حرب مختلفة و فريدة
حربٌ ليست كباقي الحروب!
مشعل يسار
كاتب وباحث،
مقطع من مقابلة مع العقيد في الجيش الأميركي ريتشارد بلاك
نقلا عن جريدة “زافترا” الروسية
——————
ريتشارد هايدن بلاك سياسي جمهوري أميركي وعقيد متقاعد. كان بلاك عضوًا في مجلس الشيوخ عن ولاية فرجينيا من عام 2012 إلى عام 2020، وعضوًا في مجلس المندوبين في فرجينيا من عام 1998 إلى عام 2006. قبل ذلك، كانت لريتشارد بلاك مسيرة عسكرية رائعة، أنهاها كرئيس لقسم القانون الجنائي في الجيش الأميركي ومقرّه البنتاغون.
قبل قرابة أسبوعين، أجرى ريتشارد بلاك مقابلة مطولة مع مايكل بيلنغتون من مجلة Executive Intelligence Review التابعة لمعهد شيلر. وقد نشرت تحت عنوان “الولايات المتحدة ستقود العالم الى حرب نووية”.
-إليكم قرائي الأعزاء المقطع الأول من المقابلة الذي يتحدث فيه عن رؤيته كاختصاصي مرموق لأحداث سوريا ولبنان في السنوات الأخيرة:
– كما نعلم، هناك الآن حرب بالوكالة تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي مجتمعين ضد روسيا على أراضي أوكرانيا. وهي تشمل كلا من الحرب الاقتصادية والحرب الإعلامية، والغرض منهما شيطنة روسيا وخاصة الرئيس فلاديمير بوتين. أحد المواضيع المتكررة أن الجيش الروسي ينفذ عمليات قتل وحشية للمدنيين وتدمير للمناطق السكنية، مع تكرار الإشارة إلى العمليات العسكرية الروسية في سوريا. يقال أنهم فعلوا الشيء نفسه في سوريا، لا سيما في حلب، ويُفترض أنها أمثلة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. لقد كنتَ أحد كبار علماء الطب الشرعي العسكري لسنوات عديدة. دعني أطرح عليك بعض الأسئلة، وأولها سيكون حول سوريا. كيف تقيّم الأساليب التي تلتزم بها روسيا في خوض الحروب مقارنة بتلك التي كانت الولايات المتحدة وحليفاتها تفضل اعتمادها في سوريا؟
“اسمح لي أن أبدأ بإخبار مستمعينا أنني شخص وطنيّ غاية في الوطنية: لقد تطوعت في سلاح مشاة البحرية وذهبت طوعاً للمشاركة في حرب فيتنام. وشاركت في أكثر الحملات دموية لقوات مشاة البحرية الأميركية خلال فترة الحرب بأكملها. كنت طيار هليكوبتر وقمت بـ 269 طلعة جوية. أصيبت طائرتى المروحية بنيران أرضية فى أربع طلعات. ثم قاتلت على الأرض مع الفرقة البحرية الأولى، وخلال إحدى الدوريات القتالية السبعين التي قمت بها، قُتل عامل اللاسلكي وأصبت أنا بجروح عندما كنا نقوم بالهجوم ونحاول إنقاذ موقع لمشاة البحرية محاصر. وهكذا أنا مؤيد جدًا لبلدي أمريكا. وأنا كنت حقًا جزءًا من حلف الناتو وكنت على استعداد للموت في ألمانيا وأنا أدافع عن نفسي وعن بلدي من هجوم الاتحاد السوفيتي.
الآن عن تجربتي في سوريا. أقول أولاً إن التدخل الأميركي، أعني حرب الولايات المتحدة ضد سوريا، حرب عدوانية. لقد تم إنشاء مركز أحداث خاص بوكالة المخابرات المركزية – يشبه إلى حد ما مجموعة من أمثال جيمس بوند ينتمون إلى وكالة المخابرات المركزية وهم مكيافيليون بالمطلق؛ هؤلاء سيفعلون أي شيء، فبالنسبة لهم لا توجد أية محظورات. أرسلناهم إلى هناك وبدأنا الحرب في سوريا. لم تكن هناك حرب إلا حين أرسلت الولايات المتحدة وكالة مخابراتها المركزية للتنسيق مع وحدات القاعدة *. وهكذا، لم تتم دعوتنا إلى سوريا من قبل أحد، لكننا بدأنا الحرب.
في الواقع، استولت الولايات المتحدة على جزأين كبيرين من سوريا. أحدها جزء كبير جدًا، هو منطقة نهر الفرات، التي تغطي حوالي ثلث الجزء الشمالي من سوريا. لقد غزت الولايات المتحدة هذا الجزء، فتم إحضار القوات بشكل غير قانوني – على عكس أي معيار من معايير القانون الدولي في شن الحروب.
هذا بالضبط ما أشار إليه جون كيري، الذي كان وزير الخارجية آنذاك، فقد خاب أمله من جراء الانتصار الكبير للقوات المسلحة السورية على القاعدة وداعش. فقال إن من المحتمل أن ننتقل إلى الخطة ب. لم يعلن عن ماهية الخطة (ب)، فقط مع مرور الوقت أصبح واضحًا أنها تتكون من مهمة استيلاء الأميركيين على هذا الجزء الشمالي من سوريا. وإن أهمية السيطرة على المنطقة الشمالية تمليها حقيقة أن هذه هي سلة الخبز للشعب السوري بأكمله، منطقة إنتاج القمح. في الواقع، كان هناك في سوريا قبل الحرب فائض كبير من القمح، وكان الناس يزوَّدون بالمواد الغذائية جيدًا. لكن الولايات المتحدة أرادت أن تستولي على القمح لإحداث مجاعة بين السكان.
شيء آخر قمنا به هو الاستيلاء على معظم حقول النفط والغاز. وقد تم استخراج هذه الموارد للتو في ذلك الجزء الشمالي وراء نهر الفرات. كانت الفكرة أن بإمكاننا من خلال سرقة النفط ثم الغاز، شل شبكة النقل. في الوقت نفسه يمكن أن يتجمد من البرد والصقيع حتى الموت، خلال فصول الشتاء السورية، جميع السكان المدنيين.
وهكذا كانت الخطة “ب” هي تجويع الشعب السوري وتجميده من البرد حتى الموت.
في مرحلة ما، بتنا نواجه حقيقة أن هؤلاء السوريين، في هذا البلد الصغير، صمدوا أيما صمود. لقد قاتلوا ضد ثلثي كل القوة العسكرية والصناعية في العالم. كيف يمكن لدولة يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة أن تتحمل كل هذا لأكثر من عقد من الزمان؟ ولذا قررنا أن نتحرك، وإلا فإننا سنفشل في سوريا. وهنا فرض الكونغرس الأميركي ما سمي “عقوبات قيصر”.
كانت “عقوبات قيصر” هذه أقسى وأشد عقوبات تفرض على دولة ما على الإطلاق. فخلال الحرب العالمية الثانية، لم تكن العقوبات صارمة بقدر ما هي صارمة على سوريا. كما فرضنا على سوريا حصاراً بحرياً. وأهدرنا قيمة عملتهم، وفصلناهم عن نظام سويفت SWIFT للمدفوعات الدولية، الأمر الذي جعل من المستحيل عليهم حتى شراء أدوية. على سبيل المثال، لم تستطع النساء السوريات المصابات بسرطان الثدي شراء الأدوية اللازمة لهن وتوفين من السرطان لمجرد أن المدفوعات الطبية المخصصة لهن لم يتم تمريرها عبر نظام الدفع الدولي SWIFT.
ومن بين الأحداث الأخيرة التي لنا ضلع فيها، ولكن لم يتم الكشف عن المعلومات المتوفرة في شأنها، الانفجار الغامض في مرفإ بيروت. لقد كان هذا انفجارًا قويًا لسفينة محملة بأسمدة نترات الأمونيوم. ونتيجة له قتل المئات من اللبنانيين، وجرحت آلاف كثيرة منهم، ودمر الاقتصاد اللبناني. والأهم من ذلك أن هذا دمر النظام المصرفي اللبناني الذي كان أحد خطوط الحياة المالية القليلة المتبقية لسوريا. لا أعتقد أن هذا الانفجار كان عرضيًا. اعتقادي أنه كان مخططا له، وأظن أن المخابرات المركزية الأميركية كانت على علم باسم الدولة التي نفذت هذا العمل لتدمير ميناء بيروت.
بشكل عام، أينما ذهبت ترى هذا النهج المكافيلي، حين تستخدم الولايات المتحدة القوة غير المحدودة أي العنف المفرط. في الوقت نفسه، نحن نتحكم في وسائل الإعلام العالمية، حيث تمحو الدولايات المتحدة كل كلام يقال في المناقشات حول ما يحدث بالفعل. لذلك، يعتقد الناس العاديون في الشارع أن كل شيء على ما يرام، أن كل شيء يحصل انطلاقا من الإيثار وطلب الخير للآخرين. لكن الأمر ليس كذلك.