حضارة مجنونة وحثالة من الأغنياء الأغبياء.
*
رشيد مصباح (فوزي)
*
“Les morts en mangent, si on en mange on meurt, c’est plus petit qu’un grain de sable et plus grand que l’univers.”.
”يأكله الميت، وإذا أكلناه نموت، فهو أصغر من حبة الرمل وأكبر من الكون”. لغز طرحه عليَ معلَمُ فرنسيَة متقاعد؛ وكما تعلمون فإن المعلَمين القدامى لديهم ”كاريزما” تُميَّزهم عن الجيل الحالي؛ بهمَتهم العالية ودماثة أخلاقهم.
تفاهة الإجابة المتمثَلة في ”اللاَشيء” تدفعنا للتدبَر في حقارة الأشياء مقارنة بعجائب ما خلق الله. وتأمَلوا معي في مدى عظمة هذا الكون الذي نحن بالنسبة له عبارة عن نقطة أو أتفه من ذلك في بحر من البحور السبعة العظيمة: ((ما السَّماوات السّبع في الكُرسيِّ إلَّا كحلقةٍ ملقاةٍ بأرضٍ فلاةٍ ، وفضلُ العرشِ على الكُرسيِّ كفضلِ تلك الفلاةِ على تلك الحلقةِ)) الحديث الشريف. بل النقطة أجل وأعظم؛ إذا ما نظرنا إلى قدرتها على تغيير معنى الكلمات.
النقطة التي جعلت الرَئيس الرَاحل (الشَادلي بن جديد) يطلب من أعضاء حكومته يومها أن يضعوها على جباههم، بعد عودته من الهند وتأثَره بمدى ما أحرزه هذا البلد من تطوَر في مجال العلوم والمعرفة التكنولوجية، ظنَا منه إنَ السرَ في النقط التي يضعونها على جباههم (سخرية).
وتأمَلوا معي عجائب النقطة ومدى تأثيرها على معنى الكلمات؛ تدخل على التفاهة تحوَلها إلى نقاهة ، وعلى الغافل فيغدو العاقل اليقظ.
نحن ضحايا حضارة مجنونة وتافهة، تبحث عن حياة مثالية في عوالم تبعد ملايين السنوات الضوئية. غايتها في ذلك خدمة الإنسان؛ كما يزعم أنصارها وأصحابها من الأثرياء الأغبياء. لكنها في الوقت ذاته تعمل على إبادة الانسان بأنواع الأسلحة والسَموم الفتَاكة التي تنتجها في مصانعها المُلوِّثة لقتل ملايين الأبرياء.
الحضارة التي تقف مكتوفة الأيدي تائهة وحائرة أمام ما يجري من ظلم وجور وجوع يقع في هذا العالم الأرعن، ولا تكترث. ولا هي حتى تعترف بعجزها على الأقل، على الرّغم من كل التقارير والاحصائيات التي تدقَ فيها المنظَمات الإنسانية ناقوس الخطر، محاولة منها لإيقاظ ضمير أصحاب القصور والمنابر العاجيَة.
الحضارة التي ينفق أصحابها أرقاما خيالية؛ من الأموال والدولارات التي يتم كنزها وتكديسها ظلما وجورا في بنوكهم، من أجل فكرة البحث عن “حياة” في مجرّات على بعد ملايين السنوات الضوئية! وهم غير قادرين على تغيير شيء من واقع الفقر والظلم.. والهجرة غير المنظَمة.. وحياة التشرَد التي يعاني منها بعض النَاس… بلا شك حضارة مجنونة وأنصارها عبارة عن حثالة من الأغنياء الأغبياء.