الصراع على السلطة لا يخدم القضية الفلسطينية.
تمارا حداد.
تفاءل الشعب الفلسطيني باجتماع “العلمين” في جمهورية مصر العربية لعله أن يُخرج مقترحات لتوحيد الجبهة الوطنية وترسيخ نظام سياسي مُحدث عبر انتخابات شاملة تُرسخ الحالة الديقراطية ما يُعزز رضا الجمهور الفلسطيني عن اختياره لقيادته وتحقيق الأمن والاستقرار، لكن بعد الاجتماع ساد الإحباط بين صفوف الشارع الفلسطيني حيث كان همه الأكبر إحداث حالة من التغيير الجذري وهندسة “هندرة” لكل الواقع الاداري والسياسي والاقتصادي وليس ضمن تغير جُزئي لأي حالة تتشكل سواء على مستوى الحكومة او المحافظين او غيرها من التغيرات فالشعب لا يهمه الاسماء بقدر أهمية مشاركته في حالة انتخابية ديمقراطية تُعزز شفافية ونزاهة الاختيار دون الارتكاز على الهدف الوحيد الذي تريده السلطة وهي تعزيز الأمن ما ينسجم مع رؤية الاحتلال وهي تعزيز القبضة الامنية دون أفق سياسي والابقاء على كنتونات ادارية ذاتية وانتهاء السلطة الحالية هي مسألة وقت.
المُراقب للوضع الفلسطيني يلحظ أن الصراع الحاضر هو على السلطة وليس صراعاً على وضع أسس تُعيد الحالة الوطنية وهذا الصراع بين مكونات امنية وشخصية حيث باتت الصراعات الداخلية تطفو على السطح امام غياب مؤشرات على الساحة الفلسطينية في المرحلة المقبلة تشي بإمكانية تحقيق المصالحة للخروج من مأزق انعدام الافق السياسي او الدعوة لانتخابات تؤمِن التداول السلمي للفلسطينيين قبل الفوضى المُقبلة والمخطط لها.
النظام السياسي الفلسطيني منقسم وصراعاً ظاهراً بين عدد من السياسيين والامنيين بل الصراع سيزداد بعد الرئيس الفلسطيني “ابو مازن” وقد يكون آخر رئيس للسلطة كون الرئيس القادم هو مهمته رئيس البلديات وروابط المدن ما يتقاطع مع وجهة اسرائيل وهي الضفة الغربية “يهودا والسامرا” تحت سيادتها والفلسطينيين مجرد عبيد دولة اسرائيل وحياتهم في الضفة سوى ضمن وجهة ادارية وخدمية وجعل على كل محافظة زعيم امني يُرسخ أمن الاحتلال.
التعقيدات تسود المشهد الفلسطيني وسط حالة من الانقسام السياسي والاداري والقانوني والجغرافي ومستقبلاً الانقسام الديمغرافي، وهذه التعقيدات تترافق مع ما يدور في الاقليم من صفقات امريكية اسرائيلية عربية على حساب القضية فالدول تبحث عن مصلحتها وبحكم السياسة شيء طبيعي ان تُحقق ذاتها امام غياب الذات الوحدوية الفلسطينية والاهتمام بالمصالح السلطوية الشخصية.
الحال لا يسر الجميع لغياب مبادئ العمل المؤسسي وارساء تداول السلطة سلمياً وتغليب قوة المنطق بدل منطق المحاصصة الشخصية، بقاء الامور دون مصالحة سيدفع غزة لانفصال كلي وفوضى عارمة ستحدث في الضفة واستغلال ذلك من قبل الاحتلال كفرصة لضم الارض وبناء المزيد من المستوطنات والتي قتلت حلم الدولتين وانشاء نظام اداري جديد وسلطات محلية في الضفة.
تصريحات نتنيناهو واضحة لا دولة فلسطينية اضافة الى دعمه لخطة سموتريتش حول ترسيخ السيادة الاسرائيلية على الضفة الغربية والسيطرة التدريجية عليها مقابل اضعاف السلطة سياسياً وادارياً ومادياً وتحديث شكلها الى سلطة بلدية كبرى في كل محافظة اضافة الى وظيفة الامن وانهاك اي حالة مقاومة على الارض رغم التطور النوعي في الموقف الدولي مثل قرار حكومة استراليا التي اشارت الى ان الاراضي الفلسطينية هي اراض محتلة وهي نقطة ايجابية في عمل الجالية الفلسطينية في استراليا وهذا يشجع دول اخرى نحو التقدم في المواقف الدولية التي تتوافق مع الشرعية الدولية والقرارات الاممية التي تؤكد حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني الا ان واقع الحال الفلسطيني وشرذمته وعدم تعزيز نظام سياسي فعلي شامل ديمقراطي في الضفة وغزة سيُعزز ابتعاد الدول عن الدفاع عن القضية الفلسطينية، ومع استمرار الخطة الامنية الاسرائيلية الامريكية والاقليمية باستبدال الحقوق الفلسطينية بحوافز مالية واقتصادية معظمها سوف تقع في خانة الوعود والاوهام فان رؤية اليمين المتطرف ستُحسم الصراع الفلسطيني_ الاسرائيلي امام غياب رؤية وطنية فعلية.
ان مبادرة نتينياهو لن تتغير حُكماً ذاتياً للفلسطينيين فقط والأمن الداخلي يكون من اختصاص السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، والأمن الخارجي والمستوطنات تكون تحت الرعاية الأمنية المباشرة لقوات الاحتلال الإسرائيلي والسيادة الاسرائيلية الكلية على الضفة للاحتلال، وفيما يتعلق بالقدس سيستمر التهويد لشطريها وتعزيز الهوية اليهودية فيها وحق العودة منهياً كلياً ضمن سياسة الاحتلال.
إن الواقع الفلسطيني مرير وتجاوز الأزمة ضرورة وليست ترفاً وهذا يتطلب عمل الجميع بمسؤولية للخروج من المأزق وهذا يحتاج إلى حراك في الشارع وحراك في مؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية والشعبية والنقابات والاتحادات لوضع حد لهذا الانهيار لان المستفيد الأول هو الاحتلال.