حكايات التسول والمتسولين

التسول.. ظاهرة سوسيولوجية قميئة

ا. د. محمود محمد علي
 

تعاني الكثير من المجتمعات العربية من بعض الظواهر السلبية المختلفة، كالطلاق، والتفكك الأسري، والجريمة، والانحراف، والبطالة، والتسول، وكما هو معروف فإن الكثير من الظواهر تظل بسيطة . أما إذا انتشرت وتطورت تشكل خطورة على المجتمع وهددت أمنه واستقراره، فتصبح مشكلة يجب التصدي لها ومواجهتها؛ ومثال ذلك ظاهرة “التسول”، والتي انتشرت بشرعة مطردة عقب “ثورات الربيع العربي” أواخر 2010م، حيث أضحت تمثل ظاهرة اجتماعية وفلسفية معقدة، وذلك لتعدد المتسولين وطرق وأشكال أساليب “التسول” التي يتخذها المتسولين كوسائل احتيالية تمكنهم من تجميع أكبر قدر ممكن من الأموال والمصروفات اليومية، وبسبب تردي الأوضاع الأمنية، والاجتماعية، والاقتصادية في المجتمع، وفضلاً عن نزوح وتهجير المئات من الأسر العربية (والتي سقطت بلداهم في مستنقع “حروب الجيل الرابع”، وصارت بلدانهم فاشلة) بسبب الإرهاب والحروب الداخلية، كلها عوامل ساهمت في انتشار ظاهرة التسول لدي الفتيات المتسولات والفتيان المتسولين في الشوارع العامة، وبين السيارات المتوقفة عند إشارات المرور طارقات نوافذ زجاج السيارات دون يأس وملل في طلب المساعدة، هذه الظاهرة انعكست أثارها على وطننا العربي كله.

وظاهرة “التسول” من الظواهر الاجتماعية السلبية في كثير من المجتمعات، وهي تعد ظاهرة عالمية لا تخص بوطن معين، بل هي منتشرة في بلدان العالم الفقيرة والغنية؛ ويعرف “التسول” بأنه “طلب الإنسان المال من خلال المال من الأشخاص بالطرق العامة عبر استخدام عدة وسائل لانتشاره وشفقة الناس وعطفهم، ويعد أحد الأمراض الاجتماعية المنتشرة الذي لا يخلو منها مجتمع حول العالم” (1)، كما يعرف “التسول” بأنه “طلب الصدقة من الأفراد في الطريق علي المال بغير عمل يستحقه دون محاولة منه للخصول علي غذائه بنفسه، فهو قوة معطلة غير منتجة بل – قد يصل بعض الأحيان إلى تعطيل غيرة من الإنتاج” (2).

و”التسول” في نظر فلاسفة علم الاجتماع يعد من المفاهيم الحديثة، وعرف في معجم العلوم الاجتماعية بأنه :”طلب الصدقة من الأفراد في الطرق العامة، ويعد التسول جنحة في بعض البلدان يعاقب عليها إذا كان المتسول صحيح البدن، أو دخل في مسكن دون استئذان، أو يكون التسول محظورا؛ حيث توجد مؤسسات خيرية”، ويعرف أيضاً: “الوقوف في الطرق العامة وطلب المساعدة المادية من المارة، أو من المحال أو الأماكن العمومية، أو الدعاء، أو التظاهر بأداء الخدمة لغيره، أو عرض العاب بهلوانية، أو القيام بعمل من الأعمال التي تتخذ شعاراً لإخفاء التسول، أو المبيت في الطرقات، وكذلك استغلال الإصابات بالجروح والعاهات، أو استعمال أية وسيلة أخرى من وسائل الغش لاكتساب عطف الجمهور” (3).

علاوة علي أن “التسول” هو من العادات السيئة، ومن أهم الأمراض الاجتماعية التي سادت في بلداننا العربية؛ وخاصة في الآونة الأخيرة، وأصبح عملاً لقطاعات عريضة من أبناء المجتمع.. المتسولون نراهم في كل مكان.. في المساجد.. عند الإشارات.. أمام الأسواق والمحال التجارية، على الأرصفة.. ومن كثرتهم يخيل إليك أنك لو فتحت “صنبور” الماء لخرج “متسول”.. ومع هذا تقول إدارة مكافحة “التسول” :”إنها تعمل وترصد وتقبض. بكل أمانة وبلا مبالغة لم أر في حياتي عملية قبض لمتسول واحد، أو عملية مطاردة لمتسولين.. نسمع بالقبض على المتسولين ولا نراه، ونجدهم يتزايدون مع كل خبر قبض نقرؤه في الصحف. لا نشكك في مصداقية بيانات إدارة مكافحة “التسول” حول أعداد المقبوض عليهم، ولكن الأعداد تتزايد والمتسولون يعملون بأريحية دون خوف أو وجل” (4).

وتأسيساً على ما سبق تعد ظاهرة “التسول” في مجتمعنا العربي من الظواهر الاجتماعية الجديرة بالدراسة العلمية والتعصب المنهجي، وذلك لأهميتها ولما لها من انعكاسات سلبية على تطور المجتمع وتقدمه، وعلى مسيرته التنموية، وهذا بالإضافة إلى الزيادة الملحوظة في إعداد المتسولين في المجتمع العربي؛ مما يستوجب الاهتمام بتلك الفئة وإخضاع تلك الظاهرة بالدراسة والبحث العلمي وكذا تحيد حجم الظاهرة ونشأتها وتطورها ونموها وإعداد المتسولين وخصائصهم وهم العوامل والأسباب التي أدت إلى بروز تلك الظاهرة وتقديم الحلول لمواجهتها.

والسؤال الآن : ماهي الأسباب الاجتماعية التي أدت إلى انتشار ظاهر “التسول”؟

في نظر كثير من علم الاجتماع أن “التسول” حرفة اتخذها كثير من الناس يتقنون فيها سواء كانوا محتاجين أو غير محتاجين لعطف الآخرين، واستدرار شعورهم النبيل، فهي ظاهرة قديمة جداً، حيث كانت تمارس من بعض الشرائح والفئات الاجتماعية المعدومة اقتصادياً، أو من بعض الفئات التي تعاني أمراض معينة مزمنة، أو من ذوي الحاجات الخاصة، وفي ظل الظروف والأزمات المتعددة والمتشابكة والمعقدة داخل المجتمع العربي؛ إذ أن الحروب والقتل والتهجير والظروف الأخرى التي سادت بعض بلداننا العربية بسبب حروب الجيل الرابع، أضافت إلي كاهل المجتمع العربي مشكلة تزايد أعداد الأيتام والأرامل اللاتي هن بحاجة إلى معيل في ظل تزايد أسعار السلع والخدمات التي قد يفتقر هؤلاء الأفراد إليها، وإلي توفير أبسط شروط الحياة من مأكل أو مأوى، وأن الشخص العاجز، أو عديم الحيلة الذي لا مأوى له يصل به التحلل الخلقي درجة تجعله يتجه نحو التسول، ومقارنة المتسول لمنظره بمظهر الآخرين يدفعه إلى التماس الشفقة والرحمة ويحاول استغلال مركزه الاقتصادي المنخفض، ومن الواضح أن التسول نشاط على درجة كبيرة من التنظيم يرتبط بتقبل عام من جانب الشخص المتسول بدلاً من الإقبال على العمل، ويلم المتسولون المحترفون بأكثر أنوع التسول إنتاجاً، مثل عرض تشوهاتهم، أو عجزهم، أو مطاردة الرجال أثناء مسيرتهم مع زوجاتهم، كما يعرفون الأماكن الصالحة للتسول، مثل تجمعات الأشخاص في طريقهم، إلى أماكن عملهم، أو أماكن الترفيه إضافة إلى دور العبادة، كما يوجهون اهتماماً خاصاً بمظهرهم فيرتدون الملابس البالية ويستخدمون ألفاظاً واشارات معينة وتنتقل، مثل هذه المعلومات من جيل إلى جيل في أسر المتسولين (5).

أما في عرف فلاسفة التاريخ فالتسول، يمثل أحد إفرازات الحضارة، وسبب بؤس الإنسان، وحرمانه من أبسط احتياجاته ودفعه لطلبها من الآخرين، بشكل قد يصل إلى حد الاستجداء، وتأثيره على بنية الأسرة وفشلها في توفير مستلزمات إشباع الحاجات الضرورية، وفي مقدمتها الأمن ومشاعر الانتماء، بسبب غياب أحد الأبوين؛ وخصوصاً “الأب” الذي يمثل حالة الضبط، وحتى في حالة تواجدهم واستخدامهم الأساليب القمعية والعنف تجاه أولادهم يسبب الهروب والتخلي عن أسرهم واللجوء للشوارع وممارسة “التسول” والانحراف (6).

ولهذا يري كثير من الفلاسفة بأن “التسول” لا كرامة له ولا دين له، بل أنه يتطور مثله مثل الفيروس القاتل، دائماً يبحث عن أي ثغرة ليفتك بضحاياه، ومهما كان الظرف مأساويًّا، تجده يظهر بابتكارات جديدة تتماشى مع هذا الظرف، لنجد أنفسنا في ظل الظروف التي يعاني منها العالم أجمع في زمن كورونا، والذى أصبح القلق والخوف من العدو التاجي أكبر من الخوف من الحروب وويلاتها، أمام دنساء من المتسولين مستغلين طيبة الشعوب العربية، في التقرب إلى الله في زمن المحن، يسعون للربح الحرام، فلم يمنعهم هذا الوباء اللعين من ممارسة أفعالهم الشنعاء.

 
عرفتنا السوسيولوجيا بأن “الفقر” حالة إنسانية، أما “التسول” فمهنة احترافية. الفقر موجود في كل زمان ومكان، كان كذلك وسيبقى دائماً، وفى الحالة الإنسانية الطبيعية لا يُستخدم الفقر كوسيلة للتسول، وينطبق على من يعيش هذه الحالة ويترفع عن السقوط فى وهدة استغلالها قول الخالق العظيم: “لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحْصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا”.. أما المتسول المحترف فغير ذلك، فهو يؤدى وظيفة تروج في سياقات معينة وذلك حسب قول محمود خليل في كتابه التسول الإرادي،
إن “التسول” في نظر كثير من الفلاسفة أصبح غطاء للبلطجة والإجرام. الانفلات الأمني هو المسئول الأول عن هذه الظاهرة إلي جانب ارتفاع معدلات الفقر واتساع دائرة الجريمة، ولذلك رأينا أن “التسول” يزداد بين الأطفال والكبار لكن المشكلة تكمن عند الطفل الذي نحكم علي مستقبله بالضياع فهو يهرب من المدرسة ويمتهن مثل هذه المهنة لسهولتها كما أنه يعمل في الوقت الذي يريده ويمارس كل ما هو غير أخلاقي دون رقيب أو رادع.
وتتضح أهمية دراسة “التسول” كموضوع يمثل أحد مظاهر السلوك المنحرف للاعتبارات التالية (7):
الاعتبار الأول: أصبح “التسول” ظاهرة اجتماعيه تعاني منها الدول المتخلفة، أو النامية بصفة عامة، واتخذ شكلا حادا مهددا للمجتمع ، فأمتد إلى وسائل المواصلات، والشوارع، وأماكن الانتظار العامة، والحدائق، والمتنزهات، وأصبح من المألوف أن تجد في كل مكان من يمد يده للناس معترضاً طريقهم طالباً المساعدة .
الاعتبار الثاني: اجتاح “التسول” كافة الفئات السنية من الطفولة حتى الشيخوخة، ومن الذكورة إلى الأنوثة، وأصبح من العسير التعامل معه قانونياً في ظل هذا التغلغل الاجتماعي ورده إلى عوامله الاجتماعية الطبقية، أو النوعية الاقتصادية، بل وحتى النفسية المميزة ، ما يشكل صعوبة في دراسة هذه الظاهرة لحصارها، وعالجها، ووضع الحلول في طريق استفحالها .
الاعتبار الثالث: أن “التسول ظاهرة مستمرة باستمرار التكدس البشري في المدن وزيادة عدد المهجرين للمناطق الأخرى والمجاورة والمتخلفين مع ضعف فرص العمل والإنتاج .
الاعتبار الرابع: ازدياد حجم المشكلة خلال بعض المناسبات؛ وخاصة المناسبات الدينية والأعياد وشهر رمضان، والذي يشكل غير حضاري.
وظاهرة “التسول” أضحت لها شبكة كبري في العالم العربي، حيث ينتشر المتسولون في عزب ومناطق نائية وغالباً ما يكون زعيم الشبكة رجلاً أو امرأة استباح “التسول” لنفسه من خلال جمع أطفال متشردين ويلبي لهم رغبتهم الوحيدة في الإيواء والنوم والأكل فقط، أي يكتفي بمكان مسقوف، ونظير ذلك يقوم بتشغيلهم بطريقة غير مشروعة، في أعمال التسول الشحاذين واستدرار عطف المارة، أو التوجه إلي المنازل، وأماكن التجمع، أو في الأسواق وغيرها، وهنا أضحت ظاهرة “التسول”:”تجارة وعمل للأفراد”، لما لها من كسب مادي يساعدهم في تحمل أعباء الحياة، وتعد صفقة مربحة تخضع لمقياس اقتصادي محض غير قابل للخسارة، أم أنه مشروع تسول كبير بفكرة اقتصادية شاذة.
علاوة علي أن “التسول” أضحي يمثل سوسيولوجياً كارثة يترتب عليها ارتفاع معدل الجريمة؛ خاصة وأن من ينتمون إلى مهنة “التسول” أغلبهم من الشباب وبمجرد حصولهم علي الأموال من الممكن أن يتجهوا إلى الإدمان.
ويمكن تقسم المتسولون سوسيولوجياً إلي ثلاثة أصناف:
1-الصنف الأول: ويطلق عليهم ” المتنطعون” وهم الذين حققوا ثروات طائلة، وتضاعفت دخولهم بصورة غير متوقعة، لا عن مواهب فيهم، قدر ما هي خبطات حظ، أو ارتباك واقع.
2-الصنف الثاني: ويطلق عليهم ” المضطرون” وهم الذين دهستهم ظروف الحياة، وضغطتهم الأوضاع المعيشية، بصورة جعلتهم شديدة الحساسية لأى شخص يطلب منها المعونة أو المساعدة، فتجدها تعطيه قدر طاقتها بلا تردد، ودون بحث.
3- الصنف الثالث: ويطلق عليهم ” المحتالين” ، وهم الذين يذهبون إلى البيوت بحجة أن بهم أمراض في أجسامهم ومحتاجين للعلاج.
4- الصنف الرابع: ويطلق عليهم “المتوارثون” وهم الذين يعتبرون التسول أمرًا وراثيًا لا يمكن إغلاقه إلا بالوسيلة المادية فقط، لأن التسول ما هو إلا للكسب المادي، فضلًا عن أن بعضهم يستخدمون التسول كتجارة واستثمار مربح.
ويعد العامل الاقتصادي من أهم العوامل المسببة للتسول علي صعيد الفرد والمجتمع ، وقد اختلف فلاسفة علم الاجتماع في الموقف من مدي أهمية هذا العامل عند بحثهم للظواهر الاجتماعية ، ومن ذلك المواقف المتناقضة تجاه الفقر والبطالة ، والتي تمثلت في موقفين:
الموقف الأول: ويطلق عليه موقف فلاسفة “الرأسمالية”، وهو موقف مادي ينطلق من العقيدة الفردية السائدة في المجتمعات الغربية الرأسمالية التي تري بأن الفقير مسؤول عن فقره ، وأن بإمكانه أن يعمل بجد مثابرة من أجل أن ينجح في منافسة الآخرين ، ومن ثم يصبح الفرد الذي يثابر في عمله ويصبح غنياً والذي فشل يصبح فقيراً .
الموقف الثاني: وتمثله الفلسفة “الماركسية” التي انطلقت في تحليها لأوضاع الأسرة والمرأة نظرتها القائلة بالتفسير المادي للتاريخ والمجتمع ، والمتضمن وجود مظالم اجتماعية وانعدام العدالة الاجتماعية ، وسيطرة القيم المادية علي العلاقات الاجتماعية عبر التاريخ (8)؛ وهذا يعني أن المجتمع يبقي في حالة صراع يشتغل فيه الطبقة الفقيرة ، وهذا الصراع لا ينتهي إلا في وجود مجتمع اشتراكي خال من الطبقات تسوده حكم البروليتاريا (9).
وهناك حالات- فعلاً- إنسانية مؤلمة جدًّا موجودة في حالات “التسول”، وفي حالات بعض المتسولين، لكن هذه الحالة يجب معالجتها أيضاً، ظاهرة “التسول” يجب معالجتها، الجمعيات وكذلك الدولة من جانبها، المؤسسات المختلفة، المجتمع بنفسه أن يحاول أن يساهم في معالجة هذه الظاهرة التي تعد ظاهرة خطيرة، وتتحول في بعض الحالات لبعض الناس إلى عادة محببة؛ لأنه يرى فيها مصدراً سهلاً للدخل بدلاً عن العمل، وهذه جريمة، جريمة من يتجه وهو غير مضطر لفعل ذلك، فيجب أن يتعاون الجميع في احتواء هذه الظاهرة من جانب المجتمع نفسه، ومن جانب الدولة نفسها، من المؤسسات والجمعيات أن تسعى لمعالجة ظاهرة “التسول”، ومساعدة الناس المضطرين أو الذين يعانون من ظروف صعبة من خلال العمل، من خلال الإحسان، من خلال الرعاية.
حتى القرض، مهم جدًّا رعاية هذا الجانب، إلى جانب الإحسان، إلى جانب الهبة، الصدقة، العطاء، مهم أيضاً القرض، في بعض البلدان هناك تجارب جيدة للقرض الحسن، القرض غير الربوي، أما القرض بالربا وعلى أساس الربا فهو محرم، وهو لا يمثل أي مساعدة، هو استغلال، هو عمل انتهازي لا إنساني لابتزاز الناس بحسب ظروفهم، وعلى أساس الاستغلال لمعاناتهم، لكن القرض غير الربوي هو إحسان، هو خدمة كبيرة يقدمها الإنسان إلى أخيه الإنسان، وتعاونٌ مهم، هو من التعاون على البر والتقوى، فيه أجر، فيه فضل، له أهمية، له قيمة إنسانية وأخلاقية وإيمانية ودينية، القرض في حالة العسرة إلى حالة الميسرة.
وعلى مستوى الناس فيما بينهم أن يتعاطف هذا مع ذاك ويقرضه عند الظروف الصعبة، في الوقت نفسه المؤسسات التي يمكن إنشاؤها لتقديم هذه الخدمة للبعض الآخر من الناس، مع أن المؤسسات لا يجب أن تكون بديلاً عن تعاون الناس فيما بينهم، أبناء المجتمع فيما بينهم؛ لأن هذا يساهم في تعزيز الروابط الأخوية، يساعد في تعزيز الأمن الاجتماعي والاستقرار فيما بين الناس، ويقلص الجرائم، يعزز من حالة المحبة والإخاء والمودة فيما بين أبناء المجتمع.
وهنا يشير أحد علماء الاجتماع إلى أن “التسول” ينشأ من البيئة دون أي تدخل من العمليات والميكانيزمات النفسية وهو يصف المتسولين بأنهم ضحايا ظروف خاصة اتسمت بعدم الاطمئنان والضمان الاجتماعي، لأسباب متعلقة بالانخفاض الشديد لمستوى المعيشة الذين يعيشون في ظله، أو أنهم ضحايا مزيج من هذا وذاك، ويرى أخر أن التسول ” مظهر من مظاهر الخلل الاجتماعي أو شكلاً من أشكال الباثولوجية الاجتماعية وقد عرف د. منير التسول بأنه: ( موقف اجتماعي يخضع فيه المتسول لعامل أو أكثر من العوامل ذات القوى السببية مما يؤدي إلى ممارسة هذه المهنة، أو السلوك غير المتوافق عليه) (10).
بينما يشير علماء النفس بأن “التسول” يختلف عن النظرة العامة له، حيث يركز علماء النفس اهتمامهم العملي على شخصية المتسول ومراحل تصور هذه الشخصية، مما يؤدي إلى انحرافات نفسية حادة قد تقود إلى ممارسة التسول، كما يؤكد على أن ظاهرة التسول من الظواهر التي تنشأ نتيجة عدم توافق المتسول أو سـوء تكيفـه مـع المجتمع اليمني الذي ينشأ فيه وهذا يعود إلى اضطرابات شخصيته بوجه عام (11).
خلاصة القول إن ظاهرة “التسول” ظاهرة غير حضارية فهي تعطي انطباعاً وتصوراً سيئاً وغير محمود عن المجتمع الذي تظهر فيه وقد أمتهن هذه الظاهرة كثير م ضعفاء النفوس، الذين يستغلون عطف الناس وطيبتهم.
الأستاذ الدكتور محمود محمد علي
رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى