تعاليقرأي

الفراعنة الجدد.. (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ)

—-

رشيد مصباح (فوزي)

الجزائر

*

مشكلتنا في هذا البلد تتمثّل في غياب ثقافة الحوار واحترام الرّأي الآخر. فكل واحد منا يرى أنّه على صواب، وغيره على خطأ. وكل واحد منّا يرى نفسه يملك الحقيقة وما على الآخرين سوى تبنّي رأيه الذي لا يحتمل الخطأ.
أمر غريب يحدث بيننا في هذه الأيّام؛ وفي مثل هذه الوسائط الاجتماعية، ووسائلها الحديثة التي صارت تتفنّن في توريث الجهل والاستبداد بالرّأي. وليتها كانت تقتصر على فئة معيّنة من النّاس، بل هي آخذة في الانتشار. حتى أنّك لا تكاد تجد من بين الناس في يومنا هذا من يقول لك بصراحة تامّة لا يشوبها نفاق ولا رياء أنّك على صواب وأنه على خطأ.
وكذلك يفعل الذين يحتكرون الكلمة في منابر الرأي العديدة، فإنّهم وجدوا في هذه المنابر فرصة للتسلّط على عقول البسطاء من النّاس.
*
كان من المنتظر أن تقوم المقاومة بردّة فعل مقابل الاعتداءات التي يقودها اليمين المتطرّف في فلسطين؛ سواء في المسجد الأقصى أو في الضفّة وفي جنين بالذّات، كما كان من المنتظر أيضا أن يكون هناك ردّة فعل على عمليات التطبيع التي تجري على قدم وساق، بين الكيان الغاصب وبعض الدوّل العربية.
وكما كان متوقّعا فقد جاء الرد على يد فصائل المقاومة في غزّة عبر عملية الطّوفان التي فاجأت الجميع بسرعة الإخراج و التنفيذ. وكان يوما مشهودا دفع فيه الكيان الجبان أثمانا باهظة.
لقد أثبت أصحاب الأرض، الحفاة العراة المهمّشين والمحاصرين من كل جانب، ما لا يدعو للشك، أنه مهما كانت طبيعة المعركة ونوعية الأسلحة المستعملة، فإن سلاح الإيمان لا يُقاوم. وزاد تأكيده، بعد انجرار الصهاينة الغزاة في حربهم القذرة التي تورّطوا فيها ووجدوا أنفسهم غارقين وسط مستنقع الدّماء، وغابت عنهم الحلول، و استنزفوا ما عندهم من الثروات البشرية والمادية، وتلاشت سمعتهم بسببها في الدّاخل والخارج.
*
لكن، وفي المقابل، تأتي المشاهد المروّعة لتبيّن أن هؤلاء الذين دفعوا أثمانا باهظة وتلاشت سمعتهم، وجدوا في هذه الحرب فرصة ليس للانتقام و بأبشع الصوّر وحسب؛ من ”حيوانات على هيئة بشر“ كما قال عنهم الوزير الإسرائيلي. بل ولتنفيذ ما كانوا يخطّطون له من قبل. وقد حصلوا على الضوء الأخضر من القوى العظمى التي خرج زعماؤها يندّدون بما فعلته المقاومة، وعلى رأس هذه القوى العالمية اللّوبي الصهيوأمريكي الذي لم يبخل ولم يتردّد في تزويد الكيان بمختلف الدّعم.
وتبيّن مما لا يدعو للشك أن عملية الطوفان هذه تم التخطيط لها بشهور وأعوام قبل تنفيذها، وقد تسرّبت بعض المعلومات التي تقول إن إيران كانت قد استضافت خلال المدّة التي سبقت العملية قيادات من فصائل المقاومة الفلسطينية عندها؛ لأيّام وأسابيع. ممّا يدلّ على أنّها كانت وراء العملية.
ولا يجب أن ننسى في الوقت ذاته، ونحن نتكلّم عن إيران، ما قامت به ميليشيّاتها التي استباحت الأرض والعرض في كل من العراق وسوريا واليمن، فماذا يعني أن تقدم إيران كل الدعم للمقاومة في غزّة وهي التي ارتكبت ميليشيّاتها عشرات المجازر ذهب ضحيتها آلاف الفلسطينيين في سوريا؟
*
لذلك هناك من يتحفّظ من هذه المقاومة التي تكون قد اُستدرجت من طرف هؤلاء الفرس المجوس الذين لم يخفوا يوما من الأيّام رغبتهم الشديدة في الانتقام من أهل السنّة، وقد تبيّن بما لا يدعو للشك ومن خلال الأحداث المتوالية بينهم وبين الصهاينة، أن ما يجري هو عبارة عن مسرحية وتقاسم أدوار. وهناك من ذهب إلى حد القول بأن اغتيال (هنية) هو صفقة بين إيران والكيان الصهيوني.
ولكن أصحاب المنابر ”ركبوا الموجة“ يتّهمون غيرهم بالخيانة ولم يمنحونهم الفرصة كي يعبّروا عن وجهة نظرهم بكل صدق؛ فكيف نردّ على هؤلاء ”الفراعنة الجدد“؟
احتكروا المنابر وكأنّها ملك توارثوه. احتكروا الكلمة وكأنّهم أوصياء على هذه الأمّة. يخاطبون النّاس بطرق مهينة توحي وكأنّهم يخاطبون قطيعا من الماعز والحمير. هؤلاء الذين تسلّطوا على النّاس بألسنة حداد، مستغلين طيبة النّاس وتواضعهم، وفيهم من احتكر منبر الرّسول باسم الدّين، والدّين والرّسول بريئان منهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى