تعاليق حرة

بين باستور وقارون.. فرق ما بين الثّريا والثّرى.

——–

رشيد مصباح (فوزي)

*

خلال مرحلة من مراحل البؤس الذي عانى منه أبناء الشعب الجزائري، ومن رحم المعاناة المريرة تخرّج التلميذ الفقير من الكوخ القديم الذي احتضنه وهو طفل صغير، ليعود إليه وهو بروفيسور كبير، بعد صراع مع ظروف الحياة الصّعبة التي عاشها في البادية؛ يقطع الأميال ذهابا وأيّابا مشيا على الأقدام كي يلتحق بالمدرسة قبل أن تقوم بغلق أبوابها في وجهه.

اليوم، صار اسم العالم الكبير ابن البادية مقرونا بالحاسوب، وله الفضل يعود في تطوير الخوارزميات باللّغة العربية، ناهيك عن الأجر الذي ناله والمتمثّل في خدمة لغة الوحي والقرآن.

أمثال هؤلاء الذين انتفعت بهم الأمّة، لا يمكن مقارنتهم بأولئك الانتهازيين الذين عادوا إلى الجزائر بأموال (قارون) لكي يستثمروا في بؤس بعض العوائل التي دفعها الفقر والجوع لكي تقبل بأجور زهيدة. (وإنَّ فضلَ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا ، ورَّثُوا العِلمَ فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافرٍ) -كما في الحديث الشريف-.

بربّكم؛ هل الاستثمار في العلوم التي تعود بالنفع على البشرية بصفة عامّة والأمّة بصفة خاصّة أفضل، أم الاستثمار في بؤس المحتاجين والمعوزين واستغلال فقرهم و فاقتهم؟ لا وجه ولا سبيل للمقارنة.

خرج (قارون) على قومه في خُيلاء يتباهى ويتبختر يجرّ ثوبه، فخُسف به وبداره وكنوزه التي ”مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِى ٱلْقُوَّةِ“. وبقي اسم باستور ابن العائلة الفقيرة؛ مؤسّس علم الأحياء الذي تدين له البشرية باكتشافاته العديدة، ولقاحاته التي أنقذت البشرية من مخالب الأمراض المعدية والفتّاكة. ولقد نجح البروفيسور (بشير) في ما فشل فيه غيره من المستثمرين؛ من أبناء المدينة الذين استغلّوا فقر الناس وبؤسهم وعاملوهم بكبرياء فيها نوع من الإذلال والاحتقار؛ ”معاملة الأسياد للعبيد“.

ولكن العلماء من أمثال (بشير) يخسرون الرهان دائما، لأنّهم لا يتعاملون بالرشوة ولا بالربا. لذلك، وفي أوّل خطوة قدم فيها البروفيسور ابن البادية إلى بلاده ليعرض خدماته على الدولة الجزائريّة أوصدوا الباب في وجهه. وهو ما جعله يتوجّه إلى الخليج.

الناس معادن وأصول، منهم الدّوني الذي يحمل الشر بداخله؛ يحسد الناس على ما أتاهم الله من فضله. ”كل إناء بما فيه ينضح“، ومن شبّ على شيء شاب عليه. بعض الحاسدين الحاقدين لايروق لهم مثل هذا الكلام، يدفعه الحقد وما بداخله إلى ابتداع أشياء غير حقيقية. ولكن الحقيقة لا تحتاج إلى أضواء ولا إلى تلميع. فلا ينبغي أن نحكّم مشاعر الحقد والحسد والكراهية في مثل هذه الأمور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى