أمن وإستراتيجية

العقيدة العالمية الجديدة لـ الحرب على الإرهاب

سعيد علام
ــــــــــــــ
“هذا غريب وجنونى، ان تقول ان كل ما نقوم به هو
بدافع الحصول على المال، ضرب من الجنون،
اظن انه عليك ان تعود الى مقاعد الدراسة.”
“جورج هـ. و. بوش”، رداً على اتهام
ابنه بأنه غزا العراق كى يفتح
اسواق جديدة للشركات
الامريكية.
واحدة من المهام الثقيلة، المطلوب من “فريق السيسى” تنفيذها خلال الرئاسة الثانية، هو الانخراط الكامل فيما يسمى بـ”الحرب العالمية على الارهاب”، وما يستتبعها من تغيير فى العقيدة القتالية للجيش المصرى، وليس من المبالغة القول بأن موقف “فريق السيسى” من هذه القضية، هو احد المحددات الاساسية لمستقبل نظامه نفسه.
تأتى “الحرب العالمية على الارهاب” كأبرز اشكال اقتصاد “رأسمالية الكوارث”، احدث الاقتصاديات الجديدة، اقتصاد كوارث طبيعية، كالاعاصير والزلازل او تفشى وباء، اونقص الموارد كالماء او الغذاء، او كوارث مصنعة، كالحروب، وعلى رأسها الان، “الحرب العالمية على الارهاب”، حرب مخصخصة بشكل كامل، وجميع وظائفها كالاعتقال غير المحدد والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون، تؤدى كصفقات تجارية بشكل شبه تام، اى حرب مخصصة بشكل كامل بنيت كى لا تنتهى، كأعمال تدر الارباح الطائلة للشركات المتعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الكبرى.
فمثلاً، المدراء التنفيذيون فى الشركات الامريكية الكبرى التى تعمل فى صناعة الكوارث تتجاوز مدخولاتهم مداخيل اقرانهم العاملون فى شركات الانترنت، ولكن مستويات التكتم لديهم تحاكى مستويات التكتم فى وكالة المخابرات المركزية، فالرأسماليون فى صناعة الكوارث يخدعون الصحافة، ويقللون من قيمة ثرواتهم، ويتفادون التفاخر.
تلاقى القوى الحاصل وراء فقاعة الحرب على الارهاب، تقوم فيها الحكومة بزيادة جمع المعلومات، وتستميت صناعة تكنلوجيا المعلومات فى سبيل فتح اسواق جديدة، اى انها الشركاتية: شركة وحكومة كبيرتان تجمعان قواهما الهائلتين لتنظيم حياة المواطنين وضبطها، ويحققان من وراء ذلك ارباحاً طائلة.
الحرب المخصخصة على العراق !
ما هو الدور الذى لعبته مصالح الشركات الخاصة فى حماسة فريق بوش لغزو العراق واحتلاله؟!
ما هو الدور الذى لعبته ارباح المتعاقدين كـ”هاليبرتون” و”بكتل” وشركات النفط كـ”اكسون موبيل”، فى حماسة فريق بوش لغزو العراق واحتلاله؟!
المراسل السابق فى الـ”نيويورك تايمز” “ستيفن كينزر” فى كتابه (الانقلاب) عام 2006، فى بحثه للتوصل الى المحفز الاساسى للسياسين الامريكيين الذين امروا بأجراء انقلابات خارجية وتولوا تنظيمها لتغيير الانظمة، بدءاً بـ”هاواى” عام 1893، وصولاً الى العراق عام 2003، لاحظ الكاتب انه غالباً ما تحصل عملية واضحة مكونة من ثلاث مراحل:
المرحلة الاولى، تواجه شركة متعددة الجنسيات مقرها الولايات المتحدة، نوعاً من الخطر على ارباحها اثر طلب حكومة اجنبية منها “دفع الضرائب المستحقة، او احترام قوانين العمل او البيئة المحيطة”. قد تؤمم هذه الشركة فى بعض الحالات، (علينا ان نتذكر هنا، تأميم شركة قناة السويس فى مصر، والعدوان الثلاثى الذى اعقب التأميم، ولم تكن الولايات المتحدة، فى ذلك الوقت، زعيمة العالم بعد، بل كانت فى مرحلة الصراع من اجل الزعامة، التى حصلت عليها)، او قد يطلب منها بيع بعض اراضيها او اصولها.
المرحلة الثانية، يرصد فيها السياسون الامريكيون، هذه النكسة فى الشركة ويعيدون تفسيرها كهجوم يستهدف الولايات المتحدة: “يحول الحافز الاقتصادى الى حافز سياسى او جيواستراتيجى، فهم يفترضون ان كل نظام قد يزعج شركة امريكية او يضايقها، هو معاد للولايات المتحدة، وقمعى وديكتاتورى، ولابد ان يشكل اداة لقوة او مصلحة خارجية، تريد اضعاف الولايات المتحدة”.
المرحلة الثالثة، حين يصبح على السياسيين ان يقنعوا الرأى العام بضرورة التدخل، هنا تصبح المسألة صراعاً عاماً مرسوماً بين الخير والشر، “فرصة لتحرير شعب فقير ومقموع من وحشية نظام يفترض انه ديكتاتورى، باعتبار انه ما من نظام غير ذلك يمكنه ان يزعج شركة امريكية”؛ بأختصار، ان جزءاً كبيراً من سياسة الولايات المتحدة الخارجية، تمرس فى التقدير العام، تخلط فيه نخبة انانية بين حاجاتها ورغباتها، وحاجات العالم بأسره.
يشير “كينزر” الى ان الميل الى عدم الفصل بين الخاص والعام، كان واضحاً هذا الميل لدى السياسين الذين ينتقلون مباشرة من عالم الشركات الى الوظيفة العامة، حيث يعتبر مهندسوا الحرب على الارهاب من اوائل المستفدين من الكوارث، حين تشكل لهم الحروب وغيرها من الكوارث، هدفاً بحد ذاته، حين يخلط ديك تشينى ودونالد رامسفيلد بين ما هو جيد لـ”لوكهيد” و”هاليبرتون” و”كارلايل” و”غيلياد”، وما هو مفيد للولايات المتحدة والعالم، يعتبر تقيمهما ذا عواقب خطيرة، فالكوارث هى التى تزيد من ارباح تلك الشركات، – الحروب والآوبئة والكوارث الطبيعية ونقص الموارد، اى ان من مصلحة تلك الشركات زيادة واستمرار الكوارث.
ان قضية العراق تنطبق بشكل كامل على معادلة “كينزر”، فصدام حسين لم يكن يشك خطراً على امن الولايات المتحدة، بل على شركات الطاقة لديها، اذ كان قد وقع عقوداً مع شركة نفط روسية، وكان يخوض مفاوضات مع شركتة “توتال” الفرنسية، مهملاً بذلك شركات النفط الامريكية والبريطانية، كان البلد الثالث فى العالم من حيث احتياطى النفط يفلت من القبضة الامريكية البريطانية، لذا جاء الانقلاب على صدام ليفتح افقاً جديداً امام عقود النفط العملاقة؛ كانت الحرب بحد ذاتها مصدر ربح وفير.
على سبيل المثال، استفاد ديك تشينى، نائب الرئيس، من اسهمه فى شركة “هاليبرتون”، حيث قفز سعر السهم بنسبة 300%، بفضل تحليق اسعار الطاقة وابرام العقود، اللذين نتجا كلاهما بشكل مباشر عن دفع تشينى بالبلاد الى شن حرب على العراق.
لماذا مازال علم الاقتصاد والمالية، غامضاً !
“كما لا يوجد طريقة لطيفة ورقيقة لاحتلال الشعوب رغم اراداتها، ما من طريقة رقيقة سلمية لسلب ملايين المواطنين ما يحتجون اليه ليعيشوا بكرامة”، لا توجد سوى طريقة “التطهير السياسى العنيف” الذى تليه عملية التنظيف التى تقوم بها فرق حقوق الانسان، كما تنبأ رادولف والش “: “ستختطف ارواح كثيرة بعد، عن طريق “البؤس المخطط له”، اكثر منه عن طريق الرصاص”.
لماذا يؤيد معظم الناس وجهة النظر الامريكية فى “الحرب العالمية على الارهاب”، ماعدا الفئات المستهدفة بالطبع؟!
بعد انتهاء مرحلة الاستعمار العسكرى، وتشكل مرحلة الاستعباد المالى، الذى تلعب فيه المؤسسات المالية العالمية، دور رأس الحربة، فى استنزاف ثروات الشعوب وطاقاتها البشرية، ما يحقق فائض الثروة لدى الشركات المتعددة الجنسيات والمؤسسات المالية، هذا الفائض الذى يحصل على جانب بسيط منه مواطنى الدول المتقدمة المستغلون هم ايضاً، ولتحقيق هذا الفائض، تعمل القوى الحاكمة عالمياً على توظيف او خلق الكوارث، الذى لا تمثل “الحرب العالمية على الارهاب” الا احدث تجلياتها.
ان مجرد الحديث عن الاسباب العميقة، والعوامل المباشرة وغير المباشرة، التى تقف وراء انتشار ظاهرة التطرف والارهاب، المرفوضان، ان مجرد الحديث عن ذلك سيواجه بالاتهام الجاهز بانه: “تبرير للارهاب”، هذا المنع من المنبع، لاى مناقشة علمية لهذه الظاهرة الخطيرة، هو بالضبط ما يساعد على انتشارها، ويحقق مصالح للبعض.
فبدلاً من المناقشة الجادة، يأتى دور كلً من التعليم والاعلام، الدور الذى لا غنى عنه، فى الاخفاء والتضليل للاهداف المالية والاقتصادية التى تختبئ وراء كل السياسات الوحشية والغير الانسانية، فبعد ممارسة العنف والارهاب الامنى والسياسى، لتمرير هذه السياسات التى تستهدف تحقيق اهداف اقتصادية ومالية، والتى تؤدى الى “ذبح” الملايين من الفئات الغير قادرة اقتصادياً، سواء بالقتل او بالتجويع، تقوم فرق حقوق الانسان بدور المنظف للدماء المتبقية من عملية “الذبح”، وقبل واثناء وبعد “الذبح” يقوم كلً من التعليم والاعلام بدورهما فى اخفاء حقيقة اصحاب المصالح من وراء هذه السياسات، وكذلك اخفاء طرق وعلاقات جنى الثروات الهائلة التى كانت وراء عملية “الذبح”.
وتشكل فرق هائلة من “الخبراء والعلماء الاقتصاديين” المحتوى “العلمى والتعليمى” المضلل للحقائق والاهداف الاقتصادية من وراء السياسات، وتستخدم فى سبيل تحقيق ذلك الوعى المزيف، كل اساليب الاحتيال والتضليل “العلمى” لصالح اسيادهم، من خلال ادوات ومؤسسات التعليم والاعلام، لاخفاء الطابع الاجرامى لسياسات التدمير والافقار للفئات الغير قادرة اقتصادياً، من خلال فرض حروب عليهم لا ذنب لهم فيها، لصالح تراكم المزيد من الثروة لدى الفئات القادرة اقتصادياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى