنوات الماضية. التصريح الذي كشف عن الوجه الأخر للمجلس، والذي ربما كان لديه الإمكانيات على تقديم مثل هذه المساعدات في السنوات الماضية، فلماذا تقاعست بتقديمها لأهلنا المعانون في عفرين، المنطقة أو في المخيمات، في المرحلة الماضية؟
علما أنهم كانوا يصرحون، بأنهم على دراية بمعاناة أهلنا في عفرين، وجنديريس (باستثناء البعض الذين صرحوا أكثر من مرة أن وضع الأهل هناك أفضل من غيرهم من أبناء الشعب السوري في المناطق الأخرى) بحكم وجودهم ضمن الإتلاف، وكانوا على إطلاع بمدى حاجتهم إلى المساعدات، ليس فقط الأن وقبل الزلزال، بل منذ اليوم الأول من الاحتلال التركي، وسيطرة أدواتها على المنطقة، فنعيد السؤال: ما الذي كان يؤخر المجلس الوطني الكوردي من القيام بمثل هذه الحملة التي جمعت فيها أكثر من مئة ألف دولار؟
وعلى نسق ما يقدمونه من الخدمات، لا بد من تنويههم، بإعادة النظر في إشكاليات التقصير الحاصل في الماضي، والتي كانت من إحدى الأسباب المؤدية إلى توسع الشرخ بينهم وبين المجتمع، وإضعافهم كمعارضة في مواجهة سلطة الإدارة الذاتية.
واقعنا نحن الشعب الكوردي، يشبه حالة مجموعة من البشر محتجزون ضمن جغرافية محاطة بأسوار عالية، تخترقها نوافذ تسمح بمرور القليل من النور، لكنها عصية على رؤية الخارج، لها أبواب مغلقة بإحكام. وهو ما هو عليه كلا الطرفين الحزبيين المفروضين على حراكنا والشعب الكوردي، فلا هم يريدون سماع أو رؤية ما يجري خارج حلقاتهم، ولا السماح لمنظمات خارج ساحتهم تقديم مفاهيم أو أفكار قد تساعدهم وتساعد الشعب على الخروج من الواقع المرير.
أصبح الحراك الكوردي من خارج الطرفين المفروضين، يتحدث وبصوت عال، على أن ديمومة الجاري تتحكم بها وبهم قوى خبيثة، ترمي لهم من متطلبات الحياة ما يكفي لنصف العدد، الحقيقة التي يراها ويتلمسها الطرفين ولا يتمكن من تغييرها أو أن مصالحه الحزبية لا تسمح إلا بتصعيد التآكل الداخلي كحل.
والصراع من أجل السيطرة، هي نتيجة المعروض الناقص، أو بكلمة أخرى ما يقدمه أصحاب الإملاءات، كالتراجع، حتى في ادبياتهم، عن النظام الفيدرالي للإقليم الكوردستاني المحدد بجغرافية واضحة، إلى الإدارة الذاتية أو الدولة الإتحادية. فتظهر التكتلات، بأشكالها وأنواعها، تقاتل بعضها بكل الأساليب، متجاوزين حدود التخوين والاتهامات إلى التآكل الداخلي.
وينسى الطرفين ضمن هذه الفوضى المعيشية والثقافية والاجتماعية والسياسية:
أن الخلاص يأتي بالداخل المتماسك، القادر على إرضاخ الخارج المهيمن، أو التحرر من إملاءاته.
وأنه كلما زاد الصراع الداخلي، انعدمت إمكانيات تغيير الواقع، وزاد المتحكمين عنجهية، فيتعتم آفاق المستقبل.
وأن ظهور ردة فعل ما من بعض المجموعات خارج الطرفين، ضد طغيان المتحكمين، نقصد أصحاب الإملاءات أي القوى الخارجية، لإزاحة الضغط، والمطالبة بالحرية، ستخفف من الصراع الداخلي، وتوجيه الأنظار إلى الخارج المهيمن.
فمحاولات إسكات الأصوات المنادية والرافضة للواقع، تحت حجج، وبضغوطات خارجية، ليست فقط لا تجدي نفعا ولا تخلق رحمة وعدالة لدى الطغاة، بل تزيدهم سيطرة وقسوة، وتوسيعا للشرخ الداخلي.
فتفضيل الصمت والرضوخ وقبول الواقع من قبل الطرفين الحزبيين، يزيد من عمر بقاء شعبنا ضمن السجن الثقافي والاقتصادي والسياسي.
ومن المؤلم أن يكون السجان هم مسؤولي الطرفين المفروضين على الحراك الكوردي في غربي كوردستان، الأوجه التي لا بد من تغييرها، فكلا طرفي الحراك يملكان من الكوادر السياسية والحزبية الكافية لعرض البديل المناسب.
نأمل أن توقظهم الكارثة الزلزالية، فيتنبهون إلى ما هم عليه، وما فعلوه بالمجتمع وبالحراك الكوردي، وعلى أمل أن يفرض الكادر الواعي ذاته، ليغير من عمل ونشاط الجهتين في المستقبل، فينتقلون من مجرد مساعدات لأبناء المنطقة المنكوبة إلى منطق عصري في التعامل والعمل من أجل المجتمع والوطن.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية