حرب وشيكة جديدة في الشرق الأوسط
هل استفزازات الاحتلال في المسجد الأقصى ستولد شرارة الهشيم في الإقليم؟
تمارا حداد.
بعد الاستمرار المتوالي من قبل الاحتلال في ترسيخ السيادة اليهودية بأكثر من طريقة ومناسبة في القدس وبالتحديد في البقعة الدينية التي تخص المسلمين والمسيحيين قُبالة المسجد الأقصى، بات الأمر واضحاً بأن الاحتلال يضرب بعرض الحائط كل الاتفاقيات الدولية ولا يهمه التنديدات التي تخرج للدفاع عن المسجد الأقصى والتي تُشير الى إبقاء الوضع التاريخي والديني والقانوني للمقدسات الإسلامية والمسيحية.
على ما يبدو أن الاستمرار لهذه الانتهاكات ستكون وليدة شرارة البدء في حرب إقليمية تتوازى مع الحرب الاوكرانية _ الروسية، فالترابط بين الإثنين متلازمين لعدة اعتبارات أن روسيا واميركا ما زالتا حتى اللحظة لم يتفقا على تحديد أماكن نفوذهما وبالتحديد أن اجتماعات لوزان 2016 وما بعدها لم يُحددا الطرفين آلية شاملة لتقسيم أماكن السيطرة الخاصة بهما بالتحديد في شرق أوروبا لذا بدأت الحرب وقد تستمر لحرب عالمية ثالثة لتشمل تداعيات أخرى لشن حروب إقليمية وبالتحديد في منطقة الشرق الاوسط وشرق اوروبا، وستكون القضية الفلسطينية الورقة التي ستبدأ منها شرارة الحرب الدينية الإقليمية واسرائيل حالياً تلعب بالنار لاشتعال تلك الحرب.
ولكن قُبيل تلك الحرب “إن اشتعلت” سيأتي وفداً أمريكياً إلى منطقة الشرق الأوسط حيث يحمل أكثر من رسالة أولها تثبيت الوجود الاميركي في منطقة الشرق الأوسط بعد انسحابها المُفاجئ من المنطقة وتريد استرجاع علاقاتها المتصدعة وترسيخ اصطفاف دول الشرق الاوسط إلى صالح أميركا وبالتحديد أمام الحرب الدائرة في الحرب الروسية_ الاوكرانية “وكيلة أميركا” في شرق اوروبا.
وسيكون رسالتها الأخرى كيفية مواجهة تيار محور إيران المتواجد في أكثر من جبهة والتي تحيط باسرائيل وهذا يعني اذا اشتعلت الحرب فإنها لن تقف فقط في قطاع غزة وإنما في جنوب لبنان عبر حزب الله وأنصار المقاومة “الخلايا النائمة” في الضفة الغربية، وأيضاً من سوريا والعراق من خلال الحشد الشعبي عبر حلفاء ايران، وايضا اليمن من خلال انصار الله التابع لمحور ايران.
لذلك عندما ذكر السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس باشتعال الحرب الدينية الاقليمية كان قاصداً بكلمته ولم تخرج عابرة بل من خلال معلومات من خلال تواصله بين كافة حلفاء المقاومة التابعين لجمهورية ايران الاسلامية، ناهيك عن سفر وفد حماس مؤخراً الى موسكو لترتيب التحالفات المستقبلية لروسيا وحلفائها كون الحرب لن تتوقف إلا بحال ترتيب الأوراق بين أميركا وروسيا في أكثر من منطقة في العالم بالتحديد شرق أوروبا.
لا يمكن الاستهانة بقدرات المقاومة في أكثر من موقع ولا بالقدرات المتواجدة في جنوب لبنان فهناك التحام بين المقاومة اللبنانية مع نظيرتها الفلسطينية فهم يتجهزون للمعركة القادمة ان حدثت ضد الاحتلال الاسرائيلي التي تنطوي على الكثير من المفاجآت، ولا يمكن الاستهانة بالنشاط العسكري للحركات الفلسطينية في سوريا امام اي مواجهة مقبلة، ولا يمكن الاستهانة بقطاع غزة وبالحركات الجهادية او المسلحة او السلفية المتواجدة في القطاع، صحيح ان قطاع غزة يعج بالحركات والتنظيمات المختلفة بالفكر والعمل والمنهج وهذا الامر يجعل غزة معقدة بكل النواحي والجوانب، وكل فصيل في القطاع مرتبط بأجندة ودولة اقليمية معينة الامر الذي يجعل القطاع في فوضى ايديولوجية، ولكن اذا حدثت مواجهة بينها وبين الاحتلال الاسرائيلي فسرعان ما تتحد هذه الحركات وبالتحديد المقاومة للرد القاسي ضد الهجمات الاسرائيلية، فاستكمال اسرائيل هجومها ضد القطاع قد يتحول الهجوم الى حرب لتتوسع الى الجوار ودول الاقليم ومن ثم استكمال ترتيب اوراق الشرق الاوسط وشرق اوروبا، لأن ترتيب اوراق المنطقة لا تترتب إلا بحرب شاملة كالتي حدثت إبان الحرب العالمية الأولى والثانية أو بطريقة الحوار والاتفاقيات بين الدول الكبرى.
ولا يمكن الاستهانة أيضاً بالضفة الغربية حيث أن عرض إيران كان ومازال متاحاً لكل الشعب الفلسطيني مهما اختلفت إيديولوجياته بدعم من يتبنى خيار المقاومة وهذا العرض شامل لكل الفصائل” الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، وفتح، وحماس ” وطالما هذا العرض قائم فالمقاومة ستشهد لها قائمة في الضفة الغربية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
ولا يمكن الاستهانة في سيناء فهناك علاقة “تحددها الحاجة” بين بعض القيادات من حماس وقيادات اخرى في سيناء وقد يتعاونوا في حشد المقاومة، لم يعد الدور الايراني اللاعب الوحيد بمحور المقاومة فهناك اطراف اخرى ستدعم المحور، لان تلك الاطراف تعرف أن نقطة ضعف أميركا في منطقة الشرق الأوسط هي أمن إسرائيل، صحيح ان عدة دول ستسعى لتحقيق توازن الهدوء بين القطاع واسرائيل لكن عند اللحظة الحاسمة لن تستطع وقف شرارة الحرب التي ستنطلق إقليمياً.
زيارة الوفد الأميركي إلى المنطقة:
لو رجعنا إلى التاريخ وحلقات الزيارات الأميركية إلى الضفة الغربية سنرى كلها زيارات لا تبحث الحل الفعلي بين الجانب الاسرائيلي والفلسطيني بل تأتي إلى الاستماع لوجهة النظر بالرغم أن الجانب الفلسطيني دوماً يطرح تسوية حل الدولتين ويأتي الأمر بعدها ضمن تجاهل للطرح، ومجيء الوفد فقط لاقناع الجانب الفلسطيني بإرساء عملية التهدئة على حساب إيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية وليس لتحقيق السلام وحل الدولتين ووقف الاستيطان.
السياسة الاميركية لا تُبشر بخير كون الرئيس بايدن كغيره من الرؤساء الأمريكيون لم يُبدي موقفاً واضحاً منذ استلام منصبه للاستجابة للمطالب الفلسطينية خاصة الوقف الكلي للبناء الاستيطاني، ولكن ما سيحصل هو الضغط على الجانب الفلسطيني كونه الحلقة الاضعف لتعزيز الهدوء في المنطقة وقد يُهدد بوقف المساعدات الاميركية إذا لم يتوفر الهدوء والحفاظ على أمن اسرائيل بالتحديد أن أميركا حالياً يهمها تعزيز تحالفها مع الدول لمواجهة روسيا والمد الروسي في أكثر من بقعة في العالم.
الجانب الفلسطيني في أضعف حالاته قد يُبدي مرونة ولكن من المهم أن لا يكون على حساب القضية الفلسطينية فالإدارة الاميركية لم تحسم موقفها تجاه الجانب الفلسطيني بل فتحت المجال لمزيد من المراوغة لأنها تشعر بضعف الجانب الفلسطيني، بعكس رؤية روسيا التي دعت حركة حماس لأنها تعرف انها تملك مقاومة قد تشترك مستقبل بالحرب الإقليمية التي لن تتوقف إلا بإرساء اتفاقيات أخرى يتوافق عليها الدول العظمى.
خلاصة: إذا لم يتوقف تعدي الاحتلال على المسجد الاقصى فإن المنطقة ستتجه لحرب دينية بامتياز، ليس هذا فحسب فالحرب الاوكرانية الروسية اساسها حرب ايديولوجي ديني ومازال الاستعمار القديم الذي انبثق من حروب دينية ما زال يورث الصراع الذي أساسه صراع ديني لاستعمار حديث، واميركا معنية حالياً بعد تصريحات وزير الخارجية الروسية لافروف حول أصول هتلر اليهودية باستغلال ذلك لدفع اسرائيل ضد روسيا بعدما كانت على الحياد ومعنية بحشد عدد اكبر من الدول ضد روسيا من اجل الانتصار والقضاء على بروز تعدد الاقطاب والبقاء ضمن القطب الواحد وسيطرة اميركا على العالم.