تأثير أزمة منتصف العمر على الرجال والنساء ..كيف نتخطى أزمة منتصف العمر ؟
نورا جبران
اعتاد الناس مع الوقت على تسريحة شعر ميشيل أوباما، التي تفاجأوا بها وصارت موضع تندرهم في أول مرة ظهرت فيها. وعلّقت السيدة الأولى في برنامج تلفزيوني ضاحكةً: إنني أمرّ بأزمة منتصف العمر؛ لم يتسنّ لي الحصول على سيارة رياضية أو قفز مظليّ، لذلك اخترت تغيير تسريحة شعري. وفي كلامها إشارة إلى الصورة النمطية التي تُصوّر فيها الأفلام الرجال في منتصف العمر بأنهم يقودون سيارات رياضية حمراء بسرعة، بصحبة صديقة جديدة.
إذا ما سلمنا بتسمية مرحلة منتصف العمر “أزمة” فإننا نتحدث عن مرحلة انتقالية طبيعية تمر فيها الغالبية العظمى من الناس، نظرا لارتباطها بتغيرات بيولوجية وهرمونية يتعرض لها البشر جميعا. وتبدأ عادة في العام الأربعين من العمر وقد تستمر لمدة 20 عاما، وهي جزء طبيعي من نضج الإنسان، لا تقتصر على جنس دون آخر، فرغم أنّ المتعارف عليه شعبيا أنّ أزمة منتصف العمر هي مثار طرائف حول الرجال، وتبّدل أحوالهم العاطفية، فإنّ التغير الهرموني وهو أهم ما يصاحب هذه المرحلة، يتعرض له كلا الجنسين، وبتفاوت من شخص لآخر وليس من جنس إلى آخر، ولا يوجد في الدراسات والخبرات العملية في مجالي الإرشاد النفسي وعلم النفس ما يشير إلى حدوثها لجنس دون آخر أو للمتزوجين دون العُزّاب.
تعتبر هذه المرحلة الانتقالية حالة من عدم الاستقرار العاطفي والنفسي المصاحبة للتغير الهرموني في مرحلة منتصف العمر، إلا أنها ونتيجة لبعض الظروف الخاصة بالبيئة الاجتماعية والإشباع النفسي والعاطفي ودرجة تحقيق الذات، تظهر لدى أشخاص في عمر مبكر أكثر من غيرهم، وبتفاوت في شدة الأعراض؛ فالأشخاص الذين يعيشون حياة أسرية مُشبعة عاطفيا، ولديهم ثقة مرتفعة بأنفسهم، وعاشوا حياتهم وفق ما يشتهون، ويحققون أحلامهم الشخصية والمهنية، هم الأقل عرضة لأزمة منتصف العمر. كما أن النساء والرجال الذين يعيشون حياة زوجية مُشبعة بالحب والاهتمام والعلاقة الزواجية الدافئة يجتازون أزمة منتصف العمر بأقل أضرار ممكنة، ويعبرون إلى النصف الآخر من العمر بعلاقات أكثر متانة وتفاهما وقربا.
أعراض أزمة منتصف العمر
لا يمكننا اعتبار التغير الذي يمرّ في العلاقات مرتبطا بالضرورة بأزمة منتصف العمر، ولعلّ هذا العمر يرتبط دينيا بسن الحكمة والنبوة.
وفقا للباحثين والممارسين في مجال علم النفس والإرشاد النفسي والطب النفسي، يصبح الإنسان في منتصف العمر أكثر نضجا وقدرة على إدارة رغباته، حيث يبدأ الرجال والنساء على حدّ سواء بالتفكير فيما أنجزوه، وتقييم ما الذي أضافه الآخرون إلى حياتهم، وما الذي حُرموا منه، فيتخذ الطرفان أو أحدهما، قرارا بالتوقف وتقييم حياته، والحكم عليها، لتحديد فرص التغيير، والمجالات المتاحة الجديدة.
وحتى نعتبر التغير مرتبطا بالأزمة فلا بد أن يتضمن سلوكيات كثيرة، حيث تصاحب الأزمة مجموعة من الانفعالات والمشاعر غير المريحة، ورفض نمط حياة غير مرضٍ، وشعور بالملل من رتابة طريقة العيش، والرغبة في التمرد على سيطرة أفكار أو أشخاص على حياة الشخص، وتجريب أشياء جديدة. أو تغيير نمط الصرف المالي المعتاد، والجرأة على صرف أكبر، كأن يُعرف عنه التوفير، ليصبح أكثر إنفاقا، والرغبة أحيانا في تغيير الشكل وطريقة اللباس، ونمط حياة أكثر تحررا، وهذا لا يقتصر على الأشخاص المتزوجين، فحتى العُزّاب من النساء والرجال يمرّون في هذه المرحلة، وتؤثر أحيانا بشكل واضح في عملهم وقراراتهم الشخصية وعلاقاتهم.
يشير الخبراء إلى أنّ أكثر الأمور المقلقة للرجال والنساء في منتصف العمر تتمثل في الخوف من التغييرات التي تأتي مع تقدم العمر كالإصابة بالمرض، لا سيما أمراض الضغط والسكر والقلب، والخوف من أن يصبح الرجل أو المرأة أقل جاذبية للجنس الآخر، والخوف من الموت، وتقلق النساء كثيرا بشأن انقطاع الطمث، وأثر ذلك في الحياة الجنسية وفي شكل المرأة.
وتظهر على النساء أكثر من الرجال مخاوف متعلقة بتحقيق أهدافهن في الحياة، وأنّهن كرّسن أعمارهن من أجل الأسرة والأطفال، وقصّرن في تحقيق أهدافهن الخاصة، لا سيما النساء غير العاملات، كما تظهر لديهن مخاوف على الأمن المالي الشخصي، وفي بعض الحالات تبدأ النساء في منتصف العمر بالمطالبة بتقاسم أموال الزوج واعتبارها شريكة في كل ما يملك لقاء تحملها لعناء رعاية الأسرة. وتنشأ الخلافات حول هذا الأمر حيث يرى الرجل أنه كان يتولى الإنفاق على الأسرة لقاء عنايتها هي بها، بما فيها إنفاقه عليها. وتميل النساء في بعض الحالات إلى التدين لإشباع الحاجات الروحية، بينما يتجه الرجال أكثر إلى التحرر واستكشاف الفرص المستقبلية.
كما تؤكد الدراسات ميل الكثير من النساء في هذه المرحلة إلى محاولة إظهار العلاقة بالشريك كعلاقة مثالية، والتجمل المبالغ فيه، والتقاط الصور مع الشريك، أو وحدها، وإخفاء عمرها، ووصف نفسها بالصبيّة الصغيرة، وفي بعض الحالات تميل النساء لاختلاق قصص عن تعرضهن للمعاكسات أو تلقي عبارات الإعجاب، وهذا يعكس حالة الجفاف العاطفي التي تعيشها المرأة وحاجتها للإطراء. كما تميل النساء أكثر للتشكيك في تصرفات الرجل وملاحقته ومراقبته، وهي إحدى الوسائل الدفاعية التي تستخدمها المرأة كوسيلة للتعبير عن شعورها بأنها لم تعد جذّابة للشريك.
ويظهر لدى الرجال الشعور بعدم السعادة والملل من الأشياء الذين اعتادوا وجودها في حياتهم، والحاجة المُلحة إلى التغيير، ومسابقة العمر لتحقيق أهداف ورغبات لم يحصلوا عليها من قبل، والتشكيك في الخيارات التي قاموا بها في حياتهم ومراجعتها، ويرغبون بشدة في إجراء تغيير في علاقاتهم الحميمة في حال كانت لا تحقق لهم الإشباع الكافي، فيبدأون بمطالبة المرأة بتغيير جادّ في العلاقة. ويصيبهم الشعور بالغضب من الشريك كشخص كان مقيدا لحياتهم لفترة طويلة.
كما تؤكد الدراسات مواجهة الرجال والنساء صعوبة أكبر في مرحلة منتصف العمر إذا كانت لديهم خبرات وقضايا عالقة منذ الطفولة لم يتم التعامل معها أو علاجها، حيث تدفع هذه الخبرات بنفسها إلى السطح، وتصيب الشخص بعدم استقرار نفسي وشعور بالإجهاد، يحاول الشخص الهروب منه بوسائل تكيف جديدة، فإذا وجد الشخص شريكا متفهما وهادئا ومتسامحا، أو شخصا متخصصا لمساعدته على البوح عن هذه التجارب فإنه يمر بمرحلة منتصف العمر بضغط أقل.
التعامل مع أزمة منتصف العمر
يخفق الكثير من الرجال والنساء في التعامل مع أزمة منتصف العمر لدى الشريك، فيبدأ كل منهما بانتقاد الآخر ولومه والتشكيك فيه، ما يُفاقم الخلافات بين الزوجين ويزيد الفجوة بينهما.
وإذا كانت الوقاية أسلم وأفضل من العلاج، فلا بد من الحرص على بناء أفراد أسوياء نفسيا ومشبعين عاطفيا منذ طفولتهم مرورا بالمراهقة والشباب وحتى بلوغ الحياة الزوجية والتي تعتبر الفترة الأطول والأكثر صعوبة في حياة الإنسان، نظرا لظروف التواصل والاحتكاك اليومي للإنسان بالشريك والأبناء. فالأشخاص الذين يحصلون على الحب والاهتمام والعلاقات الزواجية المُرضية، تتدنى بشدة احتمالية مواجهتهم لأي صعوبات في منتصف العمر.
وهي تتطلب ذكاءً شديدا وتسامحا مع الشريك، فما يمر فيه حدث طبيعي لا إرادي، ومن الأفلام التي عالجت هذا الموضوع بذكاء الفيلم الأمريكي “shall we dance” والمأخوذ عن فيلم ياباني يحمل الاسم نفسه. حيث يرغب الزوج المحامي الجاد والملتزم بإجراء تغيير لحالة الروتين اليومي لسنوات طويلة، فينضمّ إلى دروس لتعلم الرقص، ويتعرف على فتاة لاتينية ينجذب إلى الرقص بسببها، وحين تشك زوجته بأمر اهتمامه بالرقص، توظّف عميلا خاصا لمراقبته، يخبرها عن تدريبه على الرقص برفقة السيدة اللاتينية، فما يكون من الزوجة الذكية المنكبّة على دراسة التاريخ، إلا أن تتحدث إليه وتنضم لدروس الرقص، وتسعد بها ويبدآن بالرقص في كل مكان في المنزل كما كانا يفعلان أيام خطوبتهما وبداية زواجهما.
إن استخدام الرقص ليس سوى رمزا لبعض التغييرات التي قد يحتاج المرء لإجرائها في حياته، وهي حاجة طبيعية ملّحة، فالروتين والملل الذي يتسرب إلى حياة الإنسان لا بد من كسره حتى تستمر الحياة بشكل صحي، وإلا فإن الملل سيقضي على حياة الإنسان.
إنّ الزوجة الذكية هي التي تحتضن زوجها وتسأله بحبّ وتسامح عن رغباته واحتياجاته، حين تراه مشدودا لمتابعة مواد جنسية بدلا من لومه وانتقاده، ودفعه دفعا إلى ممارسة مثل هذه الأفعال بشكل سري.
والزوج الذكي هو الذي يحتضن زوجته ويطري على جمالها وأناقتها، حين يراها قد انشغلت بنشر صورها بشكل أشبه بالمراهقات في مواقع التواصل الاجتماعي، أو تتبادل عبارات وحكايات تتحدث فيها عن نفسها وإنجازاتها البسيطة بشكل مبالغ فيه.
إنّ الحلّ البسيط للتعامل مع مرحلة منتصف العمر هو تفهم المرحلة النفسية والهرمونية الطبيعية التي يمر بها الشريك، وأنها عَرض ينبغي أن يمر بسلام مثل أي مرحلة في حياة الإنسان منذ طفولته وحتى وفاته. كما لا ينبغي أن لا تنطلق في تعاملك مع الزوج/الزوجة من اعتقاد أن ما يمر به هو بالضرورة أزمة منتصف العمر، فقد يكون ما يطالب به موضوعيا ومنطقيا، بعد سنوات طويلة لم يتم فيها تجديد أو تقييم العلاقة، فالتفكير بأزمة منتصف العمر قد يعيق حل المشكلات.