الهزيمة بطريق الخداع … علم بيع الوهم والخداع

مترجم مازن فيصل البلداوي

ترجمة:مازن فيصل البلداوي
يستمد عنوان المقال صياغته من الدراسة الأحصائية(*) التي قام بها أرنست و يونغ مؤخرا وقاما بنشرها يوم الأربعاء الماضي والتي تشير الى تنامي نسبة المدراء الماليين الذين يرغبون بقبول الرشاوى والقيام بدفعها للحصول على المقاولات من اجل أستمرار دوران عجلة اعمالهم.وتعد الهند اسوأ البلدان التي تتمثل فيها هذه الرغبة وممارستها كما يظهر ذلك عند ثلث عدد المسؤولين التنفيذيين الذين يرغبون بتقبّل الرشاوى(**).
وعلى الرغم من ان الحكومات حول العالم تحاول جاهدة ان تضع تشريعات للحد من عمليات الأحتيال وبناء سوقا واضح المعالم من خلال التعامل الشفاف الا ان المسؤولين الكبار يستمرون بالتعبير عن رغبتهم في خرق القانون والتشريعات،او على الأقل فهم ينطلقون من وازع يتمثل في قولهم بأن منافسيهم في السوق لايتصرفون بشكل أخلاقي مما يدعوهم لأتخاذ خطوات مقابل هذه التصرفات.
في الدراسة التي قدمها ارنست و يونغ(*) نرى ان 15% من المسؤولين ذوي المناصب العليا الذين تم استطلاع رأيهم في الشركات المتعددة الجنسية قالوا انهم كانوا يتوقون لدفع مبالغ نقدية من اجل الظفر او الحفاظ على الأعمال التي يضطلعون بها،نعم،انها نسبة منخفضة ولكنها تشكل ارتفاعا بالقياس لنسبة 9% المسجلة عام 2010 بموجب هذا السياق،انهم يعزون السبب في ذلك الى ضغوطات السوق المختلفة و ليس الى التشريعات و القوانين.
لقد كان السبب الدافع لتنامي عدد المسؤولين الراغبين بتعاطي الرشوة والتعامل بها يتمثل في الضغط الذي تسلطه عملية الموازنة ما بين التزامهم بتحقيق نمو في المدخولات السنوية لشركاتهم وما بين التزامهم بالأنظمة والقوانين الخاصة بسير الأعمال وطرق تنفيذها،الا ان طبيعة التنافس على ارض الواقع تستمر تحت تأثير عوامل السلوك اللاأخلاقي.ونستطيع ان نرى ان اكثر من ثلث من شملهم الأستطلاع يعتقدون ان الفساد منتشر في بلادهم على نطاق واسع ونستطيع ملاحظته بشكل اكبر في الأسواق الناشئة والتي ما تزال في طور النمو.
وفي البرازيل مثلا تعتبر الشركات بيئة طبيعية لنمو الرشوة والفساد كما عبّر عنه الجزء الأكبر من الـ 84% ممن شملهم الأستطلاع،ومثله كانت نسبة 72% في أندونيسيا و 52% في تركيا،وعلى الرغم من ان التوقعات غالبا ما تكون بشكل اكبر من الواقع الا ان الحقائق تشير الى ان الأحتيال بشتى صوره هو في حالة نمو بموجب التقرير الذي قدمه كل من ارنست و يونغ،وان عمليات المخادعة(التزوير) في بيان الحالة المالية تبقى من اكثر الأمور مخاطرة تجاه السلطات القضائية المتعددة الأنواع.وقد اوضح حوالي 15% من الذين شملهم الأستطلاع في شرق آسيا الأقصى بأنه بالأمكان اجراء التعديلات على البيانات المالية غير الواضحة او التي تحتوي على أخطاء من اجل تمريرها وقبولها في نهاية المطاف.
ان من يقوم بالتوقيع على بيانات الوضع المالي هذه هم المدراء الماليون،وهم يعدون ايضا من اكثر المدراء تأثيرا حيث يقومون برفع تقاريرهم الى مجالس الأدارة المرتبطين بها لأعلامهم حول مواضيع الأحتيال والرشوة والفساد،وان النتائج المستحصلة من حوالي 400 تقرير رفعها هؤلاء المدراء تشير الى ان هناك أقلية مثيرة للأهتمام قد تكون لها يد في بقاء هذه المشكلة،فقد صرح 15% من هؤلاء المدراء الماليين عن رغبتهم بدفع الرشاوى اذا تطلب الأمر ذلك، من اجل الفوز بعمل ما للشركة،بينما صرح 4% بأنهم يودون اجراء بعض التعديلات والتصحيحات على البيانات المالية الختامية اذا تطلب الأمر ذلك،وان كانت هذه المجموعة من المدراء التنفيذيين لاتعد كبيرة، الا انهم عبروا عن وجهات نظرهم انطلاقا من مواقع مسؤولياتهم وبهذا فهم يمثلون مخاطرة تجاه اعمالهم وتجاه مجالس ادارة الشركات التي يعملون بها.
ستستمر الأعمال المختلفة بمواجهة تحديات البيئة الأقتصادية التي تمليها عليها عوامل السوق المتغيرة و عامل مهم آخر يتمثل بتراجع نشرات مؤشر النمو الأقتصادي،لذا فاننا نجد ان العديد من الشركات تكافح من اجل البقاء في نطاق هامشية الربح،خاصة مع تضاؤل الفرص المتيسرة لعملية خفض التكلفة،ومن هنا نستطيع ان نحلل بشكل منطقي الأسباب الداعية لتمدد كثير من الشركات الى خارج نطاق اوطانها الى دول تنتعش فيها الرشوة و الفساد كعاملين يمثلان الصورة التي تتم بها عملية تنفيذ الأعمال وانهائها.ان الشركات المتعددة الجنسية التي تأتي من مجتمعات تعد من ذوات المستوى الأول في مقاضاة الفساد وتشعباته،يجدون انه من المغري جدا ان تتواجد شركاتهم في مناطق حيث يستطيعون الألتفاف على القانون ببعض الطرق الجانبية.
ان ما يمكن استنتاجه من الدراسة (التي تعد الأكبر لحد الآن حول موضوع التحايل والفساد) التي قام بها أرنست و يونغ يدعو الى الأهتمام فعلا وبشكل جدي،فهما يقترحان بأن الرشوة،الفساد و التحايل ستبقى منتشرة عالميا والسبب الرئيسي يعود الى ضغوط السوق،بينما في ذات الوقت الذي تقوم عدة دول بتقوية عملية تطبيق أنظمتها،ونستطيع ان نرى بريطانيا وهي تضع قانونها الجديد لمكافحة الرشوة،بينما الهند التي تعد أسوء متهم في هذا المجال (يحاول)تمرير حزمة من قوانين مكافحة الرشوة والفساد خلال الموسم الأنتخابي القادم هناك.
ان أكثر من 1700 من المسؤولين التنفيذيين عبر 43 بلدا حول العالم وبضمنهم مدراء ماليين ومسؤولي اقسام الشؤون القانونية والشكاوى و التدقيق الداخلي،قد جرى شمولهم في هذا الأستطلاع لمعرفة وجهات نظرهم حول الأحتيال والرشوة والفساد.
كلمة المترجم في هذا السياق:
________________
موضوع الفساد والرشوة،موضوع متغلغل وواسع،وان أمعنّا النظر جيدا فأننا لا نستطيع ان نجد ان اكثر ما يمكنه الوقوف بوجه هذا السرطان هو الأخلاق الشخصية،الا ان الأخلاق الشخصية لا علاقة لها بأي التزام ديني معين او ايمان بتعاليم دينية،بل ان الأمر يعود الى النشأة والتربية المنزلية وتأثيرات البيئة المحيطة،هذا من جانب ومن جانب آخر فأن الموضوع يرتبط بالسلطات الحكومية في كل بلد من البلدان،حيث ان الموضوع لايتعلق بالقوانين والتشريعات الرادعة اكثر من تعلقه بالمستوى المعاشي للفرد في هذا البلد او ذاك،والمستوى المعاشي يعتمد بشكل رئيسي على الخطط الحكومية ومدى تطبيقها على ارض الواقع ومدى الخدمات التي تقدمها الحكومة لمواطنها لتسهّل عليه سبيل العيش وهذا الأمر يشمل قطاعات واسعة تبدأ بالمدارس والتعليم مرورا بالمستشفيات والخدمات الصحية وليس انتهاءا بالترفيه وسبله،كل هذه العوامل تلعب ادوارا اساسيا في تعديل الواقع المعاشي للفرد واكتفائه الذاتي وبالتالي ابتعاده عن تعاطي الرشوة او التعامل بها،مما سيؤدي الى انخفاض وتيرة الفساد الذي بات يهدد كيان مجتمعات بأكملها كما نراه بوضوح في عدة دول حولنا.
تحياتي
2012 Global Fraud Survey(*)
willing to accept bribes.(**)
http://www.forbes.com/sites/kenrapoza/2012/05/23/sometimes-the-best-way-to-beat-the-competition-is-to-cheat/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى