بادر ولا تؤجل
بادر ولا تؤجل
حين نمعن النظر في أحوالنا تصيبنا الدهشة والاستغراب ، وفرة أفكار ، وفرة موارد، طاقات بشرية هائلة ، لكن أحوالنا تشكو الكساد ، تتراوح مكانها في مواقف الانتظار، تنتظر من يحرك عجلة انطلاقتها الأولى ، وبعضنا يرمي عجزه وفشله على الظروف والأحوال ، يرمي عجزه على مكبلات خارجية ، والتي قد يكون لها تأثيرا استثنائيا ، ولكن لا يمكن بحال أن تحد من حركة من يريد الانطلاق ، فأي حركة أولى تبدأ حين نقرر تجهيز أنفسنا لبدء العبور ، نفعل كما يفعل الرضيع بدء حبوه وأول خطوه ، تراه يوظف قدراته الذاتية ، وتلك سنة فطرية يتعلمها المرء للعبور في شتى دروب الحياة .
فأي مشروع في حياتنا يبدأ بخطوة ، وأي مشروع يبدأ بفكرة ، وأي مشروع يبدأ بشد حزام العزم ، فأحيانا مشاريعنا يقتلها التأجيل، يقتلها تأخير موعد الانطلاق، ومشاريع النجاح لا تنتظر التأجيل ، فالوقت جزء مهم في عملية مشروع التنمية ، وتلك الحالة تعمم على كافة مناحي التنمية.
فنجد عشرات مشاريع حياتنا مؤجلة ، يصح أن نسميها مشاريع ميتة ، ربما تكون مشاريع لها مخططات ودراسات ولكنّها في الأدراج ، لم يسجل تاريخ ميلادها على الأرض ،ولم توضع حجر الأساس لها ، أن مشكلة التنمية تبدأ من النفس ، وتبدأ حين يقرر القائد المتحكم تشغيل مكينة الحركة، وتجهيز المركبة للانطلاق في خط السير المرسوم .
لهذا تظل مشاريعنا مؤجلة بسبب غفلتنا وسهونا عن مفاتيح إدارة النجاح ، والتي تبدأ غالبا في شكل أفكار وتصورات قابلة للتنفيذ ، تحتاج منا أن نسويها على شكل تعليمات كما يفعل الأستاذ في فصله مع تلاميذ يحول الموارد والخبرات على شكل تعليمات إجرائية قابلة للتنفيذ ، ومع ذلك تبقى قيادة المبادرة ضرورة ملحة ، فلو تأجل فعل استثمار المكتسبات، لا ظلت المعرفة حبرا على ورق ، لهذا يعدّ تأجيل التنفيذ مشكلة كبرى وعائق كبير يؤجل عملية انطلاق التنمية.
رغم أهمية المعارف النظرية في حياتنا ، إلا أن الخبرة المهنية مهمة ، وهي سر النجاح الحقيقي ، فالميدان في عملية النجاح ، هو الباب الأوسع لصناعة التميز، فالناجحون لم يرسموا مشاريعهم في المسودات ، بل حملوها مشاريعهم معهم في مخبر العمل وفي ورشة العمل ، و قد قيل أن الذي لا يمرغ أقدامه في الوحل لا يعبر الطريق ، والمؤسف أن الكثير يريد العبور في طريق معبدة ، في رحلة فنادقها من خمسة نجوم ، إن هؤلاء واهمون سيحضنون نجاحهم في المنام ، وهي أحلام وردية ، أحلام المترفين.
وسوف تظل عملية التنمية مؤجلة إلى حين نتحرر من تكبيل إرادة الانطلاق، ونحرر البادر بالحركة ،وأحسبه قرار داخلي يعني الفرد الذي يريد التغيير الإيجابي ، الذي يتوجب عليه أن يتحرر من مكبلات التأجيل والتسويف والتنظير، ليحط رحاله على المحك ، ينازع المشاريع بالأسباب والعزم والإرادة، يشحن همته بالإيجابية والتفاؤل ، يأخذ المثال من الناجحين من رسموا نجاحهم بتعبهم وسهرهم .
وخلاصة القول أن قيادة والمبادرة مهمة إذا استوفت شروطها من الإعداد الجيد والمحكم ، وتحديد المهام و آجال الانطلاق والانتهاء وتحديد الفريق الجيد ، صاحب الخبرة في الميدان ، فإن التأجيل بعد ذلك خطأ فاضح لا تستدرك نتائجه ، فالمشاريع مثل عمر الإنسان ، لها عمر شباب وكهولة وشيخوخة ، فاستثمار مرحلة القوة مهمة جدا في نجاح أي مشروع في حياتنا .
الأستاذ حشاني زغيدي