تعرية جسد المرأة بإسم الفن
نص البنت التحتاني، كله حلاوة رباني. (أزمة المهرجانات)
مختار سعد شحاته
لا أفهم منطق البرجوازيين، والنخب الثقافية، التي تتشدق بالحريات ثم تحاول منع موسيقى المهرجانات؟! أود أن أؤكد أن المقال هنا لا يعنيه أن يكون مع أو يكون ضد، لكن يحاول بشكل بحثي تحليل الظاهرة من خلال أسئلة يطرحها المقال بشكل بحثي فقط.
إغفال السياق:
لماذا لا نقرأ ذلك (ظهور المهرجانات) في سياقه التاريخي والاجتماعي والاقتصادي، ليس السياق المحلي فقط، إنما السياق المحلي بالتوازي مع السياقات العالمية. لا أفهم كيف لا يقدم لنا هؤلاء تحليلا لهذا السياق الذي ظهرت فيه المهرجانات، وفقط يتحولون لهجوم قح بلا ذرة تحليل الظاهرة.
خلال تحقيق صحفي ميداني ونظري (نشر مختصره في جريدة الحياة) أجريته حول الأغاني الشعبية والإيقاعات في شمال البرازيل، تعرفت على نوع موسيقي يوازي المهرجانات، يسمى (مؤخرة الكلب)، وهي موسيقى تنتشر بين الشباب من سن المراهقة حتى نهاية العشرينيات، وللبرازيلين نفس الموقف منها، لكنهم لم يطالبوا بمنعها، وإنما أعلنوا موقفهم، وتفهموا سياقها داخل البيئة والعشوائيات، وداخل سياق عمري لمن يسمعها، بل وجدتهم يستمعون إليها في نهايات الأسابيع، مثلما يستمع المصريون إلى المهرجانات في الأفراح والحفلات.
دع مائة وردة تتفتح:
لا أفهم كذلك اليساريين حين يطالبوا بالمنع وهم المتشدقون بمقولة ماو (دع مائة وردة تتفتح)، لماذا لا يثقون في مطلبهم الحقيقي بالحريات؟ لعمرك إن ذلك في القياس عظيم!!
اليساريون أنفسهم في الحقبة الماوية، بل وماو نفسه لم يسمحوا بأي ورد يتفتح خارج نظامهم، والذي في بعض حالاته تحول إلى الديكتاتورية، والقمع بحجة حماية المجتمع، وهو تناقض صارخ ومقيت.
شاط شاط السكر النبات:
نعجب أكثر من هؤلاء الذين يشيرون إلى مفردات الكلمات الخاصة بالمعرجانات، بأنها نابية وخارجة، لا أفهم هل قرأ هؤلاء أغاني التراث وأغاني الحصاد المصرية، مثلا حين يقول (نص البنت التحتاني… كله حلاوة رباني)، وكذلك (شاط شاط شاط، السكر النبات، المية والهوا، والقلب اللي انكوى، يا وسطي!!)، (حط إيده ياه، على صدري ياه… إلخ)، بل استمع إلى الإيحاءات والمباشرة في الأغنية الشعبية (المحكمة بأربع بيبان…)، وأغنية (يا أمه الحرامي، وآنا نايمة… )، ودعني آخذك لأغنية أخرى تقول (متحسبوش يا بنات إن الجواز راحة، أول سبوع يا بنات ع الفرش مرتاحة، تاني سبوع يا بنات حماتك رداحة، تالت سبوع يا بنات ع المحكمة ريحة، …. إلخ).
لماذا لم يمنعوا ذلك؟! بل نجد عشرات الأبحاث والرسائل العلمية والكتابات حول ذلك، دون أن يتهموا تلك الأغنيات بإفساد الذوق العام أو تهديد منظومة الأخلاق في المجتمع.
هوس السيطرة:
لعل أسوأ ما تفرزه تلك الأزمة، هو إعادة تصدير الطبقة البرجوازية لمحاولات هيمنتها وسيطرتها على المجتمع، وإعادة إنتاجية سلطتها التي فقدتها في ظل الأمبريالية الرأسمالية وثقافة اقتصاد السوق، لتعيد نفسها إلى نفس الأزمة الأبدية لهؤلاء البرجوازيين، ممن يظنون أنهم رمانة ميزان المجتمعات، وحراس عقيدته ونُساك قيمه، وكأن هؤلاء مصابون بهوس السيطرة، وهو بالأساس وبالحياد البحثي، لا يفهم منه إلا الاستعلاء المقيت، والانغلاق المتعتق على حزم فكرية تجاوزها العصر بطبيعة آلياته وما فيه من مفردات خاصة، لعل أهمها هو ذلك الافتراض العالمي بشبكته العنكبوتية التي تضمن عالما من الحريات لا يمكن فيه ممارسة القمع أو تمثل الأبوية والسلطوية.
أخيرا،
أطلقوا الحريات، وراجعوا كل ما يقدمه الإعلام والتعليم والمسجد والكنيسة، قبل أن نثور ضد كلمات نستخدمها يوميا في الشارع وفي المواصلات العامة وفي الجلسات الخاصة، ولماذا لا نتعلم أن حرية مائة وردة للتفتح، ستسمح فقط الورد الناضج أن يزهر شرط أن تكون أرضه غير فاسدة.
لنعلم أخيرا أن الذوق العام أمر نعيه لكننا لا يمكننا تعريفه تعريفا محددا واخدا، فما نقبله اليوم سنرفضه غدا أو العكس.
ليس الحل في حرب المهرجانات إنما الحرب الحقيقية هي إعادة الهيكلة للتعليم والإعلام، وإطلاق الحريات في دولة قانون حقيقية، تعاقب بشدة أي خروج عن القانون الحاكم لهذا المجتمع.