ترامب سيتسبب في كارثة اقتصادية عالمية

محمد رضا عباس
كرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال حملاته الانتخابية للناخبين من ان الضرائب التي يريد فرضها على التجارة الخارجية بانها ” لن تكون تكلفة عليكم , بل انها تكلفة على بلد اخر”. عدد أصابع اليد من الاقتصاديين وافق ترامب , فيما ان السواد الأعظم رفض الفكرة. وحسب ما جاء في “BBC عربي” بان جامعة شيكاغو اجرت استطلاعا مع جملة من الاقتصاديين الأمريكيين حول خطة ترامب الضريبية وهل ستأثر على جيوب الامريكان في ايلول 2024 ,98% منهم صوت بكلمة “نعم” .
تدعم استنتاجات هؤلاء الاقتصاديون امثلة كثيرة حول تأثير الضرائب الجمركية على جيوب المواطنين . على سبيل المثال , في عام 2018 فرض الرئيس ترامب رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات الغسالات في العالم . قدر الباحثون ان أسعار الغسالات قفزت بنحو 12% كنتيجة مباشرة , أي ما يعادل 86 دولار للوحدة , وان المستهلكين الأمريكيين دفعوا نحو 1.5 مليار دولار إضافية سنويا مقابل هذه المنتوجات .
تصور , ماذا سيحدث على جيوب الامريكان اذا قام الرئيس الأمريكي بفرض ضرائب على 70% من البضائع المستوردة , وبنسبة 25% , وبالمقابل فرض العالم ضرائب على البضائع القادمة من أمريكا بنفس النسبة ؟ بكل تأكيد ستنهار الكثير من اقتصاديات الأمم ومنها الولايات المتحدة الامريكية.
هنا اتحدث عن كساد اقتصادي عالمي (Depression) وليس ركود اقتصادي محلي (Recession) , حيث ان الثاني يعني مرور الاقتصاد المحلي في مرحلة الانحدار من اعلى التل فيتقلص حجم الإنتاج و تزداد نسبة البطالة . في هذه المرحلة ينخفض دخل العوائل ومصاريفها مما يؤدي الى تأجيل ما يريدون شراءه , وبالتالي تقود رجال الاعمال الى تأجيل استثماراتهم . اما الاول , فيعني مرور الاقتصاد المحلي مرحلة الانحدار الشديد يتبعه انخفاض شديد في الإنتاج الصناعي و ارتفاع هائل في نسبة البطالة في عموم البلاد وعلى راسها قطاع البناء و قطاع التجارة الخارجية وانتقال رأسمال بين الدول . خلاف اخر بين الاثنين وهو ان الركود الاقتصادي قد يظهر في دولة معينة , فيما ان الكساد الاقتصادي قد يشمل بلدان كثيرة في ان واحد.
الرئيس ترامب يريد ان يأخذ العالم الى الأول الذي يعد اشد صرامة على أحوال البشر من الثاني , على الرغم ان الثاني ليس قليل الشر على الطبقة العاملة وعلى المجتمع, حيث يقول المثل : الركود الاقتصادي يعني شد الاحزمة على البطون فيما ان الكساد الاقتصادي يعني لا احد يملك حزام لشد بطنه الجائعة .
كان الوالد رحمه الله يحدثنا عن هذه المرحلة التي مرت على العراقيين عام 1930 وكانوا يسمونها ” زمن القحط ” , حيث أصبحت معظم المواد الاستهلاكية بعيدة عن متناول أبناء المجتمع العراقي , عدا الطبقة الحاكمة .
كيف دخل اقتصاد العالم في مرحلة الكساد عام 1930 , ومن هم المسؤولين عنه ؟
تتفق جميع الدراسات العالمية على ان مصدر الكساد العالمي كان من الولايات المتحدة الامريكية . لقد توسع الاقتصاد الأمريكي في فترة العشرينات من القرن الماضي وذلك بفضل رخص الفوائد على القروض و ارتفاع الأرباح على اسهم الشركات , الامر الذي أدى الى تشجيع المواطنين الاقتراض من البنوك بأسعار فائدة منخفضة واستثمارها في اسهم الشركات التي كانت تمنح أرباح اعلى من سعرها . على سبيل المثال كان سعر الفائدة 3% , فيما كانت الأرباح على اسهم الشركات 7 او 8% .
انتهى الانتفاخ في سوق الأوراق الامريكية ايضا, حيث تبين ان الشركات الامريكية لا يمكنها التوسع ما لا نهاية و تراجعت أرباحها , وبذلك خسر معظم المواطنين الذين كانوا يقترضون من البنوك لغرض استثمارها ثرواتهم, وفي نفس الوقت تعرض المزارعون الامريكان الى خسائر كبيرة بسبب وفرة إنتاجهم وقوة منافسة المزارعين الاوربيون لهم , وطالبوا من الكونغرس الأمريكي حمايتهم من المنافسة الخارجية بإصدار قرارات تفرض فيها التعريفة الجمركية على المنتجات الزراعية المستورة , وبمرور الزمن توسعت قائمة الممنوعات بتشريع قانون تعريفة شامل سمي Smoot-Hawley Tariff Act1930.
هذا القانون فرض 20% ضرائب على مختلف السلع الزراعية والصناعية المستوردة على فرض ان هذا القانون سوف يحمي المزارعين ويحمي الاقتصاد الوطني , الامر الذي ادى الى ردود فعل عالمية ضده , حيث رجع العالم الى عصر حماية التجارة وذلك بتشجيع الصادرات ومنع الاستيرادات , واصبح من الصعب إخراج الاقتصاد الأمريكي من مرحلة التراجع الشديد. فبعد عامين من تشريع القانون بدء الاقتصاد الأمريكي بالانزلاق نحو الكساد حيث صعدت نسبة البطالة بين الامريكان نحو 24% , افلاس اكثر من 5000 بنك , وتحول مئات الالاف من الأمريكيين مشردين يعيشون تحت الخيام سموها مدينة ” Hooverville”, نسبة الى اسم الرئيس الأمريكي آنذاك ” Hoover Herbert ” .
لم يبقى الكساد ضمن حدود الولايات المتحدة وانما انتشر وباءه الى العالم الخارجي , ولو بدرجات متفاوتة , حيث بلغت نسبة ارتفاع البطالة بين الامريكان نحو 600% , في بريطانية 130%, واكثر من 200% في فرنسا وألمانيا.