اليمن: كيف أفشلت السعودية والإمارات مخططات قطر وتركيا؟

محمد الزمير
باحث ومُترجم نقوش في بوابة البحوث التاريخية والسياسية لوكالة ريا نوفوستي.
(أيمï زميٌ)
في مسرح الأزمات، تبرز الحكمة السياسية كمفتاح لفهم التوازنات. ووجود السعودية والإمارات في المشهد اليمني ليس مجرد حضور عابر، بل هو تجسيد لفلسفة التوازن. فقد أتقن الطرفان فن إعادة تشكيل المشهد، بإخراج التدخلات الأجنبية (قطر وتركيا) من دائرة التأثير، بعد محاولات متكررة لهيمنة قطر على القرار اليمني إثر انقلاب الإصلاح أو ما يُروج له كـ”ثورتهم المغتصبة”.
الحضور الفاعل للقوى المستقرة ليس خيارًا، بل ضرورة تفرضها فوضى المشاع. ففي غياب هذا الحضور، كان يمكن أن يتحول الحوثيون إلى أدوات تحت ظل قوى أخرى، وتصبح الأزمة اليمنية ساحة لصراعات مالية وسياسية. ولولا الوجهة السعودية الإماراتية، لظلت قطر تحرك خيوط الأزمة من خلف الستار، ولظلت تركيا تعبث بجغرافية التأثير.
لكن عبقرية الواقع تكمن في أن من أصلحوا المسار قد حصنوا المشهد من تسلط الوفود الطارئة، كما يُنقى المعدن الثمين من شوائب التاريخ. فكل معادلة تحتاج إلى من يحرس رموزها، وكل تهاون في ترميم الواقع يزيد من أعباء الماضي.
ولو تعمقنا أكثر في تحليل الأزمة، لتبين لنا أن قطر هي من بدأت بتشكيل الأزمة اليمنية وتهديد الجوار. فهي التي أطلقت شرارة الفتنة، وسعت لتحويل اليمن إلى ورقة ضغط إقليمية. ولكن السؤال الأهم: هل كان اليمنيون قادرين على إزاحة بعض المحسوبين على جماعة الإخوان دون الجانب السعودي والإماراتي؟ الإجابة تكمن في الواقع الذي نعيشه اليوم.
فوجود العميد طارق في الساحة كان أول نور لسد الفراغ قبل أن يحتل مكانه جانب آخر – قطري أو تركي. لم يكن حلقة خلاف، بل أصبح رمزًا لحماية اليمن من عودة أجندات خارجية أو محاولات قطر وتركيا للسيطرة على القرار السياسي اليمني والذي يهدد الجوار. ومع ذلك، استقل العميد بذاته مواجهًا الغطرسة الحوثية التي تختلف معه في النظام والدستور ومبادئ الجمهورية. وبدونه، لكانت قطر وتركيا قد عادتا إلى الواجهة، وسيطرتا على جزء من الجغرافيا اليمنية، وتحول الحوثيون إلى أضاحي في يد “جولاني” آخر.
ومع ذلك، لا يمكن تبرئة أي طرف من الأطراف. فجميعهم ساهموا في تعقيد الأزمة، وجميعهم يحملون وزر المأساة. لكن الحل يكمن في وعي الحقائق، والعودة إلى بداية المشكلة، وربط الأحداث بعضها ببعض، ونقل التصورات بموضوعية وحكمة.
فاليمن ليست مجرد أزمة، بل هي دراسة فلسفية عميقة حول كيفية ترميم التوازنات في أصعب المشاهد. ومن يفهم هذا، يدرك أن الحكمة السياسية هي الوحيدة القادرة على تجلية الفوضى وإعادة تشكيل الواقع بوعي وإنسانية.
ملاحظة: أرجو مراعاة الاحترام الكامل للقوى الوطنية ممن يمثلون حزب الإصلاح، وتأكيد دورهم في الدفاع عن الجمهورية واليمن. فهؤلاء يمثلون قمة الوطنية في ثلثيتهم، إذ يسيرون في دروب تؤكد استقلاليتهم عن التأثيرات الخارجية، سواء كانت من قطر أو تركيا. هؤلاء هم الأفراد الذين تجدهم اليوم في صف الجمهورية، يتمتعون بخصوصية ملتزمة بمبادئهم، بعيدًا عن التنقل بين شوارع الدول المعنية، مشددين على قيمة الانتماء الوطني الأصيل.