القمم العربية ..قمم رفع عتب وقرارات مع وقف التنفيذ

إبراهيم ابراش
أصبح من المؤكد أن توافقاَ تم بين حكومة اليمين الصهيوني وإدارة ترامب على تسريع وتيرة مخطط تصفية القضية الفلسطينية، وهو بالأساس مخطط يكمن في قلب المشروع الصهيوني وهدفا له منذ تأسيسه، بعد أن هيأوا الظروف الدولية والاقليمية والعربية والفلسطينية مواتية لذلك، بالحروب والصراعات وبنشر الفوضى وزعزعة أنظمة الحكم وبالتطبيع والاتفاقات الأمنية الخ
مع ذلك فأن ردود الفعل العربية والفلسطينية ما زالت دون المستوى المطلوب للرد على هذا المخطط الذي لن تقتصر تداعياته على شعب فلسطين بل ستهدد الأمن القومي لعديد الدول العربية.
بعد عام ونصف من حرب الإبادة والتطهير العرقي وبعد أن طرح ترامب مخططه بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة تداعى العرب في بداية فبراير لقمة مصغرة في الرياض تقتصر على دول الخليج ومصر والأردن ومع أنه تم استبعاد الفلسطينيين من القمة فقد استبشرنا خيرا بأن القمة ستخرج بنتائج ستضع حدا لغطرسة العدو وترد على مخطط ترامب بالتهجير والتوافق على اليوم التالي للحرب في قطاع غزة، من خلال قرارات عملية حاسمة ،ولكن انتهت القمة بنتائج مبهمة وعامة ،وقلنا ربما يعود الأمر لأن القادة المجتمعين في الرياض أجلوا القرارات الحاسمة لقمة القاهرة التي كان مقررا لها أن تنعقد بعد أيام.
قبل القمتين وما بينهما صدرت تصريحات منفردة من بعض الدول العربية بأنه لن يكون لحماس دور في غزة بعد الحرب وأن السلطة الفلسطينية ستستلم قطاع غزة ولكن من خلال لجنة إدارة غير فصائلية كما لن يسمحوا بمخطط التهجير الخ ،ولكن تم عقد قمة القاهرة وغاب عنها عديد الملوك والرؤساء وخصوصا ولي عهد السعودية ورئيس دولة الإمارات مما أثار شكوكا حول وجود خلافات بين الحكومات العربية حول كيفية التعامل مع ملف غزة والرد على خطة ترامب ،وبالفعل تأكدت الشكوك وجاءت قرارات القمة هزيلة ومبهمة حتى مع طرح مصر خطة لإعادة إعمار غزة والاتفاق مع الفلسطينيين على تشكيل لجنة لإدارة غزة بعد الحرب.
الملفت للانتباه أن هذه القرارات مطروحة للتنفيذ بعد وقف الحرب التي لا يعرف احد متى ستنتهي، أما حول الحرب واحتمال عودتها وما يجري في الضفة الغربية فلا شأن للعرب فيها الا من خلال الوساطة التي تقوم بها مصر وقطر لوقف إطلاق النار واطلاق سراح المخطوفين الإسرائيليين. كما أن العرب يعلمون أن قراراتهم لن تجد طريقا للتنفيذ دون موافقة إسرائيل وأمريكا أو بصيغة أخرى أن قراراتهم مجرد مقترحات يتم تقديمها لواشنطن للنظر فيها، أو قرارات مع وقف التنفيذ إلى حين وقف الحرب.
حاول الرئيس أبو مازن في القمة تدوير الزوايا والانفتاح على الجميع، فلسطينيين وعرب، من خلال قوله بإلغاء قرارات الفصل الصادرة بحق الفتحاويين ومد يده مجددا للمصالحة مع حماس وحديثه عن تشكيل لجنة لإدارة قطاع غزة وعزمه تعيين نائبا له وإجراء انتخابات عامة …ولكن لم يتم أي إجراء عملي في هذه القضايا ،كما لم يترك خطاب الرئيس أثرا على واقع الانقسام الفتحاوي أو الوطني العام حيث كانت ردود فعل التيار الاصلاحي باهتة وحذرة كما أن حركة حماس استمرت على موقفها ورؤيتها السياسية بل قطعت الطريق على مبادرة الرئيس وقرارات القمة من خلال الإعلان عن تشكيلها هيكلا حكوميا لإدارة القطاع، وجاءت اللقاءات بين ممثل ترامب ومسؤولين في حماس في الدوحة لتزيد من تصلب حماس تجاه اي مبادرة مصالحة.
يبدو أن الحرب النفسية ومحاولات تشتيت الانتباه وإثارة الشكوك والفتنة بين الفلسطينيين أصبحت جزءا من حرب الإبادة والتطهير العرقي ،انها حرب إبادة وتطهير للذاكرة والوعي والهوية الوطنية الجامعة، وهي حرب متواصلة بالرغم من الهدوء النسبي على الجبهة العسكرية ،ولنأخذ مثلاً ما يخص اللجنة الإدارية التي ستتولى إدارة غزة وإعادة الإعمار .
بداية لا نعرف إن كانت اللجنة ستمارس عملها مباشرة بعد تشكيلها أم بعد وقف الحرب نهائياً ولا أحد غير نتنياهو يعرف متى ستتوقف؟ كما لا نعرف موقف حماس من هذه اللجنة الرئاسية؟ وماذا لو استمر الوجود المسلح لحماس في قطاع غزة فهل ستشتغل اللجنة تحت إشرافها وبحمايتها وخصوصاً أن القمة العربية لم تحسم بشأن سلطة حماس وسلاحها؟ ومن جهة أخرى لا نعلم هل تشكلت اللجنة بالفعل أم ما زالت المشاورات جارية مع مصر حول تشكيلها؟
تارة نسمع عن لجنة إسناد مجتمعي وتصريحات من حماس أنها تنسق مع مصر حول هذه اللجنة، وفي نفس الوقت وكما ورد على لسان الرئيس المصري أنه تم الإتفاق مع القيادة الفلسطينية على تشكيل اللجنة، وبعد القمة مباشرة تسربت قائمة بأسماء لجنة لإدارة غزة وإعادة الإعمار برئاسة د. ماجد ابو رمضان شكلتها السلطة ،وبعدها تم نشر قائمة أخرى بأسماء لجنة إدارية يترأسها د. زياد ابو عمر ،وتارة نسمع عن لجنة بصلاحيات واسعة برئاسة محمد دحلان، وهناك من يتحدث عن حكومة جديدة برئاسة ناصر القدوة ،وفي نفس الوقت تجري شخصيات من داخل القطاع اتصالات مع شخصيات غير حزبية مقيمة في الخارج تطلب منهم تشكيل لجنة منهم لإدارة القطاع لعدم ثقتهم بالموجودين في الداخل ،وأخيرا تسريبات عن تفضيل ترامب لرجل الأعمال بشار المصري ليستلم الأمر في اليوم التالي لوقف الحرب ،اما حركة حماس فتعرض على الأمريكان استعدادها لإدارة غزة مقابل وقف المقاوم وهدنة طويلة المدى.. .
بالرغم من تراجع كل الحالة الوطنية وشدة الهجمة الصهيونية الأمريكية إلا أنه هناك فرصة أمام القيادة الفلسطينية لوضع حد لهذه الفوضى وغياب الرؤية ولو على مستوى لجنة إدارة غزة وتصويب أوضاع حركة فتح وحسم موضوع نائب الرئيس.