القارة الافريقية ، و ارتفاع وتيرة الانقلابات

عبد الخالق الفلاح

الانقلابات الجديدة والتحولات الدراماتيكية قلبت كل التوقعات في القارة الافريقية ، وقد تكذب تفاؤل شعوبها بمستقبل افضل و تجهض نضالهم وتضحياتهم في التحرر والنماء والبناء، بعودة لعنة الانقلابات واستيلاء الجيوش على السلطة، والواقع الحالي يقول ان 18 رئيس دولة من قادة الدول الأفريقية الحاليين ينتمون إلى المؤسسة العسكرية وتم إلغاء اكثر الدساتير لهذه البلدان .
ارتفاع وتيرة الانقلابات خلال السنوات الأخيرة تطيل من امد التحديات والتهديدات التي تواجه أمن واستقرار بلدانها ، سواء داخليا أو خارجيا و سوف تشهد حالة من التوترات والصراعات بسبب دعم الجماعات المسلحة المتطرفة في مناطق مختلفة منها من الجهات الاجنبية وخاصة التي قد فقدت وجودها في تلك البلدان مثل فرنسا التي تحصل على المليارات من الدولارات سنوياً من النيجر، وبسبب تفشي ظاهرة التهريب والاتجار بالأشخاص والأسلحة عبر حدودها و تشهد اضطرابات اجتماعية بسبب نقص الموارد والخدمات، وانعدام فرص التنمية والتشغيل. لذلك، فإن أي اضطراب في المؤسسات الحكومية أو التغير في قادة الجيش قد يؤثر سلبا على قدرة هذه البلدان على مواجهة تلك التحديات ولان الغرب مازال يتصرَّف بعقلية الماضي وهو لم يدرك لحد الان، أن العالم تغيَّر وفات الأوان لِيتدارك أمرَه وقد تعيد من جديد شبح عدم الاستقرار السياسي ، ونستطيع القول إنه في 1980 كان العسكريون يحكمون 43 دولة أفريقية، تقلصت إلى 9 دول عام 2001، بعد تعهد رؤساء الدول الأفريقية في قمة الجزائر عام 1999 بعدم الاعتراف بالسلطة العسكرية الناتجة عن الانقلابات الجديدة التي تختلف كثيرا عن الانقلابات السابقة. فنحن إزاء جيل جديد من الانقلابات في أفريقيا يختلف محتواه السياسي وكذلك سياقاتها، فقبل سقوط النيجر سقطت مالي وبوركينا فاسو في 23 يناير 2022 و غينيا في 5 سبتمبر 2021 و زيمبابوي في 21 نوفمبر 2017 وتشاد في 5 سبتمبر 2021 ..الخ و هناك 15 دولة أفريقية من أصل 20 دولة تتصدر مؤشر الدول الهشة لعام 2021 على مستوى العالم واضطرت فرنسا إلى سحب قواتها من النيجر وهي تهدد بالتدخل العسكري للاطاحة بالانقلابين ورغم انها كانت استراتيجيتها التي كانت تعتمد عليها بعد انقلاب مالي وبوركينا فاسو قبل وقوعها بيد الجيش واستناداً إلى تقارير إعلامية غربية، هناك شكوك في أن تكون موسكو وقوات الفاغنر وراء الانقلابيين كما تثيرها وسائل الإعلام كونها وراء التغيير الذي حصل في النيجر ولكون الانقلاب وقع في زمن قريب من انعقاد مؤتمر روسيا وأفريقيا في سانت بطرسبيرغ قبل حدوث الانقلاب في النيجر وليس هناك اي دليل على ذلك انما سوف تظهر في المستقبل القريب و رغم أن المؤيدين للانقلاب من مواطني النيجر كانوا يرفعون العلم الروسي، وقاموا بحرق مقر الحزب الحاكم في العاصمة .
ان فشل الحكومات المدنية في بناء دول قوية تنتشر في كامل تراب هذه البلدان مؤسسات رصينة تخدم جماهيرها ولم يلمس منها المواطن العادي تحسنا في حياته اليومية وفي قوته و مع الاسف فقدان التخطيط لإنجاز تنمية اقتصادية ، من العوامل التي ساهمت بشكل فعال في إعطاء دعم بشري وسند شعبي لتائيد الانقلابات والطموح بالديمقراطية ،
النيجر هذا البلد الفقير ،الذي اطاح العسكر برئيسها محمد بادوم تحظى باهتمام دولي بسبب موقعها الجغرافي الحيوي في منطقة الساحل، وبسبب ثرواتها الطبيعية مثل اليورانيوم والذهب. لذلك، فإن أي انقلاب في النيجر قد يؤثر على مصالح هذه الدول وفي مقدمتهم فرنسا و الانقلاب فيه هو حدث سياسي مهم ومثير للاهتمام، وله أبعاد مختلفة لان هذا البلد محاطة بحروب في دول مجاورة في تشاد ومالي وبوركينا فاسو وليبيا والسودان، وصحرائها مرتع جماعات إرهابية نشطة مثل؛ «بوكو حرام» في نيجيريا، و«القاعدة» في دول الساحل استناداً إلى فهرس الأمم المتحدة للتنمية البشرية، من أفقر دول العالم. و40 في المائة من السكان تحت خط الفقر، رغم أنها تمتلك احتياطياً هائلاً من اليورانيوم، وتأتي في الترتيب السابع في الدول المصدرة له عالمياً. والإحصاءات الدولية السكانية تؤكد أن أكثر من نصف السكان تحت سن الخامسة عشر عاماً، وبها أسرع وأعلى نسبة مواليد (7 أطفال متوسط ما تلد المرأة)، ما يعني أن عدد السكان سيصل إلى 70 مليون نسمة في عام 2050. ومساحتها الخضراء مهددة بالتصحر، نتيجة التغيرات المناخية و سنوياً تفقد مساحات مزروعة كبيرة ، إن إيجاد اي طريقة للخروج من حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن والعودة الى الديمقراطية ،وقطع الطريق امام الانقلابات في اي بلد من البلدان يتطلب:
اولا: لا ينبغي الاعتراف بأولئك الذين يستولون على السلطة خارج نطاق القانون. وينبغي تعليق المساعدات المالية مع تعليق وسائل تخفيف أعباء الديون. ويجب تجميد أصول قادة الانقلابيين وحرمانهم من الوصول إلى النظام المالي الدولي. بشرط عدم ايذاء شعوب تلك البلدان.
وثانيا:يتطلب بناء مؤسسات قوية يمكنها مقاومة التلاعب من قبل القادة السياسيين، وليس تلك الانظمة الاستبدادية التي تستبعد المواطنين وتتعارض مع تطلعاتهم .
ثالثاً: على الحكومات التي تلتزم بالممارسات الديمقراطية وتدعمها أن تحصل على دعم دبلوماسي أكبر بكثير، ومساعدة تنموية وأمنية، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار الخاص بها ،
رابعا:الحاجة المبرمة للجهات الفاعلة في ترسيخ مفهوم الديمقراطية الدولية إلى إعادة إلزام نفسها بالمعايير من خلال بناء موقف أكثر توحيدًا في إطار استمرارية معارضة الانقلابات الغير قانونية والمخالفة لارادة الشعوب والعمل على عودة الأساليب الديمقراطية لتلك البلدان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى