حكايات الزمن المنسي

حشاني زغيدي
يسألني في دهشة واستغراب في أي زمن نحن؟!
احترت في أمري ماذا يريد صاحبي؟

أدركت أن قصده تجاوز محل السؤال.
كأنه يريدني أن أروي له قصصا منتهية الأجل، أروي له قصص زمن مضى وولى ، أحكي له قصصا عاشها، تركت في نفسه ألما وجرحا غائرا.
قلت له نحن في زمن كل الموازين ترتجف، كل الموازين ليست على ثبات، فالمألوف فيها نكرة، المطلوب فيها مفقود والحاضر فيها غائب، والمعرفة نكرة، والصحيح معتلا والصريح مؤولا .
قال: وضح فقصدي من سؤالي غريب.
قلت: نحن في زمن النكران، تمضي الحوادث ميتة، تلعن ساعات الغدر.
انتظرت ماذا يحمل هذا الجبل الشامخ من الحكايات، فأطرقت السمع متلهفا لسماع شكوه.
قال: كنت أعيش في زمن الأحلام، كل الأشياء جميلة، فالطبيعة تحكي عرسها، والفضاءات تحكي أسمارها، كنت يومها أعيش حلما كأنني في نزهة مع الأصحاب، الكل يحكي فرحته، يحكي جمال الرحلة الممتعة، رحلة كانت ساعتها تمضي على عجل، كأنها ومضة سريعة، كنا نتمنى ألا تنهي ساعاتها، نتمنى ألا تنقضي أيامها وسنينها؛
لكن قصفا من الرعود عكر صفو تلك الرحلة الجميلة،
فباتت الحقائق مقلوبة، فولى سمر الأيام عابسا، وبات الحلم الذي كنا تنتظر قدومه بلهفة، أصبح يصرف النظر، لا يطيق اللقاء، أصبح يتمنى سقوطي في الوحل،؛ كي تتطلخ مسيرتي بالأراجيف والدعايات الكاذبة.
كأن أيامنا كانت مثل ورق الخريف اليابس، تنثره الرياح فتبعثره في كل وجهة، أصبحت حكايتنا مثل السراب الزائف، كأن ذاك الوصال الروحي ضرب من حكايات المسارح، يقول بصوت شدي: أنت أخي الذي لم تلده أمي، ولكن ذاك الصوت مجرد هدي وتخريف.
أدركت حينها عمق الجرح المسكون في جسم الرجل، أدركت عمق جرحه، أدركت مرارة الألم الذي أوجعه، فحق له أن يسأل في دهشة عن الزمن، وغدر الزمن، فكل حكايته قصص مثيرة، تحمل في طياتها دروسا وعبر، يحق أن تحكي كل لأمثالي، إنها قصص الزمن المنسي.
الأستاذ حشاني زغيدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى