المؤسسات الصغيرة و المتوسطة قاطرة الاقتصاد

للمشروعات الصغيرة والمتوسطة دور كبير في خلق فرص العمل ودعم التنمية الاقتصادية، حيث
تساهم هذه المشروعات بنحو 45 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية.
ويعد وصول هذه المشروعات إلى التمويل الرسمي أحد أهم التحديات الرئيسة التي تواجهها. كما أن الأزمات والصدمات والتطورات الراهنة منذ جائحة كورونا، ضاعفت من التحديات وانعكست في تراجع أنشطة العديد من هذه المشروعات. وتتجاوز فجوة التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة على مستوى العالم نحو 5.3 تريليون دولار
أمريكي سنوياً. ومعظم المشروعات الصغيرة والمتوسطة مع كل الجهود والدعم المقدم، ليس لديها ضمانات كافية للحصول على التمويل.
كما ان لبرامج وآليات ضمان القروض دوراً مهماً في إعادة بناء وتسهيل نمو المشروعات الصغيرة والمتوسطة، من خلال تسهيل وصولها إلى التمويل، كما تساعد هذه الآليات والبرامج هذا النوع من الشركات في التغلب على أوجه القصور، والتمكين من التعافي المستدام. ومن شأن ذلك أن يشجع المشروعات الصغيرة والمتوسطة غير
المنضوية تحت القطاع الرسمي، أن تكون جزء من القطاع الرسمي. وهذا جانب مهم في ضوء الحجم الكبير للقطاع غير الرسمي في الدول العربية، الذي يصل لحوالي 25 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لبعض الدول العربية وفقاً لدراسة لصندوق النقد العربي.
لقد عززت السلطات في الدول العربية إهتمامها في السنوات الأخيرة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال مواجهة تحديات تمويل هذا القطاع، ووضع برامج وإجراءات بهذا الخصوص، حيث قامت بتنفيذ العديد من الإجراءات التي تركز على تقليل مخاطر الائتمان للمقترضين من المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال تطوير آليات وبرامج ضمان القروض لهذا النوع من المؤسسات.
لقد ساهمت شركات وبرامج الضمان بجهود ملحوظة في تطور قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة على مدار العقود والسنوات الماضية، خضعت فيه هذه الشركات والبرامج للتطوير في هياكلها ونطاق أعمالها وخدماتها، وحرصت على مواكبة الاحتياجات المتزايدة للتمويل. وإنما نحتاج أن نعترف أن هناك حاجة كبيرة لاعادة النظر في الاطار المؤسسي وحوكمة هذه البرامج والشركات بما يكفل تعزيز قدراتها على تلبية الاحتياجات التمويلية المتزايدة من جهة، وقدراتها على إدارة المخاطر من جهة أخرى. حيث لا يبدو أن الاكتفاء بالدعم والتمويل الحكومي هي الوسيلة للاستمرار، كذلك مع أهمية النظر في وجود ترتيبات إقليمية، إلا أنها قد لاتكون كافية أيضاً.
ربما نحتاج إلى النظر في تطوير هذه البرامج والشركات لتكون مؤسسات مالية متكاملة، يضخ فيها رساميل جديدة من القطاعين العام والخاص، وتعمل وفقاً لنماذج عمل تعزز نموها واستدامتها.
ولا شك أن مقررات لجنة بازل للرقابة المصرفية، تساعد في هذا السياق في زيادة فاعلية دور برامج وشركات ضمان القروض، حيث اعتبرت أن هذه الأخيرة تمثل أحد آليات تخفيف المخاطر من خلال تخفيض أعباء متطلبات كفاية رأس المال، وتوفير المخصصات والاحتياطيات مقابل الجزء المضمون من هذه البرامج، مما يساهم في
تخفيض تكلفة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وينعكس بالتالي إيجاباً في زيادة فاعلية برامج الضمان وقدرتها على جذب ممولين جدد، وانتهاج آليات ضمان مختلفة تتناسب وطبيعة الفئات المستهدفة.
يتوافق ذلك مع نتائج دراسة حديثة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي أبرزت أن خطط ضمان الائتمان للشركات الصغيرة والمتوسطة كان لها تأثير إيجابي على وصول الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل في العديد من الدول، وأن هذه البرامج ساعدت في زيادة حجم القروض المقدمة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وخفض تكلفة الاقتراض للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتحسين معدل سداد قروض الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يؤشر للدور الإيجابي والفعّال لمؤسسات الضمان في تعزيز الشمول المالي الذي بدوره يساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية.
ولاشك أن هناك دور للمصارف المركزية في دعم تشجيع الابتكار في تطوير منظومة وخدمات برامج وشركات الضمان، وتشجيع شراكات بين هذه البرامج والبنوك والمؤسسات المالية الأخرى، والاستفادة من هذه البرامج والشركات كأدوات فاعلة في إدارة الأزمات.
ولعبت شركات وبرامج ضمان القروض على مستوى المنطقة العربية والعالم، دوراً محورياً في التخفيف من التداعيات السلبية لأزمة جائحة كورونا، وهو ما كان من الدروس المستفادة، وبالتالي يمكن أن تكون هذه البرامج أدوات مهمة وفعّالة في تحقيق النمو الاقتصادي المنشود وتعزيز الاستقرار المالي، وما لذلك من دور في
تجنّب الصدمات الاقتصادية والمالية والبيئية.
تعد التنمية المستدامة أيضاً أحد الأهداف الأساسية للدول العربية، وهي الآن أولوية الجيل القادم لتنمية الموضوعات المتعلقة بالاستدامة، لاسيما البيئية والمجتمعية والحوكمة، كما أن الوقوف إلى جانب المشروعات الصغيرة والمتوسطة في تحولها المستدام يعني مساعدة الدول العربية على تطوير اقتصاد أكثر شمولاً وأخضراراً، أي
أكثر استدامةً. كما أن للمشروعات الصغيرة والمتوسطة القدرة على تعزيز الابتكار، والتأثير بشكل إيجابي على الاقتصاد الحقيقي، وخلق قيمة مضافة للمجتمعات، وبالتالي تعزيز التنمية المستدامة.
إدراكاً لذلك عملت برامج وشركات ضمان القروض على تطوير آليات وضمانات، تعزز فرص دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة المتوافقة مع المعايير البيئية والمجتمعية. والحاجة لمواصلة تفعيل دور صناديق القروض في دعم التوجّه المستدام للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بإعتبار أن هذا التوجه يمثل أداة لتحقيق التنمية المستدامة من خلال الأنشطة التي تأخذ في الحسبان الأبعاد البيئية والمجتمعية والحوكمة لهذا النوع من الشركات.
تتطلب تلبية احتياجات كل من المؤسسات المالية، وشركات وبرامج ضمان القروض، وكذلك المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وفقاً للمعايير البيئية والمجتمعية والحوكمة، تطوير الأطر التنظيمية والتشريعية بما يتماشى ويعزز من أهداف التنمية المستدامة.
كما أن إدارة المخاطر الناجمة عن التغيرات المناخية تتطلب مواءمة أنشطة المشروعات الصغيرة والمتوسطة مع المعايير البيئية في ظل تركيز للمبادرات والبرامج على الحد من التأثير البيئي لما يقرب من 400 مليون مشروع صغير
ومتوسط الحجم على المستوى العالمي، نظراً لأنها تساهم ما بين 40 إلى 60 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية وفقاً لأحصائيات 2023. هناك حاجة لبذل المزيد لتحسين الاستدامة البيئية في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.