المسؤوليات الأمنية بين الشرطة والمجتمع (الشرطة المجتمعية )
هانى جرجس عياد
أن أهمية الشراكة بين الشرطة و المجتمع ازدادت بعد إدراك أهمية العلاقة العضوية بين الشرطة كنظام اْمني والبناء الاجتماعي ، أن الشرطة تقوم على العديد من الأسس و لعل أبرزها هو مشاركة جميع أفراد المجتمع في مهامها الأمنية ، وأن أداء الشرطة يقاس بمقدار حجم مشاركة الجمهور ومقدار خفض الخوف من الجريمة وعدد ضحاياها وكذلك بتحسين ظروف الحياة وانخفاض المشكلات الاجتماعية ، أنها تقوم على الاتصال الدائم بالجمهور، وتهدف إلى حل المشكلات بالمجتمع وتحسين العلاقة كما أن التغير الوظيفي الذي تقوم به الشرطة اليوم يعتبر تغيرا بناء وصادقا وعادة مايكون مجال تأثيرها مباشراً على المشاركين في الميدان وتكون الاستجابة لأعمالهم سريعة.
قد درج للمهتمين في مجال العلوم الأمنية على استعمال تعبير شرطة المجتمع أو كما يطلق عليه “الشرطة المجتمعية ” وهو التعبير الأكثر تداولا لأنه لفظ استعمل في أكثر من تعريف وقد يعكس ذلك رغبة عند من يستعملونه فيما يريدون بسيادة قيم معينة في العمل الشرطي . فتعد شرطة المجتمع أو الشرطة المجتمعية مفهوماً جديداً للعمل الشرطي التقليدي، الذي يسبق الحدث الأمني القائم على المعلومات الدقيقة النابعة من مصادرها الحقيقية في المجتمع الذي يبقى المستفيد الأول و الأخير من خدمات الشرطة و مختلف الأجهزة الأمنية بصفة عامة ، و عليه فشرطة المجتمع هي فلسفة تنظيمية وإستراتيجية قوامها انفتاح الشرطة التقليدية على مختلف عناصر المجتمع وتحقيق مشاركة حقيقية بين الشرطة والمجتمع في تحمل المسؤوليات الأمنية بمفهوم شامل وجهد طوعي نابع عن إرادة صادقة من خلال بناء هذه الإستراتيجية الأمنية الجديدة التي تتناسب وحجم التطورات الشاملة التي تشهدها مصر و ما يتطلبه ذلك من توفير رؤية أمنية جديدة تواكب معطيات التغيرات والتحديات المفترضة أو المحتمل وقوعها . هذه الإستراتيجية تقوم في الأساس على شراكة جهاز الشرطة مع المجتمع ، هذه الشراكة التي تعتبر في نظرنا أسلوبا عصريا جديدا يمكن أن يسهم في بناء جسور الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع والأجهزة الأمنية ، ووضع المواطن ومختلف مؤسسات الدولة و المجتمع المدني جنباً إلى جنب أمام مسؤولياتهم وواجباتهم في توظيف كل القدرات و الإمكانيات للتصدي للجريمة بظروفها ومتغيراتها ومواجهة مختلف المشكلات التي تهدد أمن واستقرار المجتمع ، فالشرطة المجتمعية إذن عنصر هام في المنظومة الأمنية التي تحتاج من كافة المؤسسات إلى تفعليها والعمل على نشرها.
وتقوم فكرة شرطة المجتمع على تحمل كافة فئات المجتمع مسئولية الأمن بصورة مباشرة وعلى تكوين مشاركة فعلية كاملة في المسئولية بين المجتمع المحلى والشرطة من خلال تحديد المشكلات الأمنية و سبل الوقاية منها و آليات مكافحتها ، إذن فهي تجنيد لجميع طاقات المجتمع بما يمكن أن يطلق عليه الحس الأمني الذي يزود الفرد بالأهداف الأمنية والمصالح المشتركة التي ينبغي الحفاظ عليها ، فالشرطة بهذا المفهوم هي جهاز يسعى إلى تعزيز الجهود الرامية لمكافحة الجريمة و تكوين نوع من الرضا لدى المواطنين عن الخدمات الأمنية بصفة عامة وبخفض الخوف من الجريمة وحل المشكلات المحلية وخفض معدلات الجريمة و زيادة رضا أفراد الشرطة عن عملهم و نشير هنا إلى أن هنالك العديد من الأهداف المتوخاة من تطبيق مفهوم الشراكة بين الشرطة و المجتمع أو ما يطلق عليه في العلوم الأمنية بمصطلح الشرطة المجتمعية ، نذكر منها ، العمل على تطوير العمل الاجتماعي و الإنساني في جهاز الشرطة بما يساهم في تحقيق التقارب بين جميع أفراد مؤسسة الشرطة من جهة ومن ثم تحسين العلاقة التبادلية بين الشرطة والمجتمع من جهة ثانية ، بالإضافة إلى تفعيل الدور الوقائي وسط المجتمع من خلال تبني مفهوم ” الوقاية خير من العلاج” الذي لا يتحقق إلا من خلال إشراك المجتمع بكل فئاته في هذه المسئولية، و إزالة الحاجز النفسي لدى المواطنين في التعامل مع الشرطة ، ناهيك عن إيجاد حلول موضوعية وعملية للمشكلات الاجتماعية والأسرية من خلال دفع الجمهور للمشاركة في تقويم السلوكيات الخاطئة ، بصفة عامة تطوير آليات العمل التطوعي في المجال الأمني .
إن هذا التعاون الأمني بين الشرطة والمجتمع ، لابد أن يتم عبر آليات قانونية يعمل الجميع بموجبها، فهنالك الكثير من الدول التى قطعت أشواطاً كبيرة في مجال دمج جهود المجتمع وتعاونه لصالح أعمال الشرطة . و في أدبيات الشرطة في الدول التي تنفذ هذه الفكرة السامية هناك تأكيدات تشير إلى أن مستوى فعالية وتنظيم شرطة المجتمع يحدد فعالية نتائجها . وحينما تعمل أجهزة الشرطة على دمج جهود المواطنين مع جهود أفراد الشرطة والاْستفادة منهم ضمن إطار واضح تحكمه فلسفة أمنية محددة المعالم لها إستراتيجية معتمدة وممولة ولها أهداف محددة وإجراءات عمل مرنة وخطط مستمرة فإن التوفيق والنجاح سوف يكون حتما حليفها .
وعليه فشرطة المجتمع أو الشرطة المجتمعية ليست إلا عملاً تعاونياً منظماً تشترك فيه أطراف من السكان أفراداً ومؤسسات، مع أقسام وإدارات الشرطة في مدنهم وأحيائهم السكنية، لتحقيق مستويات أفضل في مجال الأمن، و من الأولويات في الشأن الأمني، أن يسهم المجتمع مباشرة في تحديد المشكلات الأمنية، ثم المساهمة بالعمل على تقديم الحلول لها ففي إطار هذه العلاقة يصبح الأمن معززاً و قوياً .
وما يحدد الفرق بين جهاز شرطة وآخر, في تحقيق مستويات محترمة من الأمن, هو مدى ما يتحقق لهذه الشرطة أو تلك, من قيادات قادرة على إدراك أبعاد الأمن, وما يتطلب تحقيقه من مفاهيم فلسفة الأمن؛ التي يجب أن تختلف معطياتها من بيئة إلى أخرى. فلا يمكن أن يتحقق الأمن في مدينة مزدحمة بالسكان, بنفس الأساليب التي يتحقق بها في القرى والضواحي؛ أو أيضاً في بيئات أخرى مختلفة. وفي ذلك, تبرز الفروق في وعي وكفاءات القائمين على وضع وتنفيذ خطط الأمن. كما أن فن قيادة الرجال والتأثير فيهم, ومهارة التعامل مع المجتمع, والمقدرة على حسن تسخير الموارد وتوازن استخدامها في خدمة الأمن, عناصر مهمة لمضاعفة نتائج أي مجهودات أمنية .
وحتى تنجح مجهودات الشرطة في منع الجريمة, ورفع مستوى الأمن, وبالتالي غرس الثقة والإحساس بالأمن في نفوس المواطنين المستهدفين, فإن تطبيق مفهوم شرطة المجتمع لابد أن يستلزم إعادة تحديد أهداف أقسام الشرطة في الأحياء والمناطق المستهدفة, بعد تقييم جهود المواطنين ودمجها في خطط العمل والاستفادة منها .
وحين يتم دمج جهود السكان في منظومة الشرطة, فإن ذلك يوجب تغيير طبيعة الأعمال الميدانية, وأعمال القيادة والسيطرة, وعدد الدوريات. وسوف يكون لبرامج الاتصال والتبليغ, وكذلك ضباط الاتصال بين المجتمع والشرطة أثر كبير. ولا شك أن هذا النوع من التعاون الاجتماعي الأمني, يعتمد أولاً وقبل كل شيء على السرعة في البلاغات, وكذلك دقة المعلومات ووضوحها أيضاً. ومن الطبيعي أن لدى دوائر الشرطة أساليبها, في جمع وتصنيف وتحليل وتوزيع المعلومات الأمنية, بما تتضح من خلاله حالة الأمن؛ ولذلك تصبح تصورات القائمين على توجيه الأمن أقرب إلى الواقع. وكلما كانت أدوار المواطنين نشطة ومتفاعلة, كلما تراكمت الفائدة, وانتشر الإحساس بأن الأمن مسؤولية الجميع. وعبر شرطة المجتمع, تصبح حراسة المناطق, والسهر عليها واليقظة فيها, وتحليل أوضاعها وكشف المشتبه فيها, شأن يهم الجميع؛ مما سوف يوجد عامل ردع قوي, في وجه مخالفي النظام, ويزيد من أمن المجتمع وتماسك أبنائه .
ورغم تأثير المعطيات العاطفية والفلسفية, لإثارة اهتمام المواطنين وكسب تعاونهم, وتفهمهم لأدوار الشرط في حماية المجتمعات, وما تحتاجه من تعاون الجميع, إلا أن ذلك كله لا يكفي, ما لم تحول العملية التعاونية إلى ما يشبه التنظيم المؤسسي؛ القائم على فلسفة أمن خاص للتكافل الاجتماعي الأمني, عبر خطط طويلة, ومتوسطة, وقريبة المدى. وخطط الأمن التي تهدف إلى دمج جهود السكان للتعاون مع رجال الأمن, لا بد لها أن تنطلق من آليات عمل واضحة, وفيها وصف دقيق, لطبيعة الأنشطة ومجالات التعاون المطلوبة من المواطنين, وذلك كله طبقاً لقوانين ولوائح تنفيذية .
وهنالك الكثير من التجارب والدروس المستفادة في مجالات الشرطة المجتمعية, يمكن أن تستفيد منها الشرطة التي تقرر العمل عبر هذا المفهوم. وحتى يتحقق الأمن الشامل عبر تعاون وتكافل المجتمع, فإن بعض من الأكاديميات والمدارس الأمنية, تحول الدروس المستفادة والتجارب إلى تقنيات عمل وخطط مرنة قابلة للتنفيذ. كما أن استهداف رفع جاهزية وتوعية المجتمع في هذا الشأن, لا بد أن ينطلق من محاور أساسية متكاملة. فالمحور الأول, هو مجالات التوعية الشاملة للمجتمع كله, عن مفهوم الشرطة المجتمعية, والأدوار المطلوبة من المجتمع؛ على أن تتم هذه التوعية عبر برامج مكثفة ومستمرة. وأما المحور الثاني, فهو خاص بأولئك المواطنين القادرين على التطوع بوقتهم وجهودهم, للتعاون بأشكاله المطلوبة والمتاحة. ويتم تدريب المتطوعين وتوجيههم عبر برامج وندوات ودورات مستمرة, وعبر تزويدهم بالمعلومات أولاً بأول؛ وفي بعض الحالات يزودون بوسائل لها علاقة بشؤون الأمن, مثل وسائل الاتصال أو الإنذار المبكر. والمحور الثالث, يوجه لتدريب منسوبي الشرطة ليتمكنوا من تفهم وتطبيق آليات هذا التعاون بكفاءة واحترافية. فالتعاون مع المواطن المتطوع لتنفيذ مسؤوليات أمنية, عملية تختلف في فلسفتها كثيراً عن التعاون الرسمي بين منسوبي الشرطة مع بعضهم .