المال يقتل البشر اكثر من الرصاص
الطاهر المعز
وَرَد في تقرير حكومي أمريكي، نُشِرَ في مثل هذا اليوم، يوم 17 شباط/فبراير 1909، أن ستة أثرياء أمريكيين يمتلكون 86 شركة لصناعة التّبغ، بالولايات المتحدة، بقيمة 450 مليون دولارا، ويحتكرون إنتاج التّبغ.
تُعتبر شركة “فليب موريس” الأمريكية أكبر شركة عالمية لصناعة التبغ، ومنذ إقرار العديد من الدّول حظْر التّخين في الأماكن المُغْلَقة وفي وسائل النقل وأماكن العمل، طرحت شركات صناعة السجائر، في الأسواق العالمية” السجائر الإلكترونية التي تعتمد عى تسخين التبغ إلى 350 درجة، بذريعة إنها تحتوي على كميات منخفضة من المواد السّامّة، وبذلك فهي أقل خطرًا، ولكن الباحثين والأطبّاء يشُكُّون في صحة هذا الإدّعاء.
أعلنت شركة “فليب موريس” أنها أنفقت نحو 3,5 مليارات دولارا على التجارب والدراسات العلمية، والواقع أنها تستخدم المال لشراء الإبتكارات وتسجيلها باسمها، وسجلت لأكثر من ثلاثة آلاف براءة اختراع، وتدرس مختبراتها بسويسرا خمسة آلاف ابتكار لم تحصل بعْدُ على شهادات “براءة الإختراع”، لكي تجتذب من يُفكّرون في الإنقطاع عن التّدخين أو التحول إلى تدخين السجائر الإلكترونية.
قدّرت منظمة الصحة العالمية عدد المدخنين في العالم بحوالي مليار مُدَخّن، فيما تُكلف مخاطر الأمراض الناتجة عن التدخين، حوالي تريليون دولارا، سنويا (بنهاية سنة 2017)، ولكن شركات صناعة التبغ، أنكرت خلال عُقُود، ضَرر السجائر على صحة الإنسان، رغم إثبات إدمان المُدخّنين ووفاة ما لا يقل عن ثمانية ملايين شخص سنويا، بأمراض خطيرة مثل السرطان وأمراض القلب وجهاز التّنفّس، من بينهم 1,2 شخص من غير المدخنين، ومن ضمنهم حوالي 650 ألف طفل، يموتون بسبب تعرضهم لمضار التدخين في الأماكن العامة وأماكن العمل وداخل الأُسْرَة، خاصة في دول “الجنوب”، حيث أصبحت هذه الشركات تُحقّق الجُزء الأكبر من أرباحها، وحيث لا يزال المُدخّنون يستهلكون السجائر العادية، لأنها أرخص ثمنًا من الإلكترونية، ولأن الحكومات لا تُعير اهتمامًا لصحّة المواطنين، بحسب منظمة الصحة العالمية ( أيار/مايو 2019 )، وأشار التّقرير إلى السّلطة المالية والسياسية التي تمتلكها شركات صناعة التبغ، لإخفاء المخاطر، لأن مصالحها تتعارض مع صحة الإنسان، إذ تحتوي السجائر على أكثر من سبعة آلاف مكوّن كيماوي، تأكد تسبب قرابة 10% منها للسرطان، وتأكدت الأضرار التي تلحقها 250 مادة كيماوية أخرى على الأقل.
تتمتع شركات صناعة التبغ ( فليب موريس وبريتش أمريكان توباكو بغطاء سياسي ومالي، يُحصّنها من العُقوبات، وتمكّنت من إطلاق حملات تشهير وتشةيه لنُواب في الكونغرس الأمريكي وفي دول أخرى، بسبب معارضتهم لأساليب هذه الشركات، وعدم تطبيقها أحكامًا قضائية، فقد أثبتت التحاليل العلمية التي أنجزتها لجنة التجارة الإتحادية بالولايات المتحدة، منذ 1967، درجة الأضرار التي تحدثها مادّة القطران (أحد مكونات السجائر، وهي مادة مُسَرْطَنة)، وتمكنت الشركات من التحايل على نتائج الإختبارات، لفترة أربعة عقود، وتمكنت ثلاث شركات من تمديد الإجراءات القضائية لفترة عقدَيْن كاملَيْن في كندا، قبل أن يصدر حكم ابتدائي استأنفته في الحال، ورفضت الشركات، من 1996 إلى 2009، تنفيذ أحكام قضائية تُلزمها بإعلان الأضرار التي تُسببها كافة أنواع السجائر، بما فيها الموصوفة ب”الخفيفة”، ومنها السرطان وأمراض الرئة وجهاز التّنفّس والقلب وانسداد الشرايين وغيرها، وكانت الجمعة الأمريكية للسرطان قد نشرت دراسة، سنة 1996، تفيد تزامُنَ ارتفاع استهلاك السجائر “الخفيفة”، مع ارتفاع المعدّل السنوي للوفيات الناجمة عن الإصابة بسرطان الرّئة…
أثبتت الدراسات العلمية، في الولايات المتحدة، منذ حوالي سبعة عقود (منذ 1952)، أن التدخين مُضر بالصّحّة، ويُسبب السرطان، وبعد صدور تقرير لم يطلع عليه سوى قلّة من ذوي الإختصاص، اجتمع رؤساء ستة من أكبر شركات صناعة السجائر، وأقروا خطة لتنفيذ هُجُوم مُعاكس، وشكلوا لجنة علمية، من باحثين وأكاديميين مرموقين، مَوّلُوا بحوثهم ليُصدروا ما لا يقل عن سبعة آلاف مقال عِلْمِي داعم لموقفهم الناكر للأضرار، بين 1952 و 1987، وفي بريطانيا، كتبت مجلة “لانسيت” (سنة 2015) أن شركات صناعة السجائر سدّدت رشاوى لإثْنَيْ عشر من باحثين مشهورين يعملون في هيئات علمية وطبية رسمية، أصدروا (سنة 2014) باسم “مركز أبحاث السرطان” وباسم “رابطة مديري الصحة العامة، وغيرها، تقارثير مدفوعة الأجر، وممولة من شركات صناعة التبغ، تدّعي (باسم العلم) أن السجائر الإلكترونية أقل ضَرَرًا، كما موّلت نفس الشركات مؤسسات “غير حكومية”، منها منظمات صحية “إنسانية” أو “خيرية” لتُرَوّج هذه المنظمات أن التدخين الإلكتروني ينقذ حياة من أقلعوا عن تدخين السجائر العادية، ليتحولوا إلى تدخين السجائر الإلكترونية.
نشرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية (وهي صحيفة “داعمة للمقاومة” ) يوم السادس من كانون الثاني/يناير 2021، مقالاً لا يحمل توقيعًا، يُعدّد محاسن التدخين الإلكتروني، رغم الدّراسات الجدّيّة التي أثبتت العكس، وفي آخر المقال يكتشف القارئ عبارة “هذا المقال برعاية فليب موريس لبنان”، أي أنه مقال إشهاري، حرّرهُ قسم الدّعاية في أكبر شركة عالمية لصناعة التبغ، ونشرته صحيفة تُساهم إيران بقسط كبير في تمويلها…
تسمح الحكومات لهذه الشّركات بالتّحايل واستخدام الإشهار المُضَلِّل، ورعاية العديد من النشاطات الرياضية والثقافية والتّرفيهية، وشراء ذِمَم العديد من الباحثين والأطبّاء والإعلاميين والسّياسيين، من أعضاء الحكومات والنُّوّاب، وأظْهر شريط “ذي إنسايدر” الذي أخرجه “مايكل مان”، سنة 1999، أساليب هذه الشركات العابرة للقارات، لحماية مصالحها، وابتزاز وتشويه من يحاول معارضة مصالحها، وبلغ الأمر حدّ التّهديد بالإغتيال…