حرب الظل.. أبعاد استهداف المصالح الإسرائيلية في المنطقة من قبل إيران
حرب الظل:
أبعاد استهداف المصالح الإسرائيلية في المنطقة من قبل إيران
الحائط العربي
يُشير استهداف الناقلة التجارية “إم.في باسيفيك زيركون” المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي عيدان عوفر، في 15 نوفمبر الجاري، إلى أن مساحة التصعيد بين إيران وإسرائيل سوف تتسع تدريجياً خلال المرحلة القادمة، في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في الرد على الهجمات الإسرائيلية ضد المواقع وشحنات الأسلحة الإيرانية في سوريا، وممارسة ضغوط أكبر على الولايات المتحدة الأمريكية بسبب تعثر المفاوضات النووية، ومحاولة توجيه تحذيرات غير مباشرة للدول الغربية بسبب دعمها المستمر للاحتجاجات الإيرانية التي دخلت شهرها الثالث في اليوم نفسه، والتلميح مجدداً إلى إمكانية عرقلة إمدادات الطاقة من المنطقة.
لم تعلن إيران كالعادة مسؤوليتها عن الهجوم على ناقلة الوقود “إم.في باسيفيك زيركون”، الذي تم بواسطة طائرات من دون طيار ترجح تقارير عديدة أن تكون من طراز “شاهد 136″، وهو نفسه الطراز الذي قدمته إيران إلى روسيا لتعزيز قدرة الأخيرة على إدارة عملياتها العسكرية في أوكرانيا. إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية رجحت أن تكون إيران هي المسؤولة عن الهجوم، على نحو بدا جلياً في تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، التي قال فيها إنه “بعد مراجعة المعلومات المتاحة، بتنا واثقين من أن إيران شنت الهجوم على الأرجح بواسطة طائرة مسيرة”.
وفي الواقع، فإنه بصرف النظر عن نفي إيران مسؤوليتها عن الحادث، يمكن القول إن توقيت وقوع هذا الهجوم، فضلاً عن الظروف الإقليمية المحيطة به، يشير بوضوح إلى أن إيران هي المتهم الأول في هذا السياق، وهو ما يعود إلى اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في أن هذا الهجوم ليس هو الأول من نوعه، فقد سبقته هجمات متعددة ضد مصالح إسرائيلية، على غرار الهجوم المميت الذي تعرضت له سفينة تديرها شركة إسرائيلية قبالة سواحل عُمان في 30 يوليو 2021. إلى جانب الهجوم على سفينة تجارية تابعة لشركة إسرائيلية قبالة سواحل الإمارات في 13 أبريل من العام نفسه.
دوافع عديدة
يمكن تفسير إقدام إيران على استهداف المصالح الإسرائيلية في المنطقة في ضوء دوافع عديدة، هي:
1- الرد على الهجمات الإسرائيلية في سوريا: جاء الهجوم على السفينة الإسرائيلية بعد نحو أسبوع من الضربة العسكرية التي وجهتها إسرائيل لصهاريج تابعة لإيران على الحدود بين العراق وسوريا، قالت إسرائيل إنها كانت تحمل أسلحة إيرانية وليس نفطاً كما تدعي طهران. ويبدو أن هذه الضربة الإسرائيلية الأخيرة قد وجهت رسالة حادة إلى إيران، بأنه لم يعد متاحاً أمامها خيارات متعددة فيما يتعلق بنقل الأسلحة إلى سوريا، بعد أن تمكنت إسرائيل من توجيه ضربات قوية لكل الخيارات المتاحة أمام إيران، سواء عن طريق الجو، أو من خلال البر، حيث ركزت إسرائيل في الفترة الماضية على بعض المطارات مثل مطار دمشق الدولي ومطار الشعيرات، الذي تعرض بدوره لضربة في 13 نوفمبر الجاري.
وربما يمكن القول إن إيران تريد أن توجه بدورها رسالة مضادة إلى إسرائيل، بأنه إذا كانت الأخيرة نجحت في تقليص الخيارات المتاحة أمامها في سوريا، فإنه بإمكانها توسيع تلك الخيارات مجدداً عبر نقل المواجهة من سوريا إلى ساحات أخرى لا تستطيع إسرائيل أن تضبط إيقاعها بسهولة، على غرار ما يحدث في سوريا.
2- ممارسة ضغوط بسبب تعثر المفاوضات النووية: رغم أن إيران سعت في الأيام الأخيرة إلى إبداء استعدادها لإعادة استئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي، وإعادة الاتصالات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن ذلك لم يلقَ اهتماماً ملحوظاً من جانب الدول الغربية، التي أكد بعضها أنه لم يعد يمنح أولوية خاصة للمفاوضات والاتفاق النووي، في ظل وجود أولويات أخرى تتمثل في الدعم العسكري الإيراني لروسيا في الحرب مع أوكرانيا، والاحتجاجات المستمرة في إيران التي افتتحت شهرها الثالث.
وهنا، فإن إيران ترى أن ذلك يُضاعف الضغوط والعقوبات المفروضة عليها، والتي بدأ يتسع نطاقها لتشمل عقوبات خاصة بالدعم المقدم إلى روسيا في الحرب ضد أوكرانيا، وبالانتهاكات التي تُرتكب ضد المحتجين في إيران. كما أنه يزيد من حدة التوتر في العلاقات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خاصة أن مجلس محافظي الوكالة يُناقش حالياً مشروع قرار ينتقد عدم تعاون إيران مع الوكالة فيما يتعلق بالإجابة عن الأسئلة التي سبق أن طرحتها حول وجود آثار يورانيوم في ثلاثة مواقع لم يعلن عنها من جانب طهران.
واللافت هنا هو أن الوكالة بدأت تحذر بشكل مستمر من عواقب التطور المستمر في القدرات النووية الإيرانية، حيث أشار آخر تقديراتها، في 11 نوفمبر الجاري، إلى أن كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وصلت إلى 62.3 كلجم، على نحو يشكل تحدياً واضحاً للدول الغربية.
3- الترويج لرواية المخطط الإسرائيلي لدعم الاحتجاجات: ما زال النظام الإيراني حريصاً على تبني الرواية نفسها في تعامله مع الاحتجاجات الداخلية، والتي تقوم على أنها تعبير عن مخطط خارجي لتقويض دعائمه بمساعدة أطراف داخلية. وقد واصل المسؤولون الإيرانيون توجيه اتهامات إلى إسرائيل بأنها تدعم هذه الاحتجاجات. بل إن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قال، في 17 نوفمبر الجاري، إن إسرائيل وأجهزة استخبارات غربية تسعى إلى إشعال حرب أهلية في إيران وتقسيمها، مشيراً إلى أن “إيران ليست ليبيا أو السودان”. ويبدو أن ذلك لا ينفصل عن الحادث الذي وقع قبل يوم واحد في مدينة إيذه جنوب غرب إيران، ووصفته السلطات بأنه “عمل إرهابي”.
وقد كان لافتاً في هذا السياق، أنه بالتوازي مع شن الهجوم الأخير ضد السفينة الإسرائيلية، أعلن الحرس الثوري، في 16 نوفمبر الجاري، أنه تم القبض على جاسوس يعمل لحساب جهاز الموساد الإسرائيلي في مدينة كرمان جنوب شرق إيران.
4- التهديد باستخدام ورقة النفط لمواجهة العقوبات الغربية: ركزت إيران في هذه المرة على استهداف ناقلة نفط، وهو ما يوحي بأنها ربما تحاول عبر هذا الهجوم التلميح إلى أن تحركاتها على الأرض خلال المرحلة القادمة قد تفاقم من أزمة إمدادات الطاقة التي تواجه الدول الغربية، وتحديداً الأوروبية، بسبب تداعيات استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية. وبالطبع، فإن إيران هنا تحاول تأكيد أن انخراطها في أية إجراءات قد تؤدي إلى تصاعد حدة تلك الأزمة سوف يكون نتيجة مباشرة لاستمرار ضغوط العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، ورفع مستوى الدعم الغربي للاحتجاجات الداخلية، واستمرار الاختراقات الأمنية التي تقوم بها إسرائيل داخل أراضيها لاستهداف المنشآت النووية والصاروخية، فضلاً عن العلماء النوويين والقادة العسكريين.
ودائماً ما تستند إيران إلى قدرتها على عرقلة وصول إمدادات الطاقة من المنطقة إلى الأسواق الدولي في حالة ما إذا مُنعت من تصدير نفطها، أو تعرضت لعمل عسكري في المرحلة القادمة، وهو احتمال لا يمكن استبعاده في ظل الظروف الحالية التي طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية.
استهداف متواصل
تبدو إيران في المرحلة الحالية متحفزة بشكل أكبر للتصعيد ليس ضد إسرائيل فقط، وإنما ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض دول المنطقة، ولا سيما السعودية، في ظل الاتهامات التي توجهها إلى هذه الدول بدعم الاحتجاجات في الداخل. وبالطبع، فإن ما يزيد من هذا الاحتمال هو أن إيران تتعرض لأزمات متزامنة في وقت واحد. فإلى جانب الاحتجاجات المتواصلة التي استطاعت مواجهة السياسة القمعية التي يتبناها النظام، فإن إيران ما زالت تتعرض لعقوبات أمريكية وغربية قوية. كما أنها بدأت تتعرض لعمليات من جانب تنظيم “داعش”، وبدأ بعض عناصر الباسيج يتعرضون للقتل بشكل بات يمثل ظاهرة لافتة في الآونة الأخيرة. وفي ضوء ذلك، ربما لا يكون الهجوم الذي تعرضت له السفينة الإسرائيلية هو الأخير من نوعه في سلسلة الاستهدافات التي تقوم بها إيران ضد مصالح خصومها في المنطقة.