أحوال عربية

المعارضة التركية… والاستدارة نحو دمشق

الدكتور خيام الزعبي- كاتب سياسي سوري

كما توقعت مند أعوام، عادت سورية الى دورها ومكانتها في الاقليم مرة أخرى، لتقول كلمتها في المنطقة ولكي تصبح الرقم الأهم في المعادلة الإقليمية، و كل الدول تعود وتناقش دمشق، لأنه لا سلام بدون سورية ولا تقاد المنطقة إلا من سورية، وهي من تقود المعارك على الأرض لترسم خارطة المنطقة من جديد.

تطورات متسارعة تكشف الستار عن رغبة رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي في تركيا، أوزغور أوزال، عن ترتيب لقاء مع الرئيس الأسد خلال الشهر الجاري أو المقبل ، وذلك بعدما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه لا توجد أسباب تمنع إقامة علاقات دبلوماسية بين تركيا وسورية.

بالمقابل إن طلب زعيم المعارضة بلقاء الأسد قديم وسابق، ففي السنوات الأخيرة تقدم كمال كيليتشدار أوغلو عندما كان يرأس حزب الشعب الجمهوري بطلب لزيارة الأسد، لكنه لم يتلق رداً.

الرئيس الأسد ترك الباب مفتوحاً خلال استقباله مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف، من خلال تأكيده على انفتاح سورية على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية.

رد زعيم المعارضة التركية أوزغور أوزال بأنه ” مستعد للذهاب والاجتماع مع الأسد، إذا لزم الأمر، من أجل فتح قنوات حوار مع سورية”، معرباً عن استعداده أيضاً “ليكون الوسيط في اجتماع الأسد مع أردوغان”.

أن الخطاب الذي يريد أوزال تقديمه في الحديث مع الرئيس الأسد، يضمن التأكيد على ثلاثة محاور رئيسية وهي ضرورة المحافظة على وحدة التراب السوري، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، وعدم التواصل مع أي عنصر خارج الحكومة.

على خط مواز، تراهن المعارضة على التقارب مع الأسد، من خلال عودة اللاجئين السوريين وحل مشكلة التنظيمات المسلحة في جنوب البلاد (وحدات الحماية الكردية)، في هذا الإطار تراقب تركيا المكاسب التي حققها الأكراد بقلق ولم تكن راضية عن التعاون الأمريكي ـ الكردي في سورية لأن طموحات الحزب الكردي هي إقامة كانتون يربط مناطق شمال شرق سورية من عين العرب وعفرين والحسكة بمنطقة واحدة وهذا ما ترفضه تركيا، ومن هذا المنطلق، أصبحت خريطة سورية المستقبلية واضحة بالنسبة إلى المعارضة، فالأكراد سيكونون جيرانَ تركيا الحدوديين، وهذا كابوس لتركيا، فهي لا تريد أن يتكرَّر في سورية نموذج العراق، أي ولادة كانتون كردي على الحدود، ووفقاً لذلك فإن المعارضة ستجد نفسها مضطرة للوقوف على أبواب دمشق من أجل وقف التمدد الكردي هناك. على هذا المنحنى تسعى كل من تركيا وإيران وروسيا إلى تحقيق هدف مشترك، ألا وهو لجم الطموحات السياسية الكردية، ومنعهم من تحقيق الاستقلالية الفيدرالية، مع رفض أي تمثيل فعلي للأكراد في المفاوضات التي تتعلق بالحل السياسي في سورية.

على الجانب الأخر، يمكن تفسير سعي المعارضة إلى الانفتاح على الحكومة السورية من خلال عدد من الركائز، يأتي على رأسها الاتساق مع طبيعة المرحلة الراهنة في سورية، حيث هدوء المعارك وتسيّد الجيش السوري المشهد العسكري والقتالي، يُضاف إلى ذلك وجود مصالح اقتصادية محفزة على تطوير العلاقات، فضلاً عن الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.

هذا بالإضافة الى الرأي العام التركي الذي يضغط باتجاه عودة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، فالمعارضة تريد بأي شكل إنهاء الانخراط التركي في المشكلة السورية على النحو الذي يجري الآن، وهناك مراجعاتٌ أميركيةٌ وأوروبيةٌ بشأن سورية، لذلك فإن كل هذه الأسباب والمتغيرات العربية والإقليمية والدولية كان طبيعياً أن تحاول المعارضة اللحاق بالركب الغربي والعربي تجاه المصالحة مع دمشق.

مجملاً… إن الدلالات و التوقعات تشير الى أن يتوجه زعيم المعارضة التركية الى دمشق، لذلك يبدو ان تركيا اقتنعت أخيراً، على قبول الحل السلمي للأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية دون التهديد باستخدام القوة ضد الشعب السوري. وفي ضوء هذا الواقع، أن المعركة البائسة لإسقاط الدولة السورية لن يكتب لها النجاح، لذلك أرى أن هناك تحول كبير بالساحة السورية وتطورات كبيرة تعمل على تضييق الأزمة السورية، خاصة بعد أن هناك دول غربية بدأت تعيد حساباتها وتغير موقفها تجاه الأزمة السورية.

وأختم بالقول، إن التفاهمات الدولية والإقليمية التي تجري بوتيرة متسارعة أشبه اليوم بقاطرة قادرة على تجاوز كل المشاكل والصعاب، حيث تتواصل اللقاءات والنقاشات، منها المعلنة والغير معلنة، بشأن الأزمة في سورية، فإن ذلك، أعاد للنفس آمالاً عريضة بان الغد سيكون مشرقاً في بلادنا وإن ما جرى خلال تلك السنوات إنما هو غيمة سوداء لابد لها ان تنجلي ولابد ان تشرق الشمس على وطننا الكبير “سورية”.

بالتالي إن الأوضاع في سورية خلال الفترة القادمة رهن التفاهمات والإستراتيجيات التي يتفق عليها الثنائي ( السوري- التركي) بشأن قيام آلية مشتركة لدعم التسوية السورية وطرد الجماعات المسلحة وأدواتها من المنطقة بأكملها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى