المستقبل لمن ؟
أحمد فاروق عباس
بنت الصين أولا ثم روسيا خطة كل واحدة منهما لازاحة الولايات المتحدة من السيطرة العالمية على عنصر الزمن ..
ومن وجهة نظر كل من الصين وروسيا فإن الغرب وقيادته المتمثلة فى الولايات المتحدة فى تراجع فى أغلب مؤشرات القوة .. فى الإقتصاد كما العسكرية ، وفى جاذبية النموذج كما فى الهيبة العالمية ..
ومع عليهما سوى ترك الزمن يحدث أثره على القوة الإمبراطورية التى دخلت طور الشيخوخة ..
والمنطق والزمن في صالحهما بالفعل ، ولكن نسى الروس والصينيين أن الولايات المتحدة لن تشاهد تراجعها عن القمة العالمية ساكتة ، أى أنهما تعاملا مع الولايات المتحدة كقوة استاتيكية ساكنة ، وليس باعتبارها – وهى كذلك بالفعل – قوة ديناميكية متحركة ..
نعم تتعرض أمريكا لتراجع نسبى في مؤشرات القوة الاقتصادية والعسكرية ، ولكن فى قبضتها أوضاع جيوبوليتيكية ممتازة ، وتقريبا هذا هو السبب الفعلى لبقاء أمريكا على القمة العالمية قبل أى سبب آخر ..
فالولايات المتحدة جزيرة عالمية محمية بصورة طبيعية بالمحيطات – الأطلنطي من جانب والهادى من جانب آخر – بعكس كل من الصين وروسيا ، فكلاهما معمور برى هائل تحيط به قوى عدائية ليست هينة ..
تحيط بروسيا دول مثل أوكرانيا وتركيا ودول البلطيق والدول الاسكندنافية .. وهى دول إن لم تكن كلها على عداء كامل مع روسيا ، فمن الصعب جدا اعتبارها دولاً صديقة ..
وفى حالة الصين تحيط بها دول مثل الهند واليابان وكوريا الجنوبية .. وهى أيضا إن لم تكن على عداء كامل مع الصين ، فمن الصعب جداً اعتبارها دولاً صديقة ..
لقد وضعت الولايات المتحدة فى قبضتها أوربا الغربية والشرقية .. وهى مجال التحرك والنفوذ الروسى الطبيعى في الغرب ..
ووضعت في قبضتها اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا ونيوزيلندا والفلبين .. وهى مجال حركة روسيا الطبيعية في الشرق ..
ووضعت في قبضتها تركيا والعالم العربي .. وهو مجال الحركة الطبيعى لروسيا في جنوبها ..
اى ان أمريكا تحاصر روسيا من كل الاتجاهات ..
وتفعل ذلك – وبقسوة أكبر – مع الصين .. حصار من كل جانب .
وهو ما يعطى لأمريكا التفوق عالمياً فى ظل تراجعها في كل مؤشرات القوة !!
اى ان الذكاء هنا هو ما يعطى أمريكا المكانة العالمية الأولى قبل الاقتصاد وقبل الجيوش وقبل العلم ..
فالصين لحقتها وعلى وشك أن تسبقها في الاقتصاد ..
وروسيا لحقتها وسبقتها بالفعل في أنواع كثيرة من السلاح ..
وألمانيا واليابان والصين وغرب أوربا سبقنها في مجالات كثيرة من أبواب العلم ..
والنتيجة أن تقدم الصين أو روسيا إلى القمة العالمية وإزاحة أمريكا من عليها مرهون بقدرتهما على تغيير الأوضاع الجيوبوليتيكية – الجغرافيا السياسية – فى العالم ؟
ولكن كيف يتم ذلك ؟
إذا استطاعت روسيا والصين كسر الطوق الأمريكى حولهما ، وإذا تمكنتا من أخذ الدول المفاتيح من المحور الغربى وضمها إلى محور الشرق بصورة لا لبس فيها ..
والدول المفاتيح هى بالتحديد .. ألمانيا واليابان والهند .
إذا استطاعت روسيا والصين بطريقة ما ضم الدول الثلاث إلى محور الشرق فإن محور الأطلسي سيصاب بضربة قاصمة ستجعل من تراجعه ثم إنهياره مسألة وقت ..
ولكن ماذا ستستطيع ألمانيا واليابان والهند تقديمه لمحور الشرق ؟
ستأتى ألمانيا إلى الشرق ومعها كل شرق أوربا ، وهو مجال نفوذها التقليدى ، وقبله ستأتى إلى الشرق بتقدم مذهل في أغلب مجالات العلم والتكنولوجيا ، وفوائض أموال هائلة ..
وقد حدث شئ قريب من ذلك أيام رئاسة جيروهارد شرودر لألمانيا في بداية هذا القرن ، وتنبهت أمريكا بسرعة وازاحت شرودر من دار المستشارية الألمانية ، وأتت بسيدة طيبة تسمع الكلام – أنجيلا ميركل – وابقتها في السلطة ١٦ سنة !!
وعندما تقاعدت العام الماضي اتت بائتلاف ضعيف يقوده حزب الخضر ..
وكرمت روسيا شرودر ووضعته على رأس أكبر شركاتها .. جازبروم ، روسنفت ، ونورد ستريم ..
وستأتى اليابان إلى الشرق ومعها تقدمها الاقتصادى المذهل ، ورؤوس أموال ضخمة للغاية ، وشعب نشيط ، وثقافة متماسكة ..
واليابان تتململ منذ فترة طويلة من احتلال أمريكا لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ..
وتعمل الولايات المتحدة دائما على ترتيب الحياة السياسية فى اليابان ، بما يجعل تحالفها مع أمريكا شيئا مفروغا منه ..
وحتى عندما يظهر في الأفق ما يعكر صفو هذا التحالف المفروض بالقوة – ولو بصورة بسيطة – فإن أمريكا تتصرف بطريقتها !!
ومن هنا ربما كان الاغتيال المفاجئ والغريب لشنزو أبى منذ خمسة شهور فى اليابان ، وهو أحد الشخصيات القوية هناك ، وقد نعته الخارجية الروسية بكلمات مؤثرة !!
والهند أحد القوة البازغة في الاقتصاد العالمى ، وهى حليف قديم لروسيا ، وإن كانت على عداء مع الصين ، ومحاولات الغرب ضمها إلي الغرب بصورة نهائية لا تتوقف ، ومن ضمن ذلك فتح باب الاستثمارات الغربية بلا حدود إلى الهند، وربطها بصورة لا فكاك منها مع منظومة الاقتصاد الغربية ..
هذه هى صورة الصراع في العالم ، وعلى ماذا وعلى من يتقاتل الجميع ، وعلى ضوء نتيجة هذا الصراع الهائل سوف يتحدد من سيكتب الكلمة الأولى فى مستقبل البشرية ..