العبقرية العسكرية في معركة الجرف التاريخية

في يوم، 22 سبتمبر، من سنة 1955م، وفي ولاية عظيمة من ولايات الشرق الجزائرية، وهي (تبسة).. حدثت معركة خارقة للمألوف بأتم معنى الكلمة للقواعد المألوفة في الدراسات الاستراتيجية، شكلت طيلة ثمانية أيام قمة العبقرية الفنية للمجاهدين في الجمع بين العوامل الجغرافية والعتاد المادي والكوادر البشرية والقاعدة الروحية. إنَّ كل متخصص في المجال إذا ما درسها بعمق تقني سيرى أن التخطيط المحكم يؤهل هذه المعركة لتتبوأ مكانة لها في التاريخ العالمي مع عدة معارك تاريخية تتجاوز حتى أساطير الحضارات القديمة وأشعار هوميروس الإغريقي، وهذا يدل على وجود نوع من الذكاء النافذ والبصيرة العالية والروح المعنوية الرفيعة للمجاهد الجزائري، فهنا قد تقابل 500 مجاهد ضد 40 ألف جندي فرنسي، أي ما يساوي 1.25% فقط من تعداد القوات المقابلة.. وهنا بالذات تظهر بشكل قاطع ولا يقبل أدنى شك صدق آية {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}، حيث أن الكمية لا تشكل دوما الحقيقة الكاملة. فكانت تلك المعركة ميدانا أيضا لأعاجيب تفوق مستويات التحليل الاستراتيجي وتنظيراته النسبية ومتجاوزة للأسباب والمقاييس الأرضية.
في سنة 1955م قام مجاهدو جیش التحریر الوطني بالإشتباك مع قوات الجیش الفرنسي في جبل “الجرف” بین تلك القمم الشاهقة والصخور العالیة والمغاویر العمیقة، فاستفادوا إذن من التضاریس البریة أحسن استفادة رغم قلة عددهم ونقصان سلاحهم متفوقین في ذلك بعنصري
المباغتة والسرعة. فكانت نتیجة المعركة -ويمكن العودة إلى كتاب الباحث العسكري “بسام العسلي” (جيش التحرير الوطني الجزائري) للاستزادة في المعلومات- هي انتصار للمجاهدین بعد قتل أربع مائة 400 جندي فرنسي على الأقل وإسقاط ثماني 8 طائرات، وإصابة ثلاث 3 مصفحات، وغنم مدفعین 2 من نوع (بازوكا)، وأربعین 40 بندقیة، وجهازا لاسلكیا (مرسل لاقط).
وفي غیاب الوسائل اللازمة أحیانا، ولتفادي التشویش أو الرصد الإلكترونیین أحیانا أخرى، فقد كان المجاهدون یتفقون على بدأ القتال ومهاجمة العدو فور سماع الأذان والتكبیر من الربوات المقابلة. فما إن تعلو تكبیرة “الله أكبر” حتى تكون إشارة التحرك لهم.
لقد حدثت في “جبل الجرف” عدة معارك، كللتها إنتصارات كبیرة لجیش التحریر، مستفیدا في ذلك من خبرة مقاتلیه المیدانیة في التضاریس الجغرافیة الصعبة. ویجدر بالذكر أنه في معركة أخرى على نفس الجبل، تمكن المجاهدون، من إسقاط ستة طائرات عمودیة (نموذج سكورسكي)، وطائرة مطاردة (نموذج تندربلت)، وإصابة طائرة (بیبركاب)، مع إحراق سبعة سیارات كبیرة من سیارات نقل الجند، علاوة على تدمیر كمیات من أعتدة العدو وتجهیزاته القتالية.
وبذلك سجلت معركة الجرف بتبسة صفحة تاريخية عتيدةً تستحق عن جدارة أن تكون نموذجا يحتذى به في الذكاء الاستراتيجي المحكم والإيمان الثابت الراسخ.
تحيا الجزائر.. والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار وبارك الله فيهم وفي تعبهم وجراحهم وقتالهم ولتتبارك أعمالهم وأرواحهم إلى أبد الآبدين.. آمين.

الطالب نبيل كحلوش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى