الصفر من نصيبها

الدكتور خيام الزعبي- كاتب سياسي سوري

سورية اليوم وعلى إمتداد خارطتها الجغرافية ـ السياسية محط أنظار العالم بأكمله، وحديث الساعة عن قطار المصالحات السورية العربية، فهناك إنجازات سياسية وإستراتيجية وعسكرية ملفتة، لذلك تجري الدول العربية مراجعة شاملة إستناداً إلى ما تشهده المنطقة من تغيرات، هدفها إعادة العلاقات بين دمشق والدول العربية إلى ما كانت عليه في السابق، إنطلاقاً من حاجتها إلى محور سورية المقاومة و الحفاظ على الأمن والاستقرار و إيجاد حلول للأزمة في سورية.

لا شك أن عودة سورية الى جامعة الدول العربية تمثل التحدي الأكبر للأنظمة المعادية لسورية، وهو الذي يستطيع أن يحدث تغييراً مهماً في معادلة إدارة الصراعات، وعاملاً أساسياً في قيادة الدفة العربية من جديد، وعليه، إن عودة سورية إلى الحضن العربي يعيد بريق الريادة مرة أخرى في المنطقة كونها قادرة على إستعادة الزمام ولململة شتات النظام الإقليمى العربي .

في هذا السياق نجحت سورية في فرض الحالة الحالية، بدلالة التقاربات الأخيرة التي شهدتها المنطقة العربية مع دمشق، هذا ما يجعل ما يسمى بـ”المعارضة السورية الخارجية” خارج الحسابات المطروحة وسط مشهد سياسي متقلب، وتشكيلات إقليمية تغيرت معادلاتها وعلاقاتها، وأمام هذا الحدث المهم، اكتفت “المعارضة” بالبيانات والشعارات الرافضة للتطبيع، وتكتفي بإصدار البيانات التي تطالب بعدم التطبيع مع الحكومة السورية بعدما أصبحت بلا أوراق ضغط خصوصاً مع التبدل الكبير في الموقفين التركي والسعودي.

اللافت هنا، أن معظم المعارضين تركوا وطنهم وأرضهم، وارتضوا أن يضعوا أنفسهم في خدمة حكومات وأجهزة مخابرات إقليمية ودولية، ظناً أن ذلك سوف يجعلهم يحققون حلمهم في الحكم أو التغيير.

ولكن هؤلاء المعارضون في الأسابيع الأخيرة اكتشفوا أن هذا “الخارج” بدأ يتخلى عنهم، وتركهم يواجهون مصيرا مجهولا بعد أن ظنوا أن العلاقة لا يمكن أن تصل إلى مستوى الاستغناء عنهم أبدا.

الخطأ الذى وقع فيه كل معارض من هذا النوع، هو اعتقاده أن الحكومات الأجنبية تتبنى قضيته وتؤمن بها، وينسى دائما أنه كشخص أو تنظيم أو حزب مجرد ورقة تستخدمها هذه الحكومة، أو ذاك الجهاز لمساومة دولته من أجل مصلحة هنا أو صفقة هناك.

وهنا لست بحاجة إلى تذكير القارئ بقائمة الغدر الامريكي بحلفائها واصدقائها قد تكون طويله ، ومن الامثله على ذلك تخلي الاداره الامريكيه عن مبارك ومطالبته بالتنحي ، وبادرت هذه الاداره بفتح قنوات مع كل من كان يحتمل ان يكون له مستقبل سياسي في مصر ومنهم الاخوان المسلمين ، وكيف تخلت أمريكا عن كل الأفغان وتركتهم لمصير شنيع، ولكن للاسف لازال هنالك من يثق بأمريكا ويضع كل بيضه في سلتها ، وينفذ كل أوامرها وإملاءاتها .

وقد وصل الأمر بالمعارضة إلى الاختلاف على كل شيء، بما في ذلك المسارات الداعية إلى الحل السياسي، مثل مساري “أستانا” و”سوتشي”، وهما مساران برز من خلالهما تأثير الدول المعنية والقوى الفاعلة بالملف السوري في انتقاء أسماء الشخصيات المفضلة لها، وهو ما ظهر في انتقاء وفد المعارضة والتعقيد الذي اعترى تشكيل وفد المجتمع المدني، ولكن الخلافات الموضوعية المتجذرة تعود في جذورها إلى قبول المعارضة الخارجية بأن تكون رهينة تمثيل نفوذ الدول التي منحتها غطاءً سياسياً وتعترف بشرعيتها.

إنّ المتأمل في حال المعارضة اليوم، سيجد أنها أصبحت “صفراً سياسياً” كونها لا تمتلك استقلالية في قراراتها وتوجهاتها وهي في الوقت ذاته لا تتمتّع بمرونة وجود أكثر من معارضة أخرى، ولا تقر بقبول الآخر حتى ضمن التصنيف ذاته “المعارض” وخير دليل على ذلك هو إقدام الائتلاف وغيره من مكونات المعارضة على اتهام رياض الحجاب بأنه يهدف من خلال عقد ورشة الدوحة إلى الترويج مجدداً لنفسه، وتقديم نفسه على أنه قادر على جمع شتات المعارضة، بالإضافة الى استمرار توظيف المعارضة إقليمياً للحفاظ على تأثيرها ودورها في الملف السوري.

لا شك أن اللحظة الراهنة التي تمر بها سورية هي لحظة المواقف الوطنية الشجاعة والمسؤولة، لحظة ترك الخصومات والصراعات في سبيل تحقيق الإصطفاف الوطني الكامل إزاء كل التحديات والصعوبات لتجاوزها والعبور بالوطن إلى المستقبل المنشود، فاليوم ليس وقت المزايدات الواهنة ولا وقت التقاعس عن المساهمة الصادقة في إنقاذ الوطن مما هو فيه دون إشتراط مصالح آنية ودون الإلتفات إلى الماضي بأحقاده وصراعاته، بإعتبار ذلك الماضي صفحة لابد من طيها إلى غير رجعة والإقبال على الحاضر لتطويعه باتجاه مستقبل أكثر أمناً وإشراقاً.

وهنا أرى بأنه لا وقت للإنتظار والتسويف، ولا وقت للمراهنات الخاسرة على المشاريع الدونية أو بث العراقيل في طريق المشروع الوطني الكبير والجامع لكل السوريين، لا وقت للمواقف الانتهازية أو العبثية ولا وقت لإستقواء طرف على طرف، لذلك يجب أن يتكاتف السوريون في هذه المرحلة الحساسة وأن يوحدوا صفوفهم من أجل تحقيق الأمن والإستقرار لوطننا الغالي “سورية” والتوحد حول المشروع الكفيل بمجابهة الهجمة على سورية وشعبها وبناء مستقبلها الزاهر.

أخيراً…إننا اليوم ومن خلال مراجعة الحال السياسية للدول والأطراف التي راهنت على الولايات المتحدة في ظل أزمات المنطقة المُفتعلة، يمكن رؤية أمثلة كثيرة وجديدة، على من باعتهم واشنطن في بازار التوافقات، أو استغنت عنهم لأجل مصالح وأهداف خاصة، وهذا ما يلخص السياسة الأمريكية بشكل واضح وبسيط ” المصالح الأمريكية أولا “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى