تعاليق حرةتقاريرتقارير وأخباررأي

ترفيف المكتبة الشخصية وتبويبها يأتيك بالعجائب !

أحمد مكتبجي / بغداد 

عامان كاملان ونيف وأحد الأصدقاء الأعزاء يبحث عن دفتر خدمته العسكرية من دون جدوى لإضافة خدمته العسكرية إلى نظيرتها المدنية بعد إحالته على التقاعد بقانون السن الذي خفض السن التقاعدي في العراق من 63 إلى 60 سنة نزولاً عند شروط البنك الدولي، وبرنامج رئيس الوزراء السابق “مصطفى الكاظمي”.

وقد أخبرنا بأن من شأن هذا الإجراء الوارد ضمن فقرات ما يسمى بـ”الورقة الإصلاحية” البيضاء التي رفعت بدورها قيمة صرف الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي، توفير مليارات من العملة المحلية للخزينة العراقية قبل أن يغادر منصبه بعد أن تولى المسؤولية بالتوافق كمرشح تسوية، وهو الذي ما رشح في انتخابات ولا فاز فيها قط، ليُصدم العراقيون جميعهم بفضيحة “سرقة القرن” المليارية بالعملة الصعبة التي حدثت في عهده، ومع أن القانون يشترط إكمال السن القانوني لأغراض الإحالة على التقاعد إلا أن القانون قد أحال وما يزال كل من دخل السن ومنذ اليوم الأول، بدلاً من إكماله إياه بنص القانون، ما تسبب بإشكال قانوني لما يزل محط اهتمام ومناقشة حتى كتابة السطور، لأن الفارق بين دخول السن، وبين إكماله وببساطة شديدة هو عام وظيفي برواتبه ومخصصاته وعلاواته وترقياته بالتمام والكمال!

كل هذه الفترة وصاحبي الباحث عن دفتر خدمته العسكرية ولما تبلغ خدمته الوظيفية 14 سنة بعد فيما يشترط قانون التقاعد 15 سنة كحد أدنى، بمعنى أنه بحاجة ماسة إلى دفتر الخدمة ليمنحه 10 سنين على أقل تقدير بعد مضاعفتها وبما يعرف بـالخدمة الفعلية أو الحركات لتعزيز الخدمة التقاعدية بغية الحصول على هوية التقاعد التي صارت كالوظيفة الحكومية ولو بصفة عقد، ولو بأجر يومي، وكالضمان الاجتماعي والرعاية والمعين المتفرغ وامتلاك متر واحد في دولة ثلث أراضيها مترامية الأطراف بين المحافظات، إما قاحلة أو شاغرة، لا هي زراعية، ولا سكنية، ولا صناعية أو استثمارية، وإنما مجرد فيافي مقفرة ينعب في سمائها البوم، وينعق في أرجائها الغراب، حلماً لملايين العراقيين ولسان حال الجميع يردد أسفاً وحسرة:

أيشتكي الفقر غادينا ورائحنا.. ونحن نمشي على أرض من الذهب؟

والجواب على سؤال الشاعر هو نعم، لماذا جنابك؟ لأنه وعلى قول الشاعر أيضاً:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم.. ولا سراة إذا جهالهم سادوا.

قبل أيام قرر الرجل إعادة ترتيب ونقل مكتبته الشخصية من مكان إلى آخر وأثناء تصفح أحد الكتب المهمة “تفسير القرآن”، وإذا بدفتر خدمته العسكرية موجود ومحفوظ بين دفتيه، فصعق الرجل من هول الدهشة ليذهب من فوره في صبيحة اليوم التالي ليروج معاملة تقاعده التي وصلت إلى 24 سنة خدمة فعلية بعد أن كانت وطيلة عامين ونصف حاول خلالها جاهداً وبشتى الوسائل والطرق لإضافة ولو سنة واحدة فقط لا غير إلى خدمته أملاً بوصولها إلى 15 سنة ولكن من دون جدوى!

بدوره عثر أحد أصدقاء مواقع التواصل، على ما يهمه، كاتباً على صفحته في موقع التواصل “فيسبوك” من حسنات حظر التعداد السكاني أني قد ذهبت لأرتب قسماً من مكتبتي وأزيل الغبار عنها، وبما أجبرني على العطاس مرات ومرات ليقع بين يدي كتابان عجيبان يتحدثان عن تاريخ الرياضة في بلاد وادي الرافدين، أولهما بعنوان”ملحمة جلجامش والفكر الرياضي”، لمؤلفه نجم الدين السهروردي، أما الكتاب الثاني فبعنوان: “الرياضة بدأت في وادي الرافدين”، لمؤلفه طارق الناصري، ومراجعة الدكتور سامي سعيد، وتقديم الدكتور حسين أمين، وأضاف الصديق اقتباساً من أحد الكتابين المهمين نقلا عن عالم الآثار البريطاني ليونارد وولي: “كانت حضارة وادي الرافدين قد أمدت العالم بحضارتها وقد بطل القول الذي يرد أصل جميع العلوم والفنون إلى الإغريق، وأن السومرين بإجماع الآثاريين قد أبدعوا الحضارة دون تقليد أو اقتباس”.

أما عني شخصياً، وبعد أن عقدت العزم على إعادة تبويب وترتيب مكتبتي الشخصية وإذا بي أعثر على نسخة بخط اليد كان قد سلمني إياها الباحث الموسوعي المحقق جميل إبراهيم حبيب، لغرض نشرها في واحدة من الصحف الورقية المهمة التي كنت أعمل فيها، ولكن قبل أيام من إغلاق الصحيفة بسبب الظروف المادية الصعبة، وعلى خلفية تحول العديد من الصحف المحلية الرصينة إلى “السوشيال ميديا” ظاهرياً لمواكبة تقنيات العصر، أما باطناً وواقعاً بسبب ضيق ذات اليد وضغطاً للنفقات، لأن الصحيفة الورقية التي يعمل ضمن هيئة تحريرها مصممون ومقومون لغويون ومحررون ومندوبون ومراسلون ومعدو صفحات وكتاب أعمدة، لن تكون بحاجة سوى إلى مصمم ومحرر ومصحح واحد لكل منهم في حال أصبحت صحيفة رقمية، أما عن بقية الزملاء وعلى قول وردة الجزائرية “الوداع ..ما بقيتش أخاف في الدنيا دي غير من الوداع!”، وبما لم يتسن لي وتأسيساً على ذلك نشر هذه المقالة التي تتضمن قصيدة نادرة كان قد ارتجلها العلامة المحقق الدكتور محيي هلال السرحان، الذي توفي بأجله المحتوم في تموز الماضي 2024 وكان المحقق جميل إبراهيم، قد سمعها بأذنيه ودونها في أجندته في أحد مجالس السرحان العلمية الكثيرة والغزيرة، حين سئل عن ما يقرأه ويطالعه في شهر رمضان قائلا:

إن كنت تسألني عما أطالعه.. أو ما أسطره في باطن الكتب ِ

في ظل شهر عظيم الخير جاء لنا.. بالنور بالنصر،بالإخبات بالقربِ

فإن في رمضان الخير مكرمة.. تسمو على سائر الأعمال والرتبِ

شهر الفضائل والطاعات تجمعنا.. تصفو بأنواره الأنفاس من كربِ

نخير ما نقرأ (القرآن) نافلة.. تجري قراءته في سلسلٍ عذبِ

وخير ما تكتب الأقلام معرفة.. ترقى بصاحبها في العلم والأدبِ

من روحه نستمد العزم يلهمنا.. تاريخه الباهر المشهود في الكتبِ

لنرسم النصر،والرايات شامخة.. على مشارف دنيا أمة العربِ. 

ولعل من محاسن الترفيف وإعادة ترتيب الكتب وتبويبها هو عثورك لا محالة على العديد من الكتب وهي ليست ملكك، وقد عثرت بالفعل على عدد منها وكلها مستعارة من أصحابها ومنذ سنين خلت، وبما أن إثنين منهم قد رحلوا عن دنيانا الفانية إلى نظيرتها الباقية، وبما أنني لا أعلم  لورثتهم هاتفاً ولا عنواناً، ولم أهتد إلى من يعرفهم سبيلاً، فلقد عقدت العزم على استنساخ هذه الكتب وتجليدها ومن ثم إهدائها إلى عدد من المكتبات العامة للفائدة لتكون صدقة جارية، وعلماً ينتفع به لأصحابها الأصلاء، أما عن الكتب التي استعيرت من مكتبتي، ومن ثم لم يتم ارجاعها على مدار سنين، وبينها المجموعة الكاملة للدكتور علي الوردي، فأنا أخلي ذمة كل من فعل ذلك وأسامحه تماماً، لأن الكتب في العراق مثل المسبحة، إذا أمسكها أحدهم بيده عرضاً أو استعارها برهة فأقرأ عليها السلام، وأنصح كل من يُعيرَ أحداً كتابا ً في زمكان ما، أن يشتري في اليوم التالي نسخة ثانية من الكتاب، لأن النسخة الأولى، وعلى قول جارة القمر، وسيدة الصباح، كما يطلق عليها وأعني بها المطربة اللبنانية فيروز، والتي احتفلت بعيد ميلادها التسعين قبل أيام: “أنا صار لازم ودّعكن”. 

بدوره أعاد “الدكتور علي العنزي” مشكورا نشر مخطوطة نادرة بعد عثوره عليها وهي عبارة عن نسخة مصورة فريدة بعنوان ( منهج علماء الدين في التعليم ) ظل يحتفظ بها في خزانة كتبه وضمن أرشيفه الخاص، كان قد أملاها الشيخ عبد الكريم المدرس،المعروف بـ عبد الكريم بيارة ( 1905- 2005) ليكتبها بخط يده، نجله صلاح الدين ،ليلة الجمعة 29/ شوال / 1420هـ ، الموافق 4/ 2/ 2000 م .

ينصح مفتي العراق السابق، العلامة الشيخ عبد الكريم بن محمد بن فاتح بن سليمان المدرس، وهو فقيه، ومحدث، ومفسر، وأصولي، ومتكلم، ولغوي عراقي أشهر من نار على عَلَم في رسالته العلمية المهمة تلك والموجهة الى طلبة العلم الشرعي تحديدا ،أصول المنهج العام المفيد والنافع لهم ولاسيما في بداية مسيرتهم العلمية والتي تبدأ بضبط أصول وأحكام وقواعد التجويد و التلاوة لكتاب الله تعالى ، ومن ثم تثني بـرسالة الـ ” مقاصد” للإمام النووي، وتدور حول التقوى والورع والاستقامة واتباع السنة والصبر والتوكل والقناعة والتفويض وتحقيق الرجوع إلى الله تعالى .

يسترسل العلامة المدرس بعدها في رسالته التي كتبها شعرا بـ 11 بيتا ، كل بيت منها ينتهي بقافية متوافقة مع قافية شطرها الأول ومختلفة عن قافية شطري البيت الذي يليها،بتقديم النصائح الى طلبة العلم الشرعي تباعا وفي صدارتها قراءة الرسائل العلمية النافعة والرصينة،يعقبها تعلم علوم النحو والصرف والبلاغة والمنطق، وبما يعرف بـ “علوم الوسائل = علوم الآلة” ومن ثم دراسة علوم وتفسير القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف ، والفقه ، وبما يعرف بـ علوم الغاية .

ومن الجدير ذكره أن للعلامة عبد الكريم المدرس مؤلفات غزيرة باللغتين العربية والكردية لعل من أبرزها كتاب” مواهب الرحمن في تفسير القرآن، ونور الإسلام، ونور الإيمان، إرشاد الأنام إلى أركان الإسلام ،إرشاد الناسك إلى المناسك ، وإسناد الأعلام ، وإعلام بالغيب وإلهام بلا ريب،الأنوار القدسية في الأحوال الشخصية، والقصيدة الوردية في سيرة خير البرية، و الوردة العنبرية في سيرة خير البرية ، والوسيلة في شرح الفضيلة ، وجواهر الفتاوى، وجواهر الكلام في عقائد أهل الإسلام” وغيرها الكثير .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى