تحديات سفرية ماكرون… تحديات
زكرياء حبيبي
من المنتظر وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر العاصمة في 25 أغسطس/ أوت، في إطار المحاولات الفرنسية لاستعادة ثقة الجزائر الجديدة، التي عبرت مرارًا وتكرارا، من خلال سلطتها العليا، عن قطيعة لا رجعة فيها، مع موقف القادة السابقين فيما يتعلق بالعلاقات الجزائرية الفرنسية..
السيـادة الوطنيـة قبـل كـل شـيء
الرئـيس تبـون، الذي تم تنصيبه في أعلى هرم السلطة، بعد الانتخابات الديمقراطية والحرة في 12 ديسمبر 2019، وبعد الحراك المبارك، كان قد أعرب لمحاوريه الفرنسيين، أن الجزائر الجديدة لا تتنازل عن سيادتها الوطنية، وما حظر عبور الطائرات العسكرية الفرنسية المتّجهة إلى منطقة الساحل والصحراء في أجوائها، في إطار عملية برخان، ليس سوى إجراء أولي، جدير بوضع الأمور في نصابها الصحيح بشأن السيادة الوطنية، المكتسبة غاليا، نظير التضحيات الجسام لشهدائنا الأبرار.
ورافق هذا الإجراء استدعاء السفير الفرنسي السابق في الجزائر، كزافييه درينكور، الذي تصرف مثل أسلافه برنار باجولي وبرنارد إيمي، كما لو كانت الجزائر “مقاطعة” ما وراء البحار.
استفاد هؤلاء الدبلوماسيون، خلال العقود الماضية، من كل الكرم والسخاء والتسهيلات…، التي سمحت لهم بحشر أنوفهم في الأنشطة السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية والإعلامية والمجتمع المدني، مدعومين، ويجب توضيح ذلك، من قبل المستعمرين الجدد في الطابور الخامس.
شاركت المؤسسة الفرنسية في جميع المحاولات لزعزعة استقرار البلاد، بهدف الحفاظ على وصايتها، لكن الإرادة السياسية للقادة الجدد للبلاد، وتصميم شعب بأكمله، قررت خلاف ذلك.
إن العودة إلى النظام الدستوري من خلال الانتخابات التشريعية والمحلية وتعديل الدستور، بما يسمح بفصل السلطة السياسية عن المال، وتنفيذ إستراتيجية جديدة لتنمية القدرات الذاتية للبلد، سبقت المخططات التي رسمتها قوى الاستعمار الجديد، وتلك التي تحن إلى الجزائر الفرنسية.
الجزائر الجديدة لم تعد تلك البقرة التي يجب حلبها
كانت فرنسا المستفيد الاقتصادي الأكبر خلال العقدين الماضيين، من خلال شركاتها و”ميدافها”، التي انتشرت على نطاق واسع من حيث منح المشاريع، وعبر اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، التي شرّعت بيع الثروة الوطنية، وفضلت تحويل -في حدود قانونية-، أموال الجزائريين من مداخيل المحروقات.
وقد تم وضع قوانين، أقرتها الحكومات المتعاقبة آنذاك، وفقًا لخطط نهب منظمة، وتم وضعها في الخدمة، لصالح الشركات الفرنسية ومكاتب الاستشارات والخبرات.
اليوم، تعود الجزائر بقوة على الساحة الدولية، بفضل التزامها بنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، ويسارع الشركاء إلى إبرام اتفاقيات شراكة مع الجزائر.
وبالنظر إلى التجربة مع فرنسا، فإن فرصة باريس ضئيلة جدا، للنجاح في إبرام عقود ضخمة لإنقاذ الشركات الفرنسية.
لم تعد باريس محل ثقة، لأن التجارب التي عشناها، كشفت لنا، أن فرنسا تريد الحفاظ على الجزائر كسوق “بازار” لبيع منتجاتها وفقط، وأنها ليست مستعدة أبدًا، لبناء شراكة اقتصادية على أساس منطق رابح- رابح.
إن إحياء جهاز الدعاية، واللوبي النشط للغاية على المستوى الإداري، وإطلاق الهجوم الثقافي المتخفي في صورة أنشطة أدبية وفنية لإحياء رموز الاستعمار، مثل إيف سان لوران وألبير كامو، لديهم فرص ضئيلة، للنجاح في مواجهة إصرار القادة الجزائريين الجدد، الحريصين على وضع الجزائر في المكانة التي تستحقها في المحفل الدولي، وفقا لقسم شهدائنا الأبرار.
التزامات ماكرون التي لم يتم الوفاء بها
كما أوضح الأوكرانيون ذلك، يعد ماكرون بالشيء ويفعل عكسه، ولتوضيح ذلك بشكل أفضل، قاموا بإثراء اللغة الفرنسية بفعل “macroner”.
زار إيمانويل ماكرون الجزائر مرتين، مرة كمرشح للرئاسة الفرنسية لعام 2017، ومرة كنزيل لقصر الإليزيه. وفي كل مرة، كان يخيب آمال الجزائريين، ووعده بإعلان الاستعمار الفرنسي للجزائر جريمة ضد الإنسانية، لم يكن سوى وهم وذر للرماد في العيون، كذبته تصريحاته، بعدما أنكر وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي.
ملف الطاقة على الطاولة
ليس من المستبعد، أن يتطرق الرئيس الفرنسي، مع القادة الجزائريين، حول ملف الطاقة، المتعلق بإمداد أوروبا بالغاز الجزائري.
وإذا لم يتم ذكر أي شيء، بشأن الملفات التي ستطرح على طاولة المناقشات والمفاوضات بين الطرفين، تظل بعض المؤشرات ترافع لصالح استئناف توريد الغاز عبر GME، الذي يخدم إسبانيا، عبر المغرب. استئناف مطلوب بقوة، لإعادة إطلاق خط أنابيب الغاز Midcat، الذي يربط إسبانيا بفرنسا، والذي يمثل أهمية قصوى لألمانيا، والتي لمّح إليها المستشار أولاف شولتز قبل أيام قليلة، مستحضرًا إستراتيجية قصيرة المدى لبلده، لمواجهة اعتماد برلين على الغاز الروسي.
للتخلص من الغاز الروسي، كما يرغب الاتحاد الأوروبي، تؤيد بروكسل إعادة إطلاق مشروع MidCat (ميدي كاتالونيا)، خط أنابيب الغاز هذا الذي يربط إسبانيا بفرنسا، والذي تم إطلاقه في عام 2013 وتم التخلي عنه في عام 2019. أنبوب بطول 230 كيلومترًا من هوستلريك، شمال برشلونة، للوصول إلى باربايرا، شرق كاركاسون، لعبور جبال البرانس.
إسبانيا تدفع بالمشروع إلى أقصى حد. بفضل الأزمة الأوكرانية، تتخيل نفسها، أي اسبانيا، أن تصبح “مركزًا للغاز” رئيسيًا، يربط جنوب وشمال أوروبا.
البنية التحتية موجودة بالفعل، مع سبع محطات للغاز الطبيعي المسال، أي ربع قدرة الاتحاد الأوروبي، حيث ترسو ناقلات الغاز الطبيعي المسال من حوالي خمسة عشر دولة، وخطي أنابيب غاز مرتبطين بالجزائر، ومع ذلك تم إيقاف أحدهما في نوفمبر من قبل الحكومة الجزائرية، بسبب التوترات مع المغرب.
لكن إسبانيا تفتقر إلى الترابط مع فرنسا، لدرجة أن 60٪ من السعة المتاحة في المحطات الإسبانية غير مستخدمة.
اليوم، يمكن أن تمثل إسبانيا ما يصل إلى 6٪ من إمدادات الغاز الفرنسية. مع هذه البنية التحتية الجديدة، سيتم مضاعفة حجم النقل، مما يجعل من الممكن تقليل اعتماد فرنسا بشكل كبير على الغاز الروسي في بداية عام 2019، ومع ذلك، فقد ساهم المنظمون الفرنسيون والإسبانيون في دفن المشروع، بقيمة 440 مليون يورو، التي تم اعتبارها باهظة الثمن وغير ضرورية.
مبدئيا، الجزائريون ليسوا مهتمين جدًا بمخاوف إمدادات الغاز الفرنسية الإسبانية، مفضلين تعزيز شراكتهم الإستراتيجية مع إيطاليا، وهي شراكة بعيدة كل البعد عن تحالفات التواطؤ والتآمر، كما كان الحال مع مدريد، التي خانت حكومتها، أي حكومة بيدرو سانشيز، ثقة الجزائر ومصالح شعبها، في الانحياز للموقف الاستعماري للمغرب في ملف الصحراء الغربية.
في هذا السجل، يتضح أن باريس تنحاز أيضًا إلى الموقف المغربي، كما يتضح من حق النقض الذي طال أمده داخل مجلس الأمن للأمم المتحدة، لتجنيب الرباط، العقوبات الدولية وحرمان شعب من حق تقرير المصير.
ملفي مالي وليبيا
من المؤكد أن الرئيسين، سيناقشان قضايا الأزمتين في مالي وليبيا. في هذا الصدد، من الواضح أن فرنسا تحاول إيجاد مخرج مشرف للخروج من مستنقع مالي، التي يُصّر قادتها على إنهاء النفوذ الفرنسي، كما لم تؤد الأعمال الإرهابية الأخيرة، إلا إلى تعزيز قناعة الماليين بطرد فرنسا من أراضيهم.
وإحياء عملية الجزائر بإدماج 26 ألف مقاتل متمرد ضمن صفوف “الفاما”، قد أدى إلى تنشيط العملية السياسية للحصول على مؤسسات منتخبة خلال عام 2024، ووضع حد لرغبة فرنسا الاستعمارية الجديدة، في إبقاء مالي تحت نيرها.
كما سيكون الملف الليبي مطروحًا على الطاولة، الذي طالما أشارت الأصابع، على أن فرنسا هي القوة الأولى التي نظمت سقوط الزعيم الليبي معمر القذافي واغتياله.
وكالعادة، تطالب الجزائر بإنهاء الوجود الأجنبي، ورحيل الميليشيات الأجنبية، كشرط أولي، مفضلة الحوار ما بين الليبيين، من أجل حل ليبي- ليبي، للسير باتجاه إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، للسماح لليبيا، بإقامة مؤسساتها المنتخبة والحرة، وفق قرارات الأمم المتحدة.