تطور العلاقة الاقتصادية الصينية الخليجية
المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات
«ملف»
العلاقات الاقتصادية الصينية ــ الخليجية
واقع وآفاق
د. سمير أبو مدللة
محاضر بجامعة الأزهر بغزة
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
سلسلة «كراسات ملف»
المحتويات
■ مقدمة
■ تمهيد
1 ـ العلاقات الصينية ــ السعودية .. نموذجاً
2 ـ تعاون متنامٍ ومصالح مشتركة
3 ـ اتجاهات التبادل التجاري لدول مجلس التعاون
4 ـ مسار الشراكة على محك النفوذ الأميركي
5 ـ تحديات وعقبات
6 ـ خطوات مقترحة لتطوير العلاقات الصينية ــ الخليجية
مقدمة
■ يتضمن هذا الكراس دراسة اقتصادية بعنوان« العلاقات الاقتصادية الصينية – الخليجية .. واقع وآفاق»، وضعها الدكتور سمير أبو مدللة، الأستاذ بجامعة الأزهر في قطاع غزة ، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
ترصد الدراسة مسار نمو التعاون الاقتصادي بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، مشيرة إلى أهمية الدور الصيني في مساعدة دول المجلس على تسهيل التجارة والخدمات والاستثمار، بما يساعد الجانبين على توسيع التعاون في المجالات الناشئة مثل الاقتصاد الرقمي والطاقة الجديدة والذكاء الاصطناعي، ودعم التنويع الصناعي.
وتبين الدراسة بالإحصائيات أن الصين باتت في المرتبة الأولى من بين أهم الشركاء التجاريين لمجلس التعاون الخليجي من حيث إجمالي الصادرات السلعية، حيث شكلت ما نسبته 17.4% من إجمالي الصادرات السلعية لمجلس التعاون إلى الأسواق العالمية – 2019.
المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات /«ملف»
15/8/2023
تمهيد
■ تلعب الصين دوراً قيادياً في مسار النمو الاقتصادي العالمي، وهي محط اهتمام الكثير من الدول التي تسعى إلى عقد وتطوير شراكة اقتصادية معها، منذ بروز دورها الاقتصادي في النصف الثاني من سبعينيات ق20.
بلغ إجمالي الناتج المحلي للصين ــ 2021 نحو 17 تريليون و700 مليون $ ، وهو يمثل 18% من الناتج الإجمالي العالمي، بزيادة نحو 3 تريليون$، مقارنة بالعام 2020. وساهم هذا النمو في ارتفاع مبيعات التجزئة بنسبة 12.5%، ونما الناتج الصناعي بنسبة 9.6% ، الأمر الذي ساهم في الحفاظ على معدلات التشغيل واستقرار سلاسل التوريد الصناعي لديها، وانعكس ذلك في نمو حجم الصادرات السلعية الصينية لتصل إلى نحو 3 تريليون و360 مليون$ ـــ 2021، بمعدل نمو 30% مقارنة مع العام الذي سبقه، وأدى ذلك إلى تحقيق فائض في الميزان التجاري بنحو 676 مليار و430 مليون $. وهو أعلى مستوى بلغه منذ بدء السجلات ــــ 1950.
■ تستورد دول مجلس التعاون الخليجي من الصين السلع والخدمات. وقد شهد حجم التبادل التجاري بين الجانبين زيادة ملحوظة خلال الأعوام الأخيرة، كحصيلة للجهود الكبيرة التي بذلت لتعزيز الشراكة الاقتصادية فيما بينها. وقد ركزت اللقاءات بين الجانبين على «ضرورة إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية في أسرع وقت ممكن، بهدف زيادة وتعميق مجالات التعاون المتبادلة ورفع مستوى التعاون العملي لمواجهة التحديات، بما يحقق التنمية ويخدم المصالح المشتركة»،كما أكدت على ضرورة «التوقيع على خطة العمل المشتركة للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون والصين بين عامي 2022- 2025 ، في أسرع وقت ممكن، من أجل فتح آفاق جديدة وتوسيع مجالات التعاون، وإتمام المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة وإقامة منطقة التجارة الحرة بين الجانبين، بغية رفع مستوى تحرير التجارة وحوكمة المصالح التجارية والاقتصادية للطرفين على طريق تعزيز التواصل الاستراتيجي، ومتابعة البرامج التنموية وتخطيط العلاقات والتعاون في المستقبل».
(1)
العلاقات الصينية ــ السعودية .. نموذجاً
■ نمت العلاقات الصينية السعودية منذ كانون الثاني (يناير) 2016، ووقعت بين الجانبين اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وكان للزيارات المتبادلة نتائج إيجابية ساهمت في توسيع نطاق التعاون بين البلدين في شتى المجالات. واتفق الجانبان على مواصلة إعطاء الأولية للعلاقات الثنائية ضمن علاقاتهما الخارجية، بما يقدم أمام الدول النامية نموذجاً يحتذى من التعاون والتضامن وتحقيق المنفعة المتبادلة.
كما اتفقا على مواصلة دعم مصالح بعضهما الجوهرية، ووقوف كل منهما بثبات مع الآخر في الحفاظ على سيادته وسلامة أراضيه، وبذل جهود مشتركة في الدفاع عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وغيره من قواعد القانون الدولي والمبادئ الأساسية للعلاقات الدولية. وقد جدد الجانب السعودي في هذا السياق التزامه بمبدأ «الصين الواحدة».
واهتم الجانبان بتعزيز التعاون بينهما من خلال «اللجنة السعودية الصينية المشتركة رفيعة المستوى»، لتحقيق الأهداف المشتركة وتعزيز التعاون بين البلدين في كافة المجالات، وتكثيف التواصل بين القطاعين الحكومي والخاص في البلدين لبحث الفرص الاقتصادية والتجارية والاستثمارية وترجمتها إلى شراكات ملموسة، وتعزيز التعاون في المجالات التي تهدف إلى الارتقاء بالعلاقة الاقتصادية والتنموية بين البلدين إلى آفاق أوسع. ويشمل التعاون بين البلدين المجالات الآتية:
1ــ في مجال الطاقة: يؤسس التعاون في هذا المجال لشراكة استراتيجية مهمة بين الطرفين، لما تتميز به المملكة من موارد نفطية وافرة، وما تتميز به الصين من سوق واسعة. ويخدم تطوير وتوطيد التعاون بينهما في مجال النفط المصالح المشتركة للجانبين. وينطلق الجانبان في تعاونهما من التأكيد على أهمية استقرار أسواق البترول العالمية. وقد رحبت جمهورية الصين الشعبية بدور المملكة في دعم توازن واستقرار أسواق البترول العالمية واستقرارها، كمصدِّر رئيسي موثوق للبترول الخام إلى الصين. ويدعم الطرفان الفرص الاستثمارية المشتركة في قطاع البتروكيماويات وتطوير المشاريع الواعدة في تقنيات تحويل البترول إلى بتروكيماويات،وتعزيز التعاون المشترك في عدد من المجالات والمشاريع ومنها الكهرباء، والطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح، وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة وتطوير المشروعات ذات العلاقة، والاستخدامات المبتكرة للموارد الهيدروكربونية، وكفاءة الطاقة، وتوطين مكونات قطاع الطاقة وسلاسل الإمداد المرتبطة بها، وتعزيز التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والتعاون في تطوير التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والابتكار في قطاع الطاقة.
وأكد الطرفان أهمية تعميق التعاون المشترك في مبادرة «الحزام والطريق»، والترحيب بانضمام المؤسسات السعودية المعنية إلى شراكة الطاقة والاستثمارات المختلفة في إطار هذه المبادرة، وتعزيز موقع المملكة كمركز إقليمي للشركات الصينية لإنتاج وتصدير منتجات قطاع الطاقة، بالإضافة إلى الاستثمار المشترك في مشاريع الطاقة في دول المنطقة والدول المستهلكة لمنتجات الطاقة في أوروبا وأفريقيا، بما يسهم في تطوير المحتوى المحلي السعودي، ويحقق للصين الاكتفاء الذاتي في قطاع البتروكيماويات من خلال استثماراتها ذات الصلة في المملكة.
[مبادرة«الحزام والطريق»:استراتيجية تنموية أعلنتها الحكومة الصينية ــ 2013، وتتضمن تطوير البنية التحتية والاستثمارات في 152 دولة ومنظمة دولية في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وأفريقيا ــ المحرر].
2 ــ التغيِّر المناخي: رحبت الصين بإطلاق المملكة مبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الاخضر»، وأعربت عن دعمها لجهود المملكة في مجال التغيِّر المناخي من خلال تطبيق نهج «الاقتصاد الدائري للكربون»، الذي أطلقته المملكة وأقره قادة دول «مجموعة العشرين». وينظر المراقبون بأهمية إلى تنفيذ الاتفاقيات المناخية بالتركيز على الانبعاثات دون المصادر. وقد اتفق الجانبان على مواصلة التنسيق حول سياسات الطاقة من خلال استخدام «الاقتصاد الدائري للكربون»، كأداة لإدارة الانبعاثات وتحقيق أهداف المناخ، وحث الدول المتقدمة على القيام بمسؤولياتها التاريخية، وتنفيذ تعهداتها بتخفيض الانبعاثات بشكل كبير قبل الموعد المستهدف، ومساعدة الدول النامية بشكل ملموس على تعزيز قدراتها على مواجهة تحديات المناخ من خلال الدعم المالي والتقني وبناء القدرات.
3 ـــ التجارة البينية والاستثمار: يؤدي نمو حجم التجارة البينية والاستثمارات بين البلدين إلى تعميق علاقتهما الاقتصادية واستدامتها، ويدفع باتجاه زيادة حجم التبادل التجاري غير النفطي وتسهيل صادرات المملكة غير النفطية الى الصين، وزيادة حجم الاستثمارات النوعية المتبادلة. وقد اتفق الجانبان على تعزيز العمل للاستفادة من الفرص التجارية والاستثمارية المتاحة، وتكثيف التواصل والزيارات بين مؤسسات القطاع الخاص من البلدين، وزيادة سعة رحلات الناقلات الجوية، وتحفيز الشراكات الاستثمارية بين مؤسسات القطاع الخاص من البلدين، وتضافر الجهود لخلق بيئة استثمارية خصبة ومحفزة وداعمة في إطار «رؤية 2030»، ومبادرة «الحزام والطريق»، وذلك عبر تعميق التعاون في العديد من المجالات بما في ذلك صناعة السيارات، وسلاسل الإمداد، والخدمات اللوجستية، وتحلية المياه، والبنى التحتية، والصناعات التحويلية، والتعدين، والقطاع المالي.
[«رؤية 2030»: خطة تنموية طرحت في المملكة العربية السعودية ــ 2016، وتهدف إلى تنويع مصادر الاقتصاد عبر تقليل الاعتماد على النفط، وقد ترافق طرحها مع إطلاق حزمة من المشاريع التنموية الضخمة متعددة المجالات في المملكة ــ المحرر].
ويتطلع الجانب السعودي إلى اجتذاب الخبرات الصينية للمشاركة في المشروعات المستقبلية الضخمة في المملكة، وحرصه على تمكين الاستثمارات السعودية في جمهورية الصين الشعبية، وتذليل الصعوبات التي تواجهها، ويسعى لاستقطاب الشركات العالمية الصينية لفتح مقار إقليمية لها في المملكة، وقد ثمَّن اهتمام عدد من الشركات الصينية وحصولها على تراخيص لإنشاء مقارها الإقليمية في المملكة، والاستفادة من الخبرات والقدرات الصينية المتميزة بما يعود بالمنفعة على اقتصاد البلدين.
ووجه الجانب الصيني إلى الجانب السعودي دعوة ليكون ضيف الشرف في الدورة السادسة لـ«معرض الصين والدول العربية ـــ 2023»[ يفترض عقدها في ينتشوان/الصين ــ 21 ــ 24 /9/ 2023 ـــ المحرر]، وأعرب عن حرصه على تعميق التعاون الاستثماري مع الجانب السعودي في الاقتصاد الرقمي والتنمية الخضراء، وتعزيز التعاون في التجارة الإلكترونية، وبحث سبل التعاون الاقتصادي والتجاري المشترك مع إفريقيا. ورحب الجانب السعودي باستثمارات الشركات الصينية في المملكة وذلك من خلال ما توفره «رؤية 2030»، من فرص استثمارية نوعية ضخمة في القطاعات المختلفة. وأعرب الجانب الصيني عن ترحيبه بتعزيز استثمارات صناديق الثروة السيادية ورؤوس الأموال الصناعية السعودية في الصين. واتفق الجانبان على تشجيع بناء شراكات ما بين الصناديق الاستثمارية في البلدين.
4 ــ التعاون المالي: يعد التعاون المشترك في المجال المالي مهماً لدعم إنجاح مبادرة «إطار العمل المشترك لمعالجة الديون بما يتجاوز نطاق مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين»، التي صادق عليها قادة «مجموعة العشرين» في قمة المجموعة برئاسة المملكة، وتنسيق المواقف ذات الصلة في المحافل والمؤسسات الدولية(مجموعة العشرين، وصندوق النقد والبنك الدوليين، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وغيرها)، بما يعزز الجهود الرامية إلى زيادة فاعلية هذه الأطر والمؤسسات وحوكمتها. كما أكد الجانبان أهمية تعزيز التعاون في مجال السياسات الضريبية بما يسهم في تعزيز التعاون المالي والتجاري والاستثماري بين البلدين.
5 ــ المياه والزراعة: شجعت السعودية دخول القطاع الخاص الصيني في شراكة مباشرة مع القطاع الخاص السعودي في الفرص الاستثمارية المتاحة في المملكة في مجالات محطات تحلية المياه، ومياه الشرب، وخطوط نقل المياه، ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي، والسدود، وتنظيم أنشطة تجارية بين ممثلي القطاع الخاص في البلدين لمناقشة إمكانيات الاستثمار في القطاع الزراعي والصناعات الزراعية والغذائية، وتنمية المشاريع الاستثمارية الزراعية.
6 ــ الاتصالات وتقنية المعلومات: عززت السعودية الشراكة في المجالات المتعلقة بالاتصالات والاقتصاد الرقمي والابتكار والفضاء، لتحقيق مستقبل رقمي أفضل للأجيال القادمة في البلدين.
7 ــ النقل والخدمات اللوجستية: اتفق الجانبان الصيني والسعودي على تعزيز التعاون والعمل المشترك على تطوير قطاعات النقل الجوي والبحري وأنماط النقل الحديث والسكك الحديدية، والإسراع في استكمال الدراسات الخاصة بمشروع الجسر البري السعودي، وتعزيز وتطوير التعاون في قطاعي الصناعة والتعدين، بما يخدم مصالحهما المشتركة.
8 ــ الدفاع والأمن: اتفق البلدان على تطوير التعاون والتنسيق في المجالات الدفاعية، وتعزيز ورفع مستوى تبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الجريمة المنظمة، بما فيها جرائم الإرهاب والعمل على الوقاية من العنف والتطرف، وتعزيز التعاون وتنسيق الجهود وتبادل الخبرات في مجالات الإنذار الاستخباراتي المبكر وتقييم المخاطر الأمنية، ومكافحة الجرائم المعلوماتية، بما يخدم ويحقق المصالح المشتركة للبلدين.
9 ــ التعليم: اتفق الجانبان على رفع مستوى التعاون العلمي والتعليمي بين البلدين. وأشادا بما تحقق من تقدم في التعاون بينهما في هذا المجال، واتفقا على الاستمرار في تشجيع التواصل المباشر بين الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والعلمية والبحثية في البلدين، وتعزيز التعاون في مجالات التعليم الرقمي، وتعليم اللغتين العربية والصينية في المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية في البلدين. وأكد الجانبان أهمية التعاون وتعزيز مستوى الشراكات وتبادل الخبرات والمعلومات في مختلف مجالات العمل والموارد البشرية بما يحقق مصالحهما المشتركة.
(2)
تعاون متنامٍ ومصالح مشتركة
■ توضح المؤشرات تنامي العلاقات الاقتصادية الصينية ــ الخليجية. وقد تجاوز حجم التبادل التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي 160 مليار$ ــ 2020. ومنذ أن حققت أميركا «استقلال الطاقة»، تراجعت وارداتها النفطية من الخليج، بينما ظلت الصين المستورد الأكبر للمنتجات البتروكيماوية من هناك. ويرى المحللون أن تعميق العلاقات التجارية بين الخليج والصين مهم للطرفين معاً؛ فالصين تسعى إلى حماية مصالحها في الشرق الأوسط في ضوء مبادرة «الحزام والطريق»، مشروعها الاستثماري الطموح عبر القارات, في الوقت الذي تشكل فيه دول الخليج العربية «عميل جيد» بالنسبة للصين. وقد دلت المؤشرات في حينها على نمو اقتصادات دول الخليج بنحو 5.9% ــ 2022 (مقارنة بالنمو الباهت المتوقع 2.5% في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)، وهي توفر فرصاً جاذبة للاقتصاد الصيني الموجه نحو التصدير.
وهكذا تلعب الصين دوراً محورياً في مساعدة دول الشرق الأوسط على تسهيل التجارة والخدمات والاستثمار، بما يساعد الجانبين على توسيع التعاون في المجالات الناشئة مثل الاقتصاد الرقمي والطاقة الجديدة والذكاء الاصطناعي، ودعم التنويع الصناعي. وتولي الصين اهتماماً بتطوير العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج قاطبة. فدول مجلس التعاون الخليجي وإيران تمد الصين بكميات ضخمة من النفط، وهذا ليس جديداً، ففي السنوات ما بين 1993 ـــ 1998 كان شركاء الصين الرئيسون في استيراد النفط هم: عُمان واليمن وإيران والسعودية إلى جانب روسيا وإندونيسيا. لكن منذ عام 2000 ونتيجة نمو حجم الاقتصاد الصيني، ازدادت حاجة بكين إلى النفط وارتفعت أهمية دول الخليج بالنسبة إلى أمن الطاقة في الصين، وباتت تستورد 70% من استهلاكها النفطي من الخليج. وتعمل على أن تكون لاعباً أساسياً في السياسة والأمن في الشرق الأوسط، لكنها ــ بخلاف سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، تتجنب التورط المباشر في مناطق الصراع أو الالتزامات طويلة الأجل غير الضرورية، كما أنها تعمل على تحقيق التوازن الدقيق بين علاقتها بإيران ودول الخليج، من موقع إدراك طبيعة التنافس والصراع ما بين الطرفين.
وقد عملت الصين على ذلك من خلال توازن الزيارات إلى إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن اقتراح تصور للأمن الإقليمي في المنطقة. فالصين تريد شرق أوسط أكثر استقراراً من أجل استثماراتها وتنفيذ مشروعها العملاق «الحزام والطريق». وتحتل دول الخليج موقعاً مركزياً في المصالح الصينية في الشرق الأوسط، وتنظر الصين إلى الخليج كسوق محتملة للاستثمار، سواء بالنسبة للبنية التحتية للصناعات الثقيلة مثل الموانئ والسكك الحديدية، أو كوجهة للتكنولوجيا الصينية مثل الذكاء الاصطناعي و5G. وعلى الجانب الآخر، ترى دول مجلس التعاون فائدة في ربط مبادرة «الحزام والطريق» الصينية بإصلاحاتها الهيكلية، مثل «رؤية 2030» السعودية.[ 5G: شبكة الجيل الخامس، وهي معيار تكنولوجيا الجيل الخامس للشبكات الخلوية ذات النطاق العريض في مجال الاتصالات، والتي بدأت شركات الهاتف الخلوي في نشرها في جميع أنحاء العالم ـــ 2019 ــ المحرر].
(3)
اتجاهات التبادل التجاري لدول مجلس التعاون
التركيب السلعي ، الشركاء التجاريون
■ ظهرت الصين كشريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي في عام 2013. وتوضح حصيلة المؤشرات تنامي حجم التجارة بين الطرفين، مع الإشارة إلى أن حجم التبادل التجاري مع الصين واليابان والهند يمثل ما نسبته(38.1%) من حجم تجارة دول المجلس. فيما يلي عرض مكثف للتركيب السلعي لواردات دول مجلس التعاون الخليجي وصادراتها، وأبرز شركائها التجاريين:
1 ــ الصادرات الوطنية السلعية: شكل النفط ومنتجاته نسبة 79.8% من قيمة الصادرات السلعية وطنية المنشأ لتبلغ نحو 401 مليار و900 مليون $ ـــ 2019 مقارنة بـ 452.9 مليار و900 مليون$ ـــ 2018، بمعدل انخفاض بلغ 11.3% ، يليها البلاستيك ومصنوعاته بنسبة 4.9%، ثم الذهب والأحجار الكريمة بنسبة 3.4% والمنتجات الكيماوية العضوية: 3.2%،والألومنيوم ومصنوعاته:2.1%، والأسمدة : 0.7% .
2 ــ إعادة التصدير: شكل الذهب والأحجار الكريمة نسبة 25.5% من قيمة السلع المعاد تصديرها ليبلغ نحو 26 مليار و900 مليون $ ـــ 2019، مقارنة بـ28 مليار$ ـــ 2018 ، بنسبة انخفاض بلغت 3.9%، تليها الآلات والأجهزة الكهربائية بنسبة 19.7%، وتأتي بعدها الآلات والمعدات الآلية : 12.5%، والسيارات والعربات وأجزاؤها : 10.6%، والنفط ومنتجاته : 6 %، والطائرات وأجزاؤها :ـ 3.9%..
3 ــ الواردات السلعية: استأثر الذهب والأحجار الكريمة على نسبة 13.2% من قيمة إجمالي واردات دول مجلس التعاون السلعية ـــ 2019، أي ما يقارب 60 مليار و300 مليون$، بارتفاع 6.7% مقارنة بالعام الذي سبقه، تليها الآلات والأجهزة الكهربائية بنسبة 12.9%، والآلات والمعدات الآلية : 12.8%، والسيارات والعربات وأجزاؤها: 9.6%، والوقود والزيوت المعدنية: 2.9%..
4 ـ الشركاء التجاريون لإجمالي الصادرات السلعية: احتلت الصين المرتبة الأولى من بين أهم الشركاء التجاريين لمجلس التعاون من حيث إجمالي الصادرات السلعية، حيث شكلت ما نسبته 17.4% من إجمالي الصادرات السلعية لمجلس التعاون إلى الأسواق العالمية ـــ 2019، حيث بلغت قيمة إجمالي الصادرات السلعية إلى الصين نحو 106 مليارات و300 مليون$ ، مقارنة بـ 98 مليار و 700 مليون $ ـــ 2018، بنسبة نمو بلغت 7.7%. فيما احتلت اليابان المرتبة الثانية بنسبة 12.9%، تليها الهند : 12.1%، وكوريا الجنوبية : 9.2%، وسنغافورة : 5 %، ثم الولايات المتحدة : 4 %، وتشكل هذه الدول أكبر مستوردي النفط الخام والغاز الطبيعي من دول مجلس التعاون.
5 ــ الشركاء التجاريون في الواردات السلعية: احتلت الصين المرتبة الأولى من بين أهم الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون في إجمالي الواردات السلعية ـــ 2019، حيث شكلت ما نسبته 18.3% من قيمة إجمالي الواردات السلعية لدول مجلس التعاون من الأسواق العالمية، حيث بلغت قيمتها نحو 83 مليار و700 مليون$ ، مقارنة بـ 75 مليار و200 مليون $ ـــ 2018 مسجلة ارتفاعاً بنسبة 11.3%. فيما جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بنسبة بلغت 11%، تلتها الهند : 8.6%، واليابان : 5.4%، وألمانيا : 5 %، وإيطاليا : 3.2%، من قيمة إجمالي الواردات السلعية لدول مجلس التعاون من الأسواق العالمية.
(4)
مسار الشراكة على محك النفوذ الأميركي
■ بالتأكيد، لم تكن الولايات المتحدة سعيدة لنمو العلاقات الاقتصادية ما بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، وهي التي تمتلك قواعد عسكرية في دول المجلس الست، وترى أنها في وضع يتيح لها لعب دور قيادي وموجه لمسار المنافسة الاستراتيجية مع الصين، الأمر الذي يحفزها على ممارسة الضغوط على السعودية وباقي دول المجلس.
وتتخوف واشنطن من تأثير العلاقات الصينية ــ الخليجية على محددات السياسة الخارجية لدول المجلس على المدى البعيد، وحذر مسؤولون أميركيون نظراءهم الخليجيين مراراً من عواقب التعاون الوثيق مع الصين في القضايا الأمنية، وقد خاطبهم وكيل وزارة الدفاع كولن كال،(Kahl Colin)، في «حوار المنامة» ــ 2022 بالبحرين قائلا، «إن رفع السقف أكثر من اللازم مع بكين سيؤدي إلى تخفيض السقف مع الولايات المتحدة، ولا يعود ذلك لأسباب عقابية ولكن بسبب مصالحنا». ويتردد صدى هذه الرسالة بشكل مختلف في عواصم الخليج، ويدرك المسؤولون في المنطقة تبعات كسر هذا السقف.
يستجيب المسؤولون الخليجيون غالباً للمخاوف الأميركية المتعلقة بالجوانب التي تثير حفيظة واشنطن في إطار للتعاون الصيني ــ الخليجي، خصوصاً ما له علاقة بالأمن. وتأتي الاستجابة هذه مشفوعة بتساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة غير متأكدة أم غير واضحة بشأن ماهية الخطوط الحمراء بالضبط. كما أن هناك إدراكاً في أوساط المسؤولين في دول المجلس بأن الولايات المتحدة ليست دائماً مستعدة أو قادرة على توفير بدائل مناسبة، مثل معدات وتكنولوجيا شبكات الاتصال من الجيل القادم، في وقت باتت دول المجلس تبحث عن طرق لتنويع اعتمادها المفرط على الولايات المتحدة كضامن أساسي للأمن. وتدرك هذه الدول أنها ستحتاج في الفترة المقبلة إلى بلورة مسار اجتماعي ــ اقتصادي يستجيب لاستحقاقات حقبة ما بعد النفط، وهذا يتطلب اقتصادات معززة بالذكاء الاصطناعي وقائمة على المعرفة؛ اقتصادات تمكِّن بلدانها من اختيار علاقات استراتيجية تتجاوز في متطلباتها القواعد التقليدية للتبادل التجاري.
ومع ذلك، يواصل المحللون المقيمون في الولايات المتحدة، رسم هذه الخطوط الحمراء والمبادئ التوجيهية لمجموعة من مجالات التعاون. وقد يفكر المسؤولون الأميركيون مرتين في المطالب العامة القوية بشأن استبعاد الشركات الصينية، مثل «هواوي»، وهي من شبكات الجيل الخامس المتطورة ، نظراً لأن الجهود السابقة في هذا الاتجاه قد فشلت فشلاً ذريعاً، لكن من المتوقع أن يقدموا حججاً قوية في المناقشات خلف الأبواب المغلقة ومن خلال القنوات الديبلوماسية الخاصة.
يظهر تحليل العلاقات الصينية – الخليجية على المستوى الإقليمي أن هناك قدراً كبيراً من التأثير الصيني في المنطقة، ومن المرجح أن يتواصل النمو بشكل غير متساوٍ في مختلف الدول وداخل الصناعات المختلفة. مع الإشارة إلى أن بكين تفضل، في أغلب الأحوال، نهج العلاقات الثنائية، لأنه عادة ما يمكنها من أن تكون اللاعب الأكبر. وتبدو الحكومة السعودية متحمسة للدفع قُدماً بعلاقاتها مع الصين بسرعة، ولكن العديد من دول الخليج الأصغر تسير بحذر أكبر. ومع ذلك، فإن الجهات الفاعلة المشاركة في دفع العلاقات الصينية – الخليجية قدماً إلى الأمام تشمل أيضاً دولة الإمارات وصناديق الثروة السيادية والكيانات المرتبطة بالحكومات وشركات القطاع الخاص.
(5)
تحديات وعقبات
■ بالرغم من الجهود المبذولة لتوطيد العلاقات الصينية ــ الخليجية إلا أنها تواجه بعض التحديات والعقبات، ويمكن إجمالها في التالي:
1 ــ عدم وجود سياسة خارجية موحدة لدى دول مجلس التعاون الخليجي، رغم تعدد العوامل المشتركة.
2 ــ بيروقراطية القوانين والإجراءات الحالية المطبقة في التعامل بين الجانبين، الخليجي والصيني كانسياب البضائع والأفراد، الأمر الذي يؤثر على سرعة تطوير هذه العلاقات.
3 ــ قلة عدد الباحثين والمهتمين بالشأن الصيني في دول مجلس التعاون الخليجي، وضعف اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي باللغة الصينية، رغم اهتمام الصين باللغة العربية.
4 ــ ضعف الاهتمام بالتعاون الثقافي والإعلامي، الذي لا يرتقي إلى مستوى العلاقات والمصالح الاقتصادية بين الطرفين.
(5)
خطوات مقترحة لتطوير العلاقات الاقتصادية الصينية ــ الخليجية
■ نعتقد أن إتباع الخطوات والسياسات والإجراءات التالية يساعد في تطبيق الاستراتيجية المعتمدة ويساهم في تنمية العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي:
- على المدى القصير
1- الإسراع بإطلاق آلية الحوار الاستراتيجي بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، وتنشيط الدبلوماسية الرسمية من خلال الاتصال المستمر بين وزارات الخارجية والسفارات المقيمة لتبادل الأفكار وتنسيق المواقف في المحافل الدولية والإقليمية.
2- استكمال آليات التعاون، مثل إقامة منطقة التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي، والتي من شأنها تعميق التعاون المتبادل وتحقيق التنمية المشتركة للجانبين.
3- تعزيز التعاون الاستثماري والمالي، وتشجيع شراكات كل من الجانبين على الاستثمار والمشاركة في تطوير البنية التحتية في الجانب الآخر، وإقامة المشاريع المشتركة.
4- تشجيع حركة السياحة من خلال تنشيط المكاتب السياحية والإعلام السياحي.
5- تطوير العلاقات بين المؤسسات الرسمية الاقتصادية والتعليمية والتقنية والثقافية والإعلامية الخليجية والصينية.
6- تبادل البعثات العلمية، وإنشاء مراكز لتعليم اللغتين العربية والصينية وتشجيع حركة الترجمة باللغتين العربية والصينية.
7- اتباع استراتيجيات التسعير لتحديد أفضل سعر للمنتج أو الخدمة، بحيث يزيد الأرباح إلى أكبر مدى ممكن مع مراعاة الطلب والسوق. ومما لا شك فيه أن استراتيجيات التسعير تستند إلى العديد من العوامل الداخلية والخارجية معاً. من أمثلة العوامل الداخلية الخاصة بالشركة: أهداف الإيرادات، أهداف التسويق، الجمهور المستهدف، مكانة الشركة، سمات المنتج. وتضع استراتيجيات التسعير في حسبانها أيضاً عوامل خارجية مثل الطلب على السلعة، أسعار المنافسين، الاتجاهات العامة للسوق والاقتصاد.
8 ــ تطبيق «استراتيجية الكشط» ، أي تخفيض أسعار السلع والخدمات الصينية المصدرة إلى دول الخليج مع مرور الوقت.
9 ــ دراسة ومعرفة احتياجات المستهلك الخليجي، من خلال القيام بدراسات وأبحاث تحدد طبيعة اهتمام المواطن الخليجي بالسلع والخدمات وتفضيلاته.
10 ــ تعزيز أهمية السلع والخدمات الصينية وإقناع المواطن الخليجي بمنافع وفوائد السلع والخدمات الصينية المصدرة لدول الخليج، من خلال نشر الوعي بذلك.
10- الاهتمام بتطوير وتحديث النقل والخدمات اللوجيستية ذات الصلة، باعتبار أن خفض تكلفة النقل، وتسهيلات البنية التحتية من أهم معززات التبادل التجاري، وتحرير الخدمات اللوجستية ورفع مستوياتها وكفاءتها وزيادة فعاليتها، لتصبح قادرة على المنافسة الإقليمية والدولية.
11- دعم القدرات التصديرية وإجراءات تسهيل التجارة وتنويع قاعدة الصادرات، والتوافق مع متطلبات السوق الخليجي في ضوء القدرات الإنتاجية الحالية، وتعديل منظومة دعم الصادرات من خلال تفعيل دور القطاع الخاص في تطوير القدرات التصديرية، وإشراكه في خطط تعزيز التجارة الخارجية.
12- دعم منهجية مهارات التجارة والتنوع الاقتصادي، وذلك من خلال تحديد السياسات التنفيذية اللازمة لتنمية المهارات التي تساعد الصين على زيادة قدرتها على المنافسة في الأسواق المفتوحة، ودعم وجود واستدامة التنوع الاقتصادي، من خلال تطبيق هذه المنهجية على المستوى القطاعي وتحليل فجوة الحاجات بين العرض والطلب لتكوين نظرة عن النقص في الحاجات الحالية والمستقبلية.
13- تعزيز الحاجات عالية الطلب وتجنب عدم التطابق بين عرض الحاجات وطلبها. - على المدى الطويل
في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة والتغيرات البيئية والمناخية على الصعيد العالمي، والسعي لخفض سيطرة القطب الواحد على الاقتصادي العالمي، لا بد من تعزيز التعاون بين مجلس التعاون الخليجي والصين في كافة المجالات، وهذا يتطلب وضع آليات مشتركة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، ووضع القوانين والضوابط وتنفيذها، والسير باتجاهين متوازيين؛ الحكومي وغير الحكومي، من أجل تعزيز العلاقات لما فيه مصلحة الطرفين على المدى الطويل، ومن المهم التركيز على التالي:
1 ـ دعم مكانة «اليوان» الصيني كعملة دولية: على دول الخليج الاعتماد على بورصة شنغهاي للطاقة لتداول خامات النفط، كخطوة نحو تسعير عقود النفط بالمنطقة باليوان الصيني بدلاً من الدولار الأميركي. وتشجيع البنوك العربية لإصدار سندات مالية باليوان، وهو توجه انتهجته عدة بنوك بالفعل في المنطقة مؤخراً. ومن شأن هذه الجهود أن تعزز تدويل اليوان.
2 ـ تعزيز التعاون التكنولوجي: تعد رقمنة الاقتصاد المحرك الرئيسي لنمو الاقتصادات وتعزيز جهود التنوع الاقتصادي خصوصاً في دول الخليج. فالاقتصاد الرقمي ينمو في دول الخليج بشكل أسرع وبمعدل مرتين من الاقتصادات المتقدمة، وهو ما يخلق فرصاً حقيقية للتعاون بين الصين ودول الخليج في مجالات مثل إنشاء مراكز البيانات الضخمة، والمدن الذكية، ودعم البنية التحتية للألياف الضوئية. وتمتلك شركات الاتصالات الصينية التي تعمل بتقنية (5G) حصصاً سوقية مهمة في دول المنطقة، وهي تقنية تعد مكوناً أساسياً لدعم تطوير«الموانئ الذكية» وتعزيز الكفاءة التشغيلية لها.
3 ــ توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول الخليج: من المتوقع أن يتم الانتهاء من الصيغة النهائية لهذه الاتفاقية في القريب، ويُستَدل على ذلك بتصريح السفير الصيني لدى دولة الإمارات، تشانغ ييمينغ، حيث قال إن المفاوضات حول هذه الاتفاقية قد دخلت «المرحلة النهائية والحاسمة»، وإن الجانبين قد اتفقا على معظم القضايا. ومن شأن هذه الاتفاقية، المساهمة في إضفاء طابع مؤسسي على العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول الخليج، وتهيئة الطريق لتصبح هذه الدول مركزاً للتجارة الصينية خلال العقود القادمة، فضلاً عن أن توقيع الاتفاقية وتفعيلها سيعزز آفاق التعاون التجاري في مجالات غير النفط، لا سيما التقنيات والمنتجات التكنولوجية المتعلقة بالطاقة المتجددة.
4 ــ استكشاف الفضاء الخارجي: تتوافق رؤية الجانبين الصيني والعربي حيال تعزيز الوجود في الفضاء الخارجي، فبكين تسعى إلى أن تكون رائدة عالمياً في مجال تقنيات الفضاء بحلول عام 2045. وسبق أن أصدر مجلس الدولة الصيني بياناً حول الأنشطة الفضائية المنتظر تحقيقها في الفترة بين عامي 2021 ـــ 2025، وكان من بينها إنشاء ميناء فضاء تجاري تتم من خلاله عمليات إطلاق الأقمار الصناعية غير الصينية.
على الجانب الآخر، يمتلك عدد كبير من الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات والسعودية ومصر، برامج فضاء طموحة. وبالتالي فإن هناك نواة رئيسية موجودة بالفعل لتعزيز التعاون الفضائي الصيني مع الدول العربية على المدى القصير. ففي كانون الأول (ديسمبر) 2021، وقّع الجانبان على «خطة الصين والدول العربية للملاحة عبر الأقمار الصناعية». أما على المدى المتوسط والطويل، فبالإمكان أن يتعاون الجانبان لإنشاء مركز مشترك لاستكشاف القمر والفضاء العميق، فضلاً عن زيادة عدد رواد الفضاء العرب الذي سيتلقون تدريبات في الصين لاكتساب الخبرات والتقنيات الصينية في هذا المجال.
5 ــ التعاون في تقنيات الطاقة المتجددة: يمكن للصين دعم جهود الدول العربية في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والبحث عن مصادر أكثر استدامة للطاقة، وذلك من خلال الدخول في شراكات لبناء محطات لتوليد الطاقة باستخدام الألواح الشمسية، وتكثيف التعاون البحثي لابتكار مزيد من البدائل التكنولوجية للطاقة المتجددة، فضلاً عن التعاون للاستفادة من الخبرات الصينية في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية والتي وقّعت السعودية بشأنها مذكرة تفاهم مع بكين خلال فعاليات قمة الرياض.
وختاما، يمكن القول إن آفاق قيام علاقات وروابط أفضل بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي غير مقتصرة على مجالات محددة، وذلك في ضوء العوامل والمصالح المشتركة بين الجانبين، والرغبة الجادة لكلا الجانبين في تطوير العلاقات بينهم، وبالرغم من قصر الفترة الزمنية في العلاقات الصينية ـ الخليجية مقارنة مع الغرب والولايات المتحدة، إلا أنها تشهد وسوف تشهد المزيد من الروابط التجارية والاستثمارية والتعليمية والثقافية، ومستقبلا العلاقات السياسية والأمنية.
ومن الضروري أن توضع دراسات تقيِّم العلاقات الاقتصادية الصينية ــ الخليجية من أجل الوقوف على نقاط القوة والضعف وتحويلها لفرص يستفيد منها الطرفان، وتعزيز نقاط القوة بين الطرفين. ومن عناوين الدراسات المقترحة: - تقييم واقع العلاقات الاقتصادية الصينية ودول مجلس التعاون الخليجي.
- تحليل انعكاس العلاقات الصينية ــ الخليجية على الاقتصاد الصيني.
- انعكاس التجارة الخارجية بين الصين ودول الخليج على النمو الاقتصادي.
- دور الاستثمار الصيني المباشر في نمو ناتج دول مجلس التعاون الخليجي.
- قراءات في التجارب الدولية الصينية الاقتصادية الناجحة وسبل الاستفادة منها■