تدمير الحب ذاته
كريم عرفان
دراسة نقدية للنص المسرحى ” السلام الرومانى ” للأديب والكاتب المسرحى أحمد عبد الكريم .
يقول تيبريوس : إن الإمبراطورية لتخرب إذا ما اختلفت النساء ..
فهكذا يربط النص على لسان تيبريوس مصير الإمبراطورية الرومانية بالنساء فبمفهوم المخالفة فإن الإمبراطورية لتعمر وتزدهر إذا ما اتفقت النساء وتخرب وتضمحل إذا ما اختلفت النساء ؛ وهو ما نراه متحققا في النص المسرحى الذى بين أيدينا السلام الرومانى ..
نرى ذلك التأثير القوى على الاحداث ومجرياتها وعلى الشخصيات وأحاسيسها ومشاعرها وذلك من خلال مثلث نسائى تمثل كل شخصية نسائية فيه مجموعة من القيم سواء كانت إيجابية أو سلبية وهو مثلث مكون من ” فيبيسيانا – ليفيا – جوليا “
نرى تأثير كل شخصية من هذا المثلث بشكل طاغ على الاحداث وعلى سيرها وعلى سلوك الشخصيات وأفعالهم ؛ وهذا ليس بعجيب فالنص قد ذهب إلى أبعد من هذا وربط السلام الرومانى بامرأة فيقول النص على لسان ليفيا:
- جوليا هي من تحقق السلام في روما .
كذلك نرى تأثير ذلك المثلث النسائى على الشخصية الأبرز والأهم في النص المسرحى والتي احتلت المساحة الأكبر وهى شخصية الإمبراطور تيبريوس .
فكل من الشخصيات النسائية الثلاث احتلت حيزا كبيرا في عقل وتفكير تيبريوس ووضعت بصماتها على روحه ومشاعره أو آرائه وأفكاره كل شخصية من زاوية مختلفة تماما وحسب عقائدها وتوجهاتها .
الشخصية الأولى : فيبسيانا
فبسيانا تمثل الحب النقى والحقيقى في حياة تيبريوس فهى بحق تعد ضمير تيبريوس وهى التي تعلن دائما بوجودها وحضورها اللطيف في هذا النص المسرحى أن تيبريوس لم تمت عاطفته بعد فلازال هناك جانبا من النور والإشراق بداخله وفيبسيانا شخصية حقيقة روى لنا التاريخ عنها وعن تعلق تيبريوس بها وإخلاصه لها ..
في كلمات قليلة ولكنها كافية رسم النص صورة راقية وأخلاقية عن فبسيانا ..فهى تمثل الحب والنقاء والأخلاق التي لم تمت بعد في قلب تيبريوس وقلب روما ..كما بين النص في بعض الأحيان رجاحة عقلها وصواب رأيها .
فتيبريوس يشبهها بيوجين ويقول عنها إنها ترفض المجون والخلاعة والإسراف في الخمر وتتمسك بالفضائل ومكارم الأخلاق وهى ذاتها تقول عن نفسها :
أنا مثل والدتك ليفيا رمز عفة وطهارة السيدة الرومانية المراة التي لم يطالها شيء طوال عمرها ..
وللمفارقة فهى مثلها مثل تيبريوس والمجتمع الرومانى بأسره وقع في فخ ليفيا ونظرته لها كامراة تمثل الاخلاقيات والفضائل والعفة وتمثل النموذج المثالى للمراة الرومانية .ولكن ذلك النموذج سينهار فيما بعد امام أعين فيبسيانا عندما ترى حقيقة ليفيا بعدما قتل أبوها أجربيا وستخبر تيبريوس بتلك الحقيقة وذلك التحليل الصائب .
النص يقدم لنا صورة مشرقة عن فيبسيانا فهى الزوجة المخلصة التي تهتم بزوجها وتنأى بنفسها عن ألاعيب السياسة الرومانية الحقيرة والمبتذلة فلا تتشبه بليفيا في تطلعها إلى السلطة وكذلك تبتعد وتعادى سلوكيات جوليا الشائنة والشنيعة .
كذلك بين لنا النص المسرحى رؤية فيبسيانا لشخصيات المسرحية وتحليلها السليم لبعض هذه الشخصيات فمثلا نرى نظرتها الحكيمة والعميقة إلى جوليا وتحليلها سيكولوجيا فتقول لتيبريوس عنها :
جوليا تكره حبنا ذاته فهى تدرك أنها لم ولن تجده على الإطلاق وهى إن وافقت على فكرة الزواج بك ستكون ليس حبا فيك أو انقاذا للإمبراطورية أو نزولا على طلب أبيها ..ولكن من أجل تدمير هذا الحب .
فهى ترى أن جوليا لا تكره الأشخاص بقدر ما تكره الحب ذاته لانها تعلم بانها بأفعالها وسيرتها السيئة لن تجده أبدا فهى أبعد الناس عن الحب لأنه يسمو بالنفس ويرتقى بالشعور يعنى على العكس تماما من الحالة المتردية التي انحدرت إليها جوليا ووصلت إلى قاعها ؛
لذلك فهى تريد تدمير الحب وهى ترى أن أي علاقة نظيفة تسلط الضوء بطريق غير مباشر على سيرتها المبتذلة ؛ وذلك التحليل يعكس قيمة الحب لدى فيبسيانا وتقديرها له وأنه محور حياتها على عكس الشخصية المضادة والمعاكسة لها جوليا التي تريد تدمير هذا الحب فهو يمثل مصدر إزعاج دائم لها وتذكيرها بأنها مجرد عاهرة رخيصة تمتلىء روما بحكاياتها البشعة والشنيعة .
وكذلك رأينا فيبسيانا تحلل شخصية تيبريوس تحليلا سليما وتعطينا صورة كاملة عنه في بداية النص عندما قالت
تصرفاتك تدل على توجهك أم يكون عندك ازدواجية ..تنادى بخصال أمك وتفعل أفعال جوليا .
فهى أول من لفت انتباهنا إلى قضية الإزدواجية المترسخة في ذات تيبريوس وإن كانت قراءة مشوبة بالصورة المخادعة التي رسمتها ليفيا في عقول الرومان ؛
كما نجدها في نهايات النص المسرحى عندما ظهر كل شيء وافتضح وقتل أجربيا أبوها ؛ فنجدها تصارح تيبريوس بحقيقته البشعة فتقول : تيبريوس الشاعر يتحدث عن القتل تغيرت كثيرا ..
فهاهو الشاعر مرهف الحس تيبريوس يتحول إلى خائن ووحش يريد الوصول إلى السلطة بأى ثمن ..
وتكمل : “حججك فارغة ؛ حبك زائف طموحك في السيطرة غلب نزعتك إلى الحب الذى ماهو عندك إلا أعضاء وطاقة ونزعة للسيطرة تظهر دوما في عينيك الناريتين تلك النزعة التي تضخمت لتنال روما كلها ؛ بعد ان عظمتها وضخمتها ( اللعينة ليفيا ) هي امك وتعرف من ولدها .”
ثم تواصل تلك العملية التحليلية لشخصية تيبريوس فتكشف عن زيف حبه ومشاعره وضحالة مايقدمه من حجج وأسانيد فكلها مبررا ت واهية ؛ ثم تختصره في كلمات موجزة لكنها معبرة فطموحه في السيطرة وشغفه بها قد تغلب على الحب النقى بداخله
ومن الممكن أن يستعيض القارىء مفردات السيطرة والحب بأسماء ليفيا وفيبسيانا فليفيا هي رمز السيطرة والتعلق بالحكم في هذا النص المسرحى وفيبسيانا هي التي تجسد الحب النقى النظيف وتلفتنا فيبسيانا هنا في هذه الفقرة الهامة إلى وجود الصراع بين النزوع إلى السيطرة والتعلق بالحب ..بين ليفيا وبين فيبسيانا ؛ كما أنها تقدم أيضا تحليلا صائبا عن ليفيا في هذه الفقرة فليفيا بمثابة الشيطان الذى ضخم وقوى هذه النزعة في نفس تيبريوس وعقله وهو تحليل يكتسب أهميته من أنه عبر بذات الكلمات التي عبرت بها ليفيا عن نفسها في هذا النص المسرحى فقالت عن نفسها
- أنا الذى عظمت أفعال جوليا في عقل وعين أجربيا حتى انهارت نفسيته وأصيب بالإكتئاب ولجأ إليك أخيرا .
فليفيا ترى نفسها شيطانا مريدا يوسوس إلى الجميع ويعظم الأفعال ووالأقوال في أعينهم حتى يقودهم إلى مايريد .وهو ما قالته فيبسيانا
وذلك ما يؤكد رجاحة عقل تلك الفتاة فيبسيانا وحكمتها و دقة تقييمها للأمور وهو ما وصفته بها ليفيا في النص أيضا عندما قالت لها : أنت فتاة راجحة العقل ..ساعدى هذا المأفون على التريث ..
ثم تلوم فيبسيانا تيبريوس على هذا السلوك الشائن والطريق الذى اختاره لنفسه فتقول عنها إنها طريق المذلة والعار فقد أصبح تيبريوس الشاعر النبيل مجرد ألعوبة في يد جوليا عاهرة روما الأولى فتقول :
أيها القائد المغوار ..لا عجب أن تتحكم بك عاهرة مثل جوليا بعد أن اخترت طريق المذلة ..الطريق الذى طالما ماكنت تهرب منه طوال عمرك أنت من قتلت أجربيا وذللت ابنته .
فرأينا النص قد قدم صورة راقية وبهية لهذه الفتاة فيبسيانا فهى التي تمثل الحب الحقيقى والنقى في هذا النص المسرحى فالحب وفقا لفيبسيانا هو شعور جميل وراقى يسمو بالنفس عن الدناءات والصغائر التي جر إليها تيبريوس حينما تخلى عن حبه وعن رمزه الأسمى فيبسيانا
لذلك سنجد تيبريوس يندم على تضييعه إياها ويذكر ذلك في كلماته الختامية التي هي أشبه بنبوءة نافس بها قارئى الطالع عندما ذكر مصائر كل من أمه وجوليا ثم قال ” وسيترك الفتى كل هذا ويركب السفينة بحثا عن فتاته التي سرقها ىاراباس .”
ففبسيانا لاتزال هي النقطة المضيئة الوحيدة في قلب تيبريوس وفى عالمه الملىء بالفساد الأخلاقى والكراهية والغش والخداع وتوظيف كل شيء وهدم القيم النبيلة من أجل الوصول إلى السلطة أو الحفاظ عليها ؛ لذلك ففبسيانا تمثل البراءة التي لو فقدها تيبريوس لغدا مسخا متوحشا تماما لا وجود لذرة خير نقية فيه فذلك الحب هو الذى يحافظ على بقية الإنسانية في تيبريوس .
شخصية ليفيا :
ليفيا هي الشخصية الأبرز في هذا النص المسرحى وهى المحور الذى يدور حوله العمل بأبطاله وأحداثه فهى التي تحرك الأبطال والشخصيات وتسير الاحداث وتصنعها ..
تقول ليفيا : إذا كانت هذه مشاعرهم في الوقت الحاضر فيجب ألا نتركها هكذا يجب أن نوجهها ..
فهذه هي ليفيا التي توجه الجميع وتتلاعب بهم كالدمى بل تريد توجيه مشاعرهم لما تحب وتهوى وشغفها الوحيد ينحصر في تطلعها إلى السلطة والوصول بابنها تيبريوس إلى عرش روما مهما كانت الوسائل غير نبيلة أو كما قال تيبريوس هي تريد أن تكون زوجة امبراطور وأم امبراطور .
وذلك ماتقرره في صراحة وحسم من أن هدفها الأوحد والأهم يتمثل في العرش وأن الزواج إنما وجد ليضمن استقراره في حوزة ليفيا فتقول عن مخططاتها :
؛ هذا في مصلحة كرسى العرش بدلا من أن تتبدل حولنا الحياة فلا نجده في أيدينا ويذهب إلى غيرنا بزيجات عبثية ..الزواج شيء لا يتعلق بالحب بقدر ما يتعلق بالمصالح مثل النسب والسلطة والميراث .
فليفيا لا يعنيها تعريف الحب وكونه نقيا راقيا وفقا لفيبسيانا ولا يهمها أيضا أن تتفهم أو ترد على المفهوم المتهتك للحب حسبما تقول وتفعل جوليا ؛ إنما هي لا تعترف الا بالزواج المؤسس على المصلحة وأى زواج لا يصل بها وبابنها إلى عرش روما فهوزواج عبثى لا قيمة له ؛ لذلك فهى ترى دائما فبسيانا وتعلق تيبريوس بها خطرا داهما ؛ وهى تعرف جيدا أن الطريق الى العرش لا يمر الا عبر جوليا رمز التهتك الصارخ والإنحلال الذى يملأ السمع والبصر؛ إذن فلا قيمة للأخلاق أو الحديث عنها بل على العكس تماما أي تمسك بالفضائل سيمثل حجر عثرة أمامها لتصبح أم الإمبراطور وستجعل تيبريوس ينفر تماما من الإقتران بجوليا .
ليفيا هي التي خدعت المجتمع الرومانى بأسره وصدرت له الصورة المزيفة عنها فهى كما تقول فيبسيانا وتفتخر بنفسها :
أنا مثل والدتك ليفيا رمز عفة وطهارة السيدة الرومانية المراة التي لم يطالها شيء طوال عمرها ..
وهو الأمر الذى تكشف فيما بعد لتيبريوس عندما دفعته للزواج من جوليا فهى التي دفعت ابنها وأغوته ليقع في مستنقع لا نجاة منه ولقنته الدرس الأول في طرق الوصول إلى العرش وهى طرق غير أخلاقية تستبشعها النفوس السوية ص 44 ..
وهذه لحظة هامة جدا فقد ارتعد تيبريوس حينما رأى حقيقة أمه غير الأخلاقية وانكشاف القناع الذى تضعه على وجهها وقد أخذت تكشف أكثر وأكثر عن ما تكنه داخلها من تطلع إلى السلطة لا يقف أمامه أي خلق رفيع أو قيم مقدرة وصرخ فيها :
أي امراة أنت أهذه ليفيا ..رمز الأسر العريقة والمحافظة في روما أي جحيم من الرذائل تدفعيننى نحوه ؟ إن جوليا أميرة على عاهرى وعاهرات روما .
فلم تعبأ ليفيا بهذا كله وواجهته بحقيقتها وقالت :
أعرف جيدا ما يطلب منى والصورة التي يجب أن أكون عليها .
فالتمسك بالأخلاقيات وإظهار الفضائل هي فقط بمثابة مساحيق تجميل تضعها لتزين بها صورتها أمام الشعب الرومانى وتخفى حقيقتها البشعة التي فاجأت أول مافاجأت ابنها تيبريوس نفسه ؛ فهى تعلم جيدا أنها بدفعها ابنها إلى هذه الزيجة تقضى على ما تبقى من شرف وأخلاقيات لدى تيبريوس كما أنها تمحو البقعة المضيئة في قلبه والتي تسكنها فيبسيانا فهي تريده أن يتخلص من حبه النقى و أن يحطم كل ماهو مقدر وأخلاقى في سبيل الوصول إلى السلطة .
كما نجد أن ليفيا قد قامت بدور الشيطان ثلاث مرات في هذا النص المسرحى..
المرة الأولى عندما ضخمت من أفعال جوليا أمام أعين أجربيا وذلك ليلجأ إلى تيبريوس حتى يضع حدا لأفعال جوليا الشائنة ..فتقول ليفيا :
أنا الذى عظمت أفعال جوليا في عقل وعين أجربيا حتى انهارت نفسيته وأصيب بالإكتئاب ولجأ إليك أخيرا ..تلك كانت الوسيلة الوحيدة لدفعك للقيام بهذه المهمة ؟
فهى تعترف لابنها صراحة بتقمصها دور الشيطان وتعظيم وتضخيم الأمور في أعين من حولها من شخصيات تلك الشخصيات التي تتعامل معهم جميعهم وكأنهم خصوم محتملين ينازعونها السلطة والحكم ويمثلون خطرا داهما على مشروعها القادم طالما لم يقبلوا أن يدخلوا ضمن خطتها وأن يقبلوا الأدوار التي رسمتها لهم .
المرة الثانية عندما خدعت تيبريوس من اجل الحصول على قائمة العشاق تلك القائمة التي تحوى أسماء من مارسوا الرذائل والأمور غير الأخلاقية مع جوليا ؛ فليفيا خدعت تيبريوس وأوهمته أنه سيفعل ذلك من أجل أجربيا ..أجربيا الذى استشاط غضبا مما تفعله جوليا من أفعال شائنة جعلت تيبريوس نفسه يريد ان يخبر الإمبراطور أن يمنع جوليا أو أن يطبق عليها القانون اليوليانى قانون العفة وهو ما يشير إلى أن تيبريوس وقتها كان لايزال يملك ضميرا حيا يأبى هذه الأفعال الشائنة ؛ ثم بعد أن انهى هذه المهمة فاجأته ليفيا بغرضها الحقيقى فهى لا تريد مساندة أجربيا أو مساعدته بل تريد الإحتفاظ بتلك القائمة غير الأخلاقية حتى تساوم عليها فتقول :
- نحتفظ بها ..لوقت الحاجة سوف نقايض ونساوم بهذه القائمة الجميع أجربيا وجوليا وحتى أغسطس وحتى أولئك المسجلة أسمائهم فيها ..المتحررون أنفسهم .
و المرة الثالثة عندما وسوست إلى أغسطس بصحة وصواب مافعله تيبريوس عندما استعاد الشعار الرومانى عن طريق نقضه العهود نجد ذلك في المشهد الرائع الذى يصور فعلا تأثير ليفيا القوى في الاحداث ؛ فعندما ثار أغسطس على فعلة تيبريوس ونقضه لعهود روما وتسليمه أزار
سرعان ما تدخلت ليفيا ونجحت في استمالة أغسطس وامتصاص غضبه الذى صبه على تيبريوس إذ قالت :
مولاى أقدر هول المفاجأة ولكن دعنا نفكر بروية مولاى أرى في الامر وجاهة ..سريتنا كما هي شعارنا واسترددناه ..عهودنا نعرف كيف نتحايل عليها ..ليست هذه المرة الأولى كما أن الشعب لا يهمه امر أزار ولا العهود ..
وبتلك الكلمات نجحت فى امتصاص غضب أغسطس وإقناعه بأن ما فعله تيبريوس صحيح لاشىء فيه ويكفل السلام الرومانى ويحققه وكما رأينا فقاموس ليفيا يمتلىء بكل مفردات الخداع والإزدواجية والنفاق والتحايل على العهود .
وذلك الدور الشيطانى الذى لعبته ليفيا يذكرنا بالتحليل الذى قدمته الفتاة راجحة العقل فيبسيانا عندما قالت له : “طموحك في السيطرة غلب نزعتك إلى الحب الذى ماهو عندك إلا أعضاء وطاقة ونزعة للسيطرة تظهر دوما في عينيك الناريتين تلك النزعة التي تضخمت لتنال روما كلها ؛ بعد ان عظمتها وضخمتها ( اللعينة ليفيا ) هي امك وتعرف من ولدها .”
فهى تعلم جيدا دور ليفيا في تعظيم وتضخيم نزعة حب السلطة في نفس تيبريوس وتأثيرها العظيم عليه . “
بقى لنا أن نعلم مفهوم السلام الرومانى عند ليفيا كيف تراه وتصوغه وفقا لرؤيتها فهى تقول :
- جوليا هي من تحقق السلام في روما فبدونها يقتتل الجميع على الكرسى ونعيش في بحار الدم وتسقط روما بأكملها .
إذن فالسلام الرومانى وفقا لليفيا يتمثل في جوليا التي وصفها تيبريوس بالعاهرة لا بل هي الاميرة على عاهرى وعاهرات روما بأكملها ؛ فهذا هو السلام الرومانى لدى ليفيا السيدة الأولى للإمبراطورية الرومانية وهو قطعا سلام يبتعد كثيرا جدا عن العفة والأخلاقيات والفضائل ..
وفى النهاية نجد أن تيبريوس منح ليفيا النهاية التي تستحقها في نبوءته الختامية للنص وهى نبوءة عميقة جدا تجلت فيها كراهيته الدفينة لامه وما قامت به من غرس قيم غير أخلاقية هدمت الكثير مما بداخله وجعلته يسلك طريق المذلة كما صرحت بذلك فيبسيانا؛ فيقول تيبريوس في نبوءته :
” وتموت ليفيا ويتعفن جسدها وسط روما لا تجد جرعة دواء لآلامها ..”
وأخيرا شخصية جوليا :
جوليا هي الضلع الثالث في ذلك المثلث النسائى المكون من فيبسيانا ( الحب النقى ) ؛ ليفيا ( السلطة بدون أخلاق ) ؛ ثم جوليا التي لا تعرف الحب أبدا ولم يصل إليها نبل هذه المشاعر بل هي تمثل صورة معاكسة مبتذلة لفبسيانا النقية ولا يهمها السلطة فهى تعلم تماما أنها الطريق الوحيد إلى عرش روما وأنها المفتاح السحرى لحكم روما ولكن ما يهمها تحقيق رغباتها المنحطة والمبتذلة والحصول على اللذة الحسية بشتى الوسائل المتدنية والرخيصة ؛ ولكن هناك أهداف أخرى تريد جوليا تحقيقها
الهدف الأول : هو تدمير الحب ذاته
وفقا للتحليل الذى قدمته فيبسيانا إذا قالت كما أشرنا لتيبريوس :
جوليا تكره حبنا ذاته فهى تدرك أنها لم ولن تجده على الإطلاق وهى إن وافقت على فكرة الزواج بك ستكون ليس حبا فيك أو انقاذا للإمبراطورية أو نزولا على طلب أبيها ..ولكن من أجل تدمير هذا الحب .
فهى ترى أن جوليا لا تكره الأشخاص بقدر ما تكره الحب ذاته لانها تعلم بانها بأفعالها وسيرتها السيئة لن تجده أبدا فهى أبعد الناس عن الحب لأنه يسمو بالنفس ويرتقى بالشعور يعنى على العكس تماما من الحالة المتردية التي انحدرت إليها جوليا ووصلت إلى قاعها ؛ لذلك فهى تريد تدمير الحب وهى ترى أن أي علاقة نظيفة تسلط الضوء بطريق غير مباشر على سيرتها المبتذلة .
الهدف الثانى : هو تشويه وإفساد المجتمع الرومانى
فقد جمعت جوليا حولها الكثير من الشباب الرومانى المتحرر والشخصيات المارقة والذين اتحدوا تحت اسم حزب “المتحررين ” لا يجمعهم فكر أو عقيدة أو مبدأ بل يجمعهم الحصول على اللذة الحسية والجسدية وإشباع الرغبات المبتذلة والتفافهم حول جوليا والتي وصفت من قبل الجميع بالعاهرة والماجنة .
ونرى ذلك الفساد الأخلاقى في قائمة العشاق الذين قاموا بفعل الأمور غير الأخلاقية مع جوليا وحرصها على تلك القائمة ..
يقول أوفيد :هذه القائمة مثار افتخار لجوليا وتعتبرها من أهم إنجازاتها ص 38
ونجد أنها أيضا تقوم بالمجاهرة بتلك الأفعال غير الأخلاقية بل تطالب باراباس بالتوقيع على تلك القائمة حتى يصل إلى اللذة المحرمة .
جوليا هي التي تمثل السلام الرومانى وفقا لما قررته ليفيا إذ قالت :
جوليا هي من تحقق السلام في روما فبدونها يقتتل الجميع على الكرسى ونعيش في بحار الدم وتسقط روما بأكملها .
وارتباط السلام الرومانى بشخصية كشخصية جوليا غير الأخلاقية يمثل إدانة واضحة للسلام الرومانى وأنه سلام غير عادل ومزيف وغير أخلاقى .
أما عن تيبريوس فهو يحتقر جوليا وأفعالها بل ويصفها بأبشع الصفات ووينعتها بأسوأ النعوت فهى العاهرة والماجنة ؛ وهى تدنو في نظره بقدر ما تعلو شخصية فيبسيانا التي تمثل الحب النقى ؛ ولكن ليفيا أمه هي التي تدفعه دفعا للإقتران بها والزواج منها ضمانا للعرش الرومانى وبذلك يقع تيبريوس في مستنقع ليفيا ؛ ولكن يظل دائما كارها لها في أعماقه مبغضا لشخصيتها وأفعالها لذلك يختار لها مصيرا بشعا في نبوءته الختامية إذ يقول :
” وتموت جوليا عطشا في الجزر القاحلة ” .