الفرق بين الحزن والاكتئاب
معاذ الروبي
الحزن هو شعور إنساني طبيعي يشعر به الجميع في مرحلة ما من حياتهم. وهو استجابة مفهومة للظروف التي تسبب الضيق أو الانزعاج العاطفي. الحزن مثله مثل المشاعر الأخرى، سريع الزوال ويختفي مع مرور الوقت. هنا نجد أول فرق بين الحزن والاكتئاب والذي هو مرض عقلي يستمر لفترة طويلة. حيث إن له تأثير سلبي على الجوانب الاجتماعية والمهنية وغيرها من الجوانب الرئيسية في حياة المرء. يمكن أن تستمر أعراض الاكتئاب لفترة مديدة إذا تركت دون علاج.
من ناحية الأعراض فإنه من الممكن أن تكون حزينا، ولكن في نفس الوقت قادرا على الضحك أو الشعور بالراحة في بعض الأحيان. لكن مع الاكتئاب سيكون لمشاعرك تأثير على كل جزء من حياتك. حيث قد يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن تجد المتعة في أي شيء، بما في ذلك الأنشطة والأشخاص الذين كنت تستمتع بهم ومعهم سابقًا. لذلك يمكننا القول إن الاكتئاب هو حالة مرضيّة طبية وليس مجرد شعور عابر. يترافق الاكتئاب مع وجود دائم للحزن وسهولة في التهيج والاستثارة، كذلك تغييرات في روتين النوم أو الأكل (نقصان أو زيادة واضحة في الوزن خلال فترة زمنية قصيرة). أيضا يأتي مع صعوبات في التركيز وقلة الاهتمام بالأنشطة الممتعة سابقًا. بالإضافة لذلك توجد مشاعر بالذنب عميقة وغير مبررة. يمكن أن يأتي الاكتئاب بأعراض جسدية بدون سبب معروف، مثل الصداع أو بعض الآلام الجسدية. أيضا قد يرافق الحالات الشديدة التفكير المستمر بالموت أو حتى الاقدام على السلوك الانتحاري. بشكل عام، إذا كنت حزينًا بشكل مستمر، وكان لديك بعض هذه الأعراض لمدة أكثر من أسبوعين فعليك مراجعة الطبيب لوجود احتمالية أن تشخص بمرض الاكتئاب بغض النظر عن درجته ونوعه.
يعتمد الأطباء في التشخيص على معايير معينة وفقا لدليل DSM-5 الذي وضعته الجمعية الأمريكية للطب النفسي لتشخيص الأمراض النفسية. هناك تسعة أعراض رئيسية يقوم التشخيص الطبي عليها مع مراعاة شدة كل عرض. هذه الأعراض هي: الشعور بالاكتئاب والحزن الشديد في معظم الأيام أو كلها، قلة الاهتمام والاستمتاع بالأنشطة الممتعة سابقًا، صعوبة وقلة النوم (أو النوم الطويل)، صعوبة وقلة تناول الطعام (أو تناول الكثير من الطعام، بالإضافة إلى زيادة الوزن أو فقدانه)، التهيج (أو القلق، أو سهولة الاستثارة)، الشعور بالإرهاق بشكل مستمر، الشعور غير المبرر أو المبالغ فيه بالذنب أو انعدام القيمة، عدم القدرة على التركيز أو اتخاذ قرارات، أفكار أو أفعال انتحارية (أو كثرة التفكير بالموت).
يمكن أن يصيب الاكتئاب الرجال والنساء من أي فئة عمرية، وكذلك الأشخاص من مختلف المجموعات العرقية والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية. لكن هناك عوامل كثيرة قد تزيد من احتمالية الإصابة به (الاكتئاب). نذكر منها:
التعرض لصدمة في الطفولة المبكرة أو المراهقة، عدم القدرة على التعامل الصحيح مع حدث مؤلم في الحياة (مثل وفاة شخص مقرب)، الثقة الضعيفة بالنفس، وجود مرض عقلي نفسي في الأسرة (مثل اضطراب ثنائي القطب وغيره)، مواجهة صعوبة في التكيف مع حالة طبية خطيرة أو مزمنة (مثل السرطان أو الألم المزمن)، العزلة ونقص الدعم الأسري والاجتماعي .. إلى غير ذلك من عوامل الخطورة الأخرى. من الجدير بالذكر أن هناك بعض الأدوية يمكنها أن تسبب الاكتئاب كأثر جانبي مثل حاصرات بيتا (التي تستخدم في بعض أمراض الضغط والقلب) والكورتيزون.
عند مراجعة الطبيب، سيقوم باستخدام معايير التشخيص المبني على دليل DSM-5 للتمييز بين الحزن والاكتئاب. وسيناقش الأعراض معك بشكل مفصل متضمناً طرح الأسئلة وأحيانا تعبئة نموذج استبياني. من الممكن أيضًا إجراء فحص جسدي من قبل طبيبك. سيكشف هذا عن أي مشكلات صحية أساسية تؤثر على حالتك. واجراء بعض الاختبارات مثل اختبار الدم واختبار فحص نشاط الغدة الدرقية لأن لها أعراض مشابهة.
إذا كنت حزينًا أو مكتئبا، فقد يساعدك إجراء بعض التعديلات البسيطة في نمط الحياة على تجاوز ذلك. مثل تكوين صداقات مع الآخرين. أو الانضمام إلى نادي والمشاركة في الرياضة أو الأنشطة البدنية. هذا يشمل أيضا
أن تعتني بصحتك عن طريق تناول الطعام بشكل جيد والحصول على قسط كاف من النوم. ومع ذلك فقد لا تكون هذه التعديلات الحياتية كافية. لذلك إذا كنت مكتئبًا، فإن طلب المساعدة النفسية من أخصائي تثق به يمكن أن يكون مفيدا جدا. العلاج بالكلام مثل العلاج المعرفي السلوكي يعتبر من أهم العلاجات غير الدوائية للاكتئاب لكن في حالات أخرى قد يحتاج الشخص العلاج بالأدوية المضادة للاكتئاب والتي يقوم بصرفها الطبيب النفسي.
بالمختصر، الحزن هو ردّة فعل طبيعية ومحدودة وتختفي مع الوقت بشكل أسرع، لكن الاكتئاب هو حالة مرضية مستمرة بشكل أطول وقد تنشأ من عدة عوامل مسببة متداخلة، لكن غالبا قد لا يكون له أي سبب واضح ولا يستطيع الإنسان ربط شعوره بموقف أو حادث معين. يمكن تجاوز الحزن بسهولة بخلاف الاكتئاب الذي يؤثر سلباً على مختلف مناحي الحياة والأنشطة اليومية ويتطلب تدخل علاجي من أحد المختصين.
د. معاذ الروبي