تجاهل الغرب للفكر الاقتصادي العربي الاسلامي
مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد – جامعة دمشق
إنه لخطأ كبير وتجاهل خطر أن يبدأ البحث في الفكر الاقتصادي وتطور المذاهب الاقتصادية من تصورات أفلاطون وأرسطو والمفكرين الأوروبيين في روما القديمة واليونان القديم، وتحدث القفزة إلى القرن الثامن عشر مباشرة، متجاهلين الجهود العلمية والأخلاقية والظواهر في القرون الوسطى، بدعوى أن القرون الوسطى، هي عصور الجهل والظلام.
عمل علماء ومفكرو النهضة الأوروبية على إنكار أسلافهم المفكرين من علماء وفلاسفة العصر الوسيط، وأصروا على ارتباطهم بأسلافهم الأوروبيين (اليونان والرومان). حتى إنهم اعتبروا العلم محض ظاهرة أوروبية تبدأ في المجتمع اليوناني والروماني وتنتهي في المجتمعات الأوروبية الغربية ذات الحضارة التكنولوجية المعاصرة.
التفاتنا إلى أهمية التدقيق في تاريخ العلوم والبحث عن نشوئها وترعرعها في مختلف المجتمعات والحضارات الإنسانية، واعتبارنا العصر الوسيط عصراً ذهبياً بالنسبة لتكوين الروح العلمية وتطويرها في أحضان الحضارة الإسلامية إحدى الحضارات العالمية الكبرى، يجعلنا نراجع تلك المواقف المزدرية لإنتاج العصر الوسيط. [1]فليس من المعقول أن نجد في أيامنا هذه، مؤلفات حول المذاهب الاقتصادية أو عن تاريخ الفكر الاقتصادي تتجاهل ما أنبتته الأخلاق والتعاليم الإسلامية والمسيحية من نظريات حول التعامل الاقتصادي، والظواهر والمشكلات الاقتصادية.
يصف جورج سارتون، العرب المسلمين في زمن ازدهار الدولة الإسلامية خلال الفترة من منتصف القرن الثامن الميلادي وحتى نهاية القرن الحادي عشر، قائلاً: (هم عباقرة الشرق في القرون الوسطى)، لقد قدموا للحضارة الإنسانية مأثرة عظمى، في كتابة أعظم المؤلفات والدراسات قيمة وأصالة وعمقاً باللغة العربية، التي كانت لغة العلم للجنس البشري آنذاك. (فما من شخص يريد الإلمام بثقافة ذلك العصر، كان قادراً على ذلك دون أن تكون له معرفة باللغة العربية). [2]ليس هذا فحسب، بل أشاد العرب دولاً لهم في أطراف الجزيرة العربية على شواطئ بحر العرب، وفي بلاد الرافدين وبلاد الشام وفي شمال أفريقيا، ثم وصلت إلى الأندلس وحتى حدود فرنسا في أوروبا. وأقاموا هناك حضارات ما تزال موضوعاً هاماً في كتب التاريخ والكتب المعاصرة. لقد حمل العرب المسلمون (رسالة ذات طابع إنساني، يبلغونها للعالم أجمع. فاقترن قيام أول دولة قومية لهم برسالة إنسانية عبرت عن خصائص العروبة، كمفهوم متجدد في اتجاه التقدم من أجل الإنسانية). [3]امتلك العرب المسلمون ناصية العلوم النظرية والتطبيقية في العصور الوسطى الذهبية – بينما كان الأوربيون يغطون في العصور الوسطى المظلمة، وقد أبدعوا في جلّ الحقول المعرفية، وأهمها: الحقل الديني والحقل الفلسفي والطبي والرياضياتي والاقتصادي. غير أن الفكر الاستشراقي الأوربي أنكر عليهم بعض إسهاماتهم في تلك الحقول الإبداعية، وربما كان في مقدمتها الحقل الاقتصادي. فاستبدل الإسهام الاقتصادي لعلماء عرب كبار أمثال ابن خلدون والمقريزي بإسهامات توما الأكويني ووليم بيتي وجان بودان.
تجدر الإشارة إلى أن الأفكار الاقتصادية الإسلامية لم تتضمنها كتب اقتصادية متخصصة إلا فيما ندر مثل (كتاب الخراج للقاضي ابي يوسف يعقوب بن إبراهيم، وكتاب إغاثة الأمة بكشف القمة لتقي الدين المقريزي). لكن القسم الكبير منها كان مبثوثاً في كتب التاريخ والفقه والتفاسير وغيرها. لذلك كان من الصعوبة التعرف على ملامح أو أسس “نظام اقتصادي إسلامي” متكامل ومتبلور من حيث النظرية أو من حيث التطبيق. ذلك لا يعني غياب مبادئ اقتصادية إسلامية قائمة على الفطرة البشرية والقيم الإنسانية ومتميزة عن المبادئ الاقتصادية الرأسمالية والاشتراكية.
الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
كلية الاقتصاد – جامعة دمشق
[2] – أحمد أبو زيد، مجلة عالم الفكر، العدد الأول، المجلد الثامن، ص 3.
[3] – إسماعيل الملحم، مجلة الناشر العربي، العدد الثامن، شباط 1987، ص 7.