جلسات تصحيح و استدراك
استدراك
الحياة فضاء واسع رحب، هو ساحة امتحان مفتوح غير محدد المدة و الأجل ، لكن لها
محطة انتهاء غير معلومة، تنتهي حين يدق الجرس معلنا نفاذ الوقت ، حينها لا وقت
للاستدراك و الوقت الإضافي لإكمال الاختبار ، اللبيب من استغل الوقت لجني المحصول .
و تبقى مواسم الخير مفتوحة مشرعة مادام في العمر بقية ، تبقى الفرص تشرع أبوابها
للمقبلين الذين استباق الخيرات .
تشرع أبوابها لكل نفس لوامة ، تحركت فيها نزعات الخير
تشرع أبوابها للأوابين الذين يراجعون الحسابات دوريا
تفتح أبوابها لكل من يريد تضميد الجروح و الأخطاء
تفتح أبوابها للمقصرين في جنب الله، المقصرين في حق النفس و الجوار
هؤلاء جميعهم تشرع لهم أبواب الخيرات حتى يغنموا و يفوزوا بالجائزة.
النبيه من يعقد جلسات ليصلح ما بينه و بين خالقه ، يعقد جلسات ليصلح ما بينه و بين
الخلق ، كي يعيد السكة لوضعها الصحيح .
نجلس لنرمم العلاقات المترهلة
نصلح المودات التي أفسدتها نزوات و حظوظ نفس
نصلح ألفة عمر طويلة ضاعت في ساعات غفلة
نعقد الجلسات نلملم جراحات القلوب
فكم من قريب باعدت بينه و بين أحبابه فتات الأرض الفاني
و كم من صديق ضيع عشرة عمر طويلة ، ضيعها تنافس مذموم
نعقد الجلسات لنعيد أقدامنا لمواضعها ، نعيدها لحياضها ، نعيدها لرياض الجنة ، في باحات
العلم الذي تسعد به الروح .
نعقد الجلسات لنكشف زيف العلاقات المزيفة المغشوشة، لتتصافح القلوب بذل الأكف
الملوثة بالأحقاد و الضغائن.
نعقد الجلسات لنلجم الألسنة ونعقد ألسنتها حتى لا تخوض في الأعراض، و نبش قبور
الأموات،و الخوض في مشاريع الضياع و التيه .
نعقد الجلسات لنعيد عقارب الساعة لوقتها الصحيح ، فنصرف أوقاتنا في الأمور المهمة
النافعة ، نصرف أوقاتنا في الأمور التي تصلح شأننا ، بدل القيل و القال .
نعقد الجلسات لنخرج أنفسنا من دائرة الانغلاق إلى العتق الحقيقي ، لنشم نسائم الأفراح ،
التي نسعد بها الروح و الأهل و الخلان .
نعقد الجلسات تلو الجلسات نصحح المسار الطويل ، نعدل الأهداف المخالفة لروح عقيدتنا ،
المخالفة لأصالتنا ، المخالفة لموروثنا الحضاري ، المخالفة لقيمنا الانسانية .
نعقد الجلسات لنقنع أنفسنا إن حياة الزيف لا تدوم، و أن العلاقات المصنوعة لا تدوم ،
كالأشجار تعريها عوارض الخريف ، و هزات الشتاء .
إن الإنسان العاقل هو ذاك الذي يصحح المسار كل فترة ، يدقق الحسابات كل برهة ، يصلح
أحواله كل ساعة ، فالمرء الواعي لا يأمن العواقب ، يقرأ المحاذير ؛ فكم من مغدور فاتته
أوقات التصحيح و الاستدراك .
الأستاذ حشاني زغيدي