أحوال عربيةإقتصادمال و أعمال

تجارب التنمية الصناعية في الدول العربية

مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد – جامعة دمشق

1 ـ الملامح العامة لاستراتيجية التنمية الصناعية العربية :
تهدف استراتيجية التنمية الصناعية في الوطن العربي الى توسيع وتنمية النشاط الصناعي وتعميق دوره في مهمات التنمية العربية الشاملة ، وتطوير الهيكل الصناعي وتعميق وتوسيع قاعدته التشابكية . وهذا يعني أن السياسات الصناعية العربية قد حددت أهدافاً تسعى لتحقيقها أهمها :
ـ زيادة معدلات نمو الانتاج الصناعي وزيادة حصته في تكوين الناتج الاجمالي .
ـ التركيز على تصنيع الخامات المحلية ومشتقاتها بما يؤدي الى زيادة حجم القيمة المضافة وتقليل صادرات الوطن العربي من المواد الاولية الخام .
ـ الاهتمام بتصنيع السلع اللازمة لاشباع حاجات السكان الاساسية وتقليل الاعتماد على الاستيراد في تأمينها .
ـ تشجيع الصناعات التصديرية ضماناً لتدفق العملات الأجنبية .
ـ اقامة صناعات متقدمة تقنياً وذات قيمة مضافه عالية .
ـ تحقيق درجة من التكامل الافقي والعمودي بين فروع الصناعة من جهة وبينها وبين فروع الاقتصاد الأخرى من جهة ثانية .
ـ تطوير أساليب وقدرات التدريب والتأهيل الصناعي .
ـ خلق مناخ استثماري مستقر مناسب لتشجيع مشاركة رأس المال الأجنبي والعربي في تمويل المشروعات الصناعية .
ـ إستيراد التكنولوجيا والتجهيزات المتقدمة وتوطينها وتعظيم الإستفادة منها في تطوير القدرات التكنولوجية المحلية .
ـ تعزيز القدرات التنافسية للصناعات العربية
ـ تحسين الكفاءة الإنتاجية في قطاع الصناعي .
ـ تطوير القطاع الخاص وبخاصة الصناعات الصغيرة والمتوسطة .
ـ اصلاح الإدارة الصناعية .
ـ تخفيف آثار التلوث البيئي الناتج عن الصناعة .
ـ تحقيق التنسيق والتكامل الصناعي بين الدول العربية .
وتعكس هذه الاهداف طبيعة المرحلة التي تمر بها التنمية الصناعية في معظم الدول العربية . وتتطلب إستراتيجية التنمية الصناعية العربية إقامة وتطوير الهياكل الأساسية وبخاصة مرافق النقل (الطرق لجسور ـ الموانئ ـ المطارات ـ وسائط النقل شركات الشجن ، محطات الكهرباء، المدن الصناعية ، والمناطق الصناعية الحرة )وغيرها .
والتنمية الصناعية في البلدان العربية يجب أن تستند بالضرورة الى توجه إقتصادي ، اجتماعي يمثل رؤية السلطة العامة للمصالح القائمة . وتعد هذه الرؤية حجر الأساس في تحديد الإطار العام للتصنيع الذي يجيب على السؤال المبدئي .. ماذا ننتج .. ولمن ننتج ؟ وهذا يعني تحديد إتجاهات النمو العامة لفروع الصناعة الأساسية وإرتباطاتها بالقطاعات الأخرى . وكذلك تعيين الإتجاهات العامة لحجم وطبيعة المردود الإجتماعي للتصنيع . وتوزيع العائد الصناعي بين التنمية المحلية والتصدير … وتوزيع الناتج الصناعي بين العمل ورأس المال .
ولابد من إختبار مدى توافق السياسة الصناعية مع التوجهات والأهداف التنموية سواء على المستوى النظري أي مدى إستجابتها لتطوير الفكر التنموي أو على المستوى العملي أي مدى إستجابتها لمتطلبات الوثائق التنموية الرسمية ومدى كفاءة تنفيذها ، ومدى توافقها مع الضرورات الفعلية للإقتصاد والمجتمع .
2 ـ واقع الصناعة العربية – تتميز الصناعة العربية بعدد من الخصائص أهمها :
1 ـ انخفاض نصيب القطاع الصناعي في إجمالي الناتج المحلي لغالبية البلدان العربية ، باستثناء الدول الرئيسية المصدرة للنفط ، والتي تزداد فيها أهمية هذا القطاع ، وإن كان ذلك يرجع الى إرتفاع نصيب الصناعة الإستخراجية دون التحويلية ، والتي عادة ما تعتمد على انتاج مادة واحدة ، وتتصف ( أي الإستخراجية ) بعزلتها عن بقية الأنشطة الإنتاجية في المجتمع ، بحيث لا يمكن أن تتخذ معياراً لتقدمه الإقتصادي والإجتماعي ، خاصة وأنها ترتبط بالإقتصاديات الأجنبية أكثر من إرتباطها بالإقتصاديات الوطنية ، سواء من ناحية الإدارة أو الأساليب الفنية أو العمالة أو استثمار عوائدها . ومن أوضح الأمثلة على ذلك إتجاه الجانب الأكبر من الفوائض النفطية للإستثمار خارج البلدان العربية ، وسيطرة العمالة الأجنبية على قطاع التعدين في موريتانيا ، والذي يمثل دعامة أساسية لإقتصادها الوطني ، بينما جانب كبير من العمالة الوطنية يعمل في فرنسا .
2 ـ إعتماد الصناعة الإستخراجية على وحدات ذات أحجام كبيرة بهدف تصدير إنتاجها في صورته الأولية بغيرتجهيز أو إدخال أية تعديلات عليه، وإن حدث ذلك ففي أضيق نطاق ، وفي حدود نسبة ضئيلة. مثال ذلك النفط والفوسفات وجانب من خام الحديد، فما زالت الصناعة الإستخراجية في البلدان العربية بصفة عامة تعتمد أساساً على تصديرانتاجها في صورته الأولية.
3 ـ إقتصار مشروعات الصناعة التحويلية في البلدان العربية ، بصفة عامة ، على إنتاج السلع الإستهلاكية ، كالمنتجات الغذائية والغزل والنسيج ، وبعض المنتجات الكيميائية كالسماد والإسمنت ، بينما تتضاءل فيا مشروعات الصناعة الثقيلة والميكانيكية ذات الأهمية البالغة في مجال الإنماء والتقدم . ذلك نتيجة لتخلف غالبية البلدان العربية في مجال إستخدام التكنولوجيا الحديثة . وحاجة مثل هذه المشروعات الى إستثمارات ضخمة ، قد تعجز عنها بعض البلدان العربية ، لعدم وجود خطط أو برامج تعتمد على إستراتيجية واقعية وموضوعية للتنسيق الصناعي في الوطن العربي ، كأحد مظاهر تكامله الإقتصادي .
4 ـ ضعف إنتاجية الصناعة التحويلية العربية ، وعدم قدرتها على منافسة إنتاج الدول النامية المتقدمة نسبياً في مجال التصنيع ، ولا نقول منافسة إنتاج الدول الصناعية المتقدمة ، وقيامها في الأصل ، كصناعات تقليدية بديلة للاستيراد ، في إطار من الحماية للحد من أخطار المنافسة الأجنبية .
5 ـ إعتماد مشروعات الصناعة التحويلية في البلدان العربية بصورة شبه كلية على المعدات والآلات والتكنولوجيا والخدمات الإستشارية الأجنبية ، مما يحد من سرعة تطويرها ونموها ، ويؤكد تبعية الإقتصاد العربي للإقتصاديات الأجنبية ، تلك التبعية التي قد تمتد لتشمل مجالات التكنولوجيا والعلوم والمعلومات ، وأنماط الإستهلاك والسلوك ، ومن ثم المجالات الثقافية والإجتماعية .
كما يؤدي الإعتماد على إستيراد الآلات والمعدات الرأسمالية والتقنية الأجنبية ، الى إرتفاع تكاليف إقامة الصناعات التحويلية في البلدان اذا ما إستغرقت عمليات الإنشاء مدداً طويلة، وهي العادة ، مما يقلل من عوائد الإستثمار .
6 ـ إنخفاض مستوى كفاءة وخبرات الأجهزة الفنية والإدارية التي تتولى إدارة المشروعات الصناعية في غالبية البلدان العربية ، وعدم توافر أقسام البحوث لتطوير هذه المشروعات ، أو ضآلة إمكانياتها ، وإفتقارها الى روح الإبتكار والتطور . مما يؤدي الى إنعدام مرونة العرض ، والتكيف مع الطلب المحلي أو الأجنبي ، وإضعاف قابلية غالبية المشروعات الصناعية العربية للمنافسة ، والخروج الى آفاق الأسواق الخارجية .
7 ـ عدم توافر العمالة الصناعية الماهرة ، نتيجة لحداثة عهد غالبية البلدان العربية بالصناعة أو نتيجة لعدم الإهتمام ببرامج التدريب والتعليم الفني . وذلك الى جانب إنخفاض عرض العمالة العربية (بإستثناء مصر والجزائر والمغرب وسورية ) ، والذي يوضحه ضعف المعدل العام للمشاركة في القوى العاملة في الوطن العربي . فبينما يتراوح هذا المعدل مابين 25ـ27% من مجموع سكان الوطن العربي ، يرتفع هذا المعدل الى ما بين 40ـ45% من مجموع سكان أوروبا الغربية .
ومن ناحية أخرى ، أدت عدم رغبة مواطني البلدان الخليجية خاصة والنفطية بصفة عامة ، في ممارسة الأعمال اليدوية أو المهنية وتفضيلها الوظائف الإشرافية والإدارية الى الحد من معدل مشاركة العمالة الوطنية في مختلف المشروعات وخاصة الصناعية ( والخدمية ) فإنتشرت ظاهرة إستيراد العمالة الأجنبية سواء من داخل الوطن العربي ( مصر والسودان واليمن وسورية والأردن ) ، أو من آسيا (الباكستان والفيلبيين وكوريا) .
يتبين من العرض السابق أن القطاع الصناعي في البلدان العربية يتصف بصفتين أساسيتين:
ــ تواضع مساهمته في الناتج المحلي وفي تغطية احتياجات الأسواق المحلية .
ــ بساطة هيكل الناتج الصناعي وضعف تنوعه .
انطلاقاً من هاتين الخاصتين للصناعة العربية ، فإن كافة خطط التنمية والبرامج الإقتصادية في الدول العربية تسعى الى توسيع نطاق النشاط الصناعي لتزداد أهميته ومساهمته في الناتج المحلي وليتمكن من تغطية إحتياجات السوق المحلية بأكبر درجة ممكنة بل ليتجاوز ذلك ويتمكن من تصدير بعض السلع الصناعية ، كما تسعى الى تطوير الهيكل الصناعي وتعميق قاعدته التشابكية .
3 ـ آفاق النمو الصناعي في الدول العربية :
ربما يبدأ التحول الحقيقي في نشاط القطاع الصناعي للدول العربية عندما يتم توجيه الإنتباه لكسر دائرة تطوير وإنتاج المنتج الجديد . فإذا لم يكن بالإمكان جعل تطوير المنتج يبدأ في الدول العربية ، فإنه بالإمكان خلق منتجات ذات تقنية ملائمة لاحتياجات وشروط الإستهلاك المحلي لهذه الدول . وليس من الضروري دائماً السعي الى تسويق المنتجات الصناعية العربية في أسواق الدول الصناعية لضمان إستمرارية نمو النشاط الصناعي . فالأسواق المحلية في العديد من الدول العربية تمثل طاقة طلب كبيرة وهي لاتزال غير مستغلة بالإضافة الى ذلك يمكن التوجه الى أسواق الدول النامية وهو أمر يحتاج لعمليات إكتشاف للسوق وخلق وسائل التوزيع المناسبة وتذليل العوائق الجمركية وصعوبات المواصلات .
تبدو فرص النمو المستقبلية للصناعة مشجعة في أغلب الدول العربية رغم النتائج الضعيفة التي حققها القطاع حتى الآن فالكثير من الدول العربية قد شارف على الإنتهاء من إنجاز البنية الأساسية اللازمة لنمو طويل الأجل في القطاع الصناعي ، إضافة الى بدء العديد من المشروعات الصناعية في الإنتاج منذ عدة سنوات . وقد يشكل ذلك رصيداً من الخبرة العملية والإدارية في إنشاء وتشغيل وإدارة المشروعات الصناعية مما يسهم في تقليل تكلفة التوسع المستقبلي. وهذه الخبرات ستمكن الدول العربية من إستغلال الموارد وتطوير وإنتاج شريحة متنوعة من السلع الصناعية ، سواء من المنتجات البتروكيماوية والمنتجات المرتبطة بالطاقة أو منتجات الصناعات الأساسية والمنجمية أو منتجات الصناعات الغذائية وغيرها .
لا يزال التكامل الصناعي العربي ضرورة لعدد كبير من الصناعات التحويلية الحديثة في أغلب الدول العربية . ففي ظل التكتلات الإقتصادية المتزايدة ، تحتاج الصناعة العربية الى السوق العربية الواسعة من أجل الإنتفاع من وفور الحجم والإنتفاع بالمزايا النسبية للمنتجات نتيجة وجود وفرة المدخلات ذات التكلفة المنخفضة ، وأخيراً التأثير العام من حيث التشجيع على البحث والتطوير الذي يخلقه مجتمع صناعي يعتمد في كفاءة أدائه على تكامل مدخلات إنتاجه وتوافر أسواق المخرجات على مستوى الوطن العربي .

المصادر :
1 ـ الدكتور مصطفى العبد الله ، السياسات الصناعية في البلدان العربية ، بحث قدم لمؤتمر الإقتصاد الثالث ، جامعة اليرموك ، إربد الإردن 1994 .
2 ـ الدكتور يونس أحمد البطريق ، الملامح الرئيسية في إقتصاديات البلدان العربية ، دار النهضة العربية بيروت 1985 .
3 ـ التقرير الإقتصادي العربي الموحد ، صندوق النقد العربي ، أبوظبي 1987 .
4 ـ إستراتيجيات وسياسات التصنيع في الكويت، ندوة ، منشورات غرفة تجارة وصناعة الكويت، الكويت 1981 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى