تحرير سوريا على يد الجولاني
ناجح شاهين
“الثوار السوريون هم أداة للناتو وإسرائيل وتركيا” كريغ موري السفير البريطاني السابق لدى أوزبكستان.
أبومحمد الجولاني تلميذ أبوبكر البغدادي ويهوذا الأسخريوطي الذي يقال إنه قد سلم أستاذه للمخابرات الأمريكية. سنة 2011 أفرج عنه الأمريكان ليتم إرساله من قبل الخليفة البغدادي إلى سوريا مع أموال كثيرة ليقوم بتأسيس جبهة النصرة فرعاً للدولة الإسلامية “داعش”. كانت أمريكا وحلفاؤها بمن فيهم قطر وتركيا في أمس الحاجة لتخريب الأمن في سوريا لمنع مشروع خط أنابيب الغاز الإيراني المستلهم من فكرة خط الأنابيب القطري المعلن عنه في العام 2000، وهكذا تم تعطيل المشروع على امتداد عقد ونصف من العمل الإرهابي المنظم على يد أجهزة استخبارية كبيرة، لينتهي الصراع بسقوط الدولة السورية في يد العصابات المدربة في تركيا والأردن بأموال قطرية على نحو خاص.
إذن منذ البداية، ومثلما أصبح معروفاً للجميع الآن، عملت المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والتركية والأسرائيلية مع مال قطري سخي من أجل تجهيز الانفجارات في دمشق وحلب وغيرها من المدن الكبرى، وإحضار عشرات الآلاف من المجاهدين من ليبيا والشيشان وأفغانستان والبوسنة والإيغور الصينيين. لقد شهدت سوريا دون شك أكبر حملة جهادية في التاريخ البشري كله، ولا بد أنها تتفوق على حملة الجهاد الموجه ضد السوفييت في أفغانستان في ثمانينيات القرن العشرين. بالطبع تضعضعت قوة الدولة السورية وفقدت معظم سيطرتها التي تنحصر سنة 2014 في دمشق وحدها على وجه التقريب. في تلك الأيام لم يكن “الحلفاء” يخفون سعادتهم وكان الرئيس التركي تحديداً يتحدث علناً عن حقوق بلاده التاريخية في سوريا والعراق.
سنة 2015 تدخل الروس مباشرة في القتال، وبعد ذلك بسنة وفي سياق سمعة داعش السيئة غير الجولاني اسم عصابته إلى فتح الشام، ثم هيئة تحرير الشام. وقد ترافقت تلك التغييرات “التكتيكية” مع تراجع قوى العصابات بفضل قتال المقاومة اللبنانية الممير إلى جانب الجيش السوري والدعم الجوي الروسي النشط، وهو ما أدى إلى استعادة الدولة لثلاثة أرباع أراضي الدولة تقريباً. ولكن العصابات المهزومة في الجنوب والشمال والشرق لم تختف تماماً، وإنما كمنت تحت ستار كثيف من دخان العدوان الإسرائيلي ضد فلسطين ولبنان تتحين الفرصة للانقضاض على الدولة. وقبل شهر تقريبا، عندما تم توقيع اتفاق وقف اطلاق النار مع لبنان، أطلق نتانياهو ما يكاد يكون كلمة السر الخاصة بإطلاق وحش العصابات: “الأسد يلعب بالنار، وسوف يلقى مصيره”. بعد ساعات كانت العصابات تتحرك بقوة كبيرة في الوقت الذي يبدو فيه وكأن الجيش السوري قد انهار تماماً.
لن نتمكن بداهة من معرفة ما جرى في أي وقت من الأوقات، لكن سرعة رفع علم “الثورة” في موسكو ولقاء الدوحة، يشيان بصفقة اشتركت فيها روسيا. أما صمت الرئيس بشار الأسد فيشي باحتمالات مزعجة قد يكون أحدها أنه اعتقل بالفعل ساعة انطلاق الأحداث، وأنه لم يكن الشخص الذي يقود الأحداث في سوريا، وإنما ضباط باعوا موقفهم لأمريكا وتركيا مقابل بعض المال وصفقة في أوكرانيا.
بعد سقوط الدولة أوضح الجيش السوري الحر المدعوم أمريكيا بأنه مستعد للتعاون مع الدول كلها بما فيها إسرائيل التي ساهمت حربها ضد حزب الله في نجاح الثورة. وهكذا يبدو أن القوى الأمريكية والتركية والإسرائيلية متناسقة في رغبتها في تصفية الوجود الإيراني والروسي ووجود حزب الله، ولكن هناك فرقا لا يمكن تجاهله يتصل بالكرد الذين تدعمهم تركيا وإسرائيل. بعض المراقبين يبالغ في أهمية هذا الخلاف، ولكن يبدو أن اطمئنان اسرائيل إلى مشاعر الصداقة التي يحملها نظام الجولاني الوليد ستسمح ببيع الأكراد لتركيا في مقابل تشكيل حلف تركي/إسرائيلي يدير شؤون سوريا ويرعى المصالح القطرية، وعلى رأسها ما يتصل بأنبوب الغاز على السواء.
في هذه الأثناء ينشغل الناس، كما ينبغي لهم في مثل هذه الظروف، أو مثلما حصل سابقا في ليبيا والعراق، بسجون النظام السابق وثرواته وجرائمه …الخ وهذا ملف يمكن أن يستمر بحسب التجربة سنوات تكفي لتغيير الواقع القائم وبناء واقع جديد ملائم تماما للمصالح الأمريكية والتركية والإسرائيلية والقطرية. وعندما يكتشف الناس أن سوريا قد نهبت شمالاً من تركيا وشرقاً من أمريكا وجنوبا/غربا من إسرائيل، وأنها تخضع لمقتضيات المصالح الصهيو تركية يكون الوقت قد أصبح متأخراً بالفعل.