السياسة تسيِّر حياتنا كلها
صلاح الدين محسن
كاتب متنوع الاهتمامات
شئنا أم لم نشأ ، فهمنا أم لم نفهم ، وعينا ، أم لم نعي .. فالسياسة – ان حسنت أو ساءت – هي التي تحدد نوعية وكيفية كل شيء في حياتنا ، بالجيد أو بالسيء ، بالغالي أو بالرخيص
ارتفعت الأسعار أم انخفضت , قل التموين أم توفر , الشوارع نظيفة أم العكس .. الهواء نقي أم ملوث .. الماء نقي ام ملوث , الطرق والمرافق سليمة أم سيئة .. أو غير متوفرة … الخ …
كل تلك الأشياء تقف وراءها السياسة – والساسة.. ان حسنت حسنوا , وان ساءت وساءوا : ساء كل شيء – …
فَهِم من يفهم , وجَهَل من يجهل ..
لو قامت حرب عالمية هذا العام ، وتم افناء الكرة الأرضية ، فالسياسة / بفشل وغباء السياسيين ، هي المسبب
وإذا تفاوض كبار حكام العالم واتفقوا عل حلٍ وسط للمشاكل لتفادي حرب عالمية ، وتصالحوا علي صياغة مباديء تنافس اقتصادي شريف بين كبريات الدول ، وتصفية أسلحة الدمار الشامل .. فالفاعل والناجح هنا هو السياسة , والساسة
حتي لو اخترنا اللهو بمشاهدة ألعاب رياضية أو بسماع أغاني وموسيقي ورقص ( .. أو النأي عن المشاكل بشرب الخمور والمخدرات ، أو لعب القمار ) فالسياسة سفينة أوقطار يسير بِنَا ونحن غافلون أو مستسلمون للقدر الذي سوف تقدره لنا السياسة . .. ) والسياسة سيكون لها دور في رقي أو هبوط مستويات – أو توقف – حتي تلك الأشياء اللاهية / بقدر أو بآخر م بشكل أو بآخر
الوعي السياسي جزء من الوعي العام
الثقافة السياسية هي جزء من الثقافة العامة للمثقف ، وغيابها هو قصور ثقافي
أكتب كثيراً في السياسة , والزج بي في السجن عام 2000 في الحقيقة كان بسبب كتاب في السياسة – كما ذكرت من قبل أكثر من مرة – ..
في مقال سابق لي – منشور بالانترنت – جاء تعليق غريب لأحد القراء يقول : انت تصلح وزيرا للخارجية ..
وكان ردي : ليس كل من يكتب في السياسة يصلح لمنصب وزير الخارجية ، هذا منصب سياسي . بينما الكاتب ليس بالضرورة يصلح لتولي منصب سياسي – وليست لدي مواهب قيادية أو ادارية مما تتطلبها السياسة .
السياسي ليس من يتولي منصباً سياسياً رفيعاً بالمدفع والدبابة – هذا مغتصب محتل , مستعمر , او قل هو : قاطع طريق
السياسي ليس من يقوم بتعيينه سياسي مغتصب للسلطة ..
ولا السياسي هو من ورث السلطة من زميل أو قائد له , كان قد ورثها عن زميل أسبق , وذاك الأسبق كان قد ورثها عن زميل أقدم.. كان عضوا في جبهة زعمت تحرير وطن , ثم احتلته بدلاً من المحتل الأجنبي .. ! جبهة تحرير انكشف وجهها كعصابة سرقت السلطة وطغت وفسدت وأفسدت وتجبرت وتكبرت ! هناك فرق بين الزعيم السياسي الموهوب خادم شعبه و وطنه , وبين عضو في عصابة نصب و سطو واغتصاب سياسي – باسم ثورة ! أو حركة ضباط , أو جبهة تحرير ! – ثم احتراف السياسة بدون جدارة ولا استحقاق .
السياسي يجب أن يكون مثقفاً وبالضرورة .
السياسي هو من يتدرج في سلم السلطة , من اول درجة في السلم .. يفوز بمنصب مجلس محلي لقرية أو حي ..في انتخابات يشهد لها بالنزاهة ولا تشوبها شائبة , في شعب متعلم متحضر ديموقراطي , ويثبت كفاءة .. و بعد سنوات يفوز في انتخابات برئاسة مجلس المدينة .. ويثبت كفاءة .. ثم يفوز في انتخابات مجلس المحافظة أو المقاطعة أو الولاية .. ويثبت كفاءة كحاكم للمحافظة أو المقاطعة .. ثم يتم ترشيحه لتولي وزارة .. ثم وزارة أخري ,, ويثبت كفاءة في ادارة الوزارتين ..
ثم يترشح لرئاسة الدولة .. ويفوز في انتخابات نزيهة لا تشوبها شائبة
هذا هو السياسي ..
السياسة موهبة كأية موهبة .. يمكن أن تصقلها دراسة علم السياسة في الجامعة
لكن دراسة علم السياسة في الجامعة , لا تقدر وحدها علي افراز سياسي موهوب وكفء .. قد تتوقف تلك الدراسة علي مجرد تخريج دارس نظري أكاديمي . يصلح ليكون أستاذاً جامعياً / فقط لتدرِيّس علم السياسة / ولا أكثر من ذلك .
في الدول التي لها رؤساء ملوك أو أمراء لا يفهمون الا في العدس أو الفتوش أو الكبسة أو التشريب والتمن والمرق أو الكسكس أو التبولة .. قد يعينوا رئيساً للوزراء لمجرد انه يحمل دكتوراة في السياسة وفارس مغوار في قاعة المحاضرات أو عميد لكلية السياسة والاقتصاد .. ! فيحقق فشلاً ذريعاً ..
ريس الوزراء يجب أن يكون مثقفاً ثقافة عامة .. لأنه هو الذي سوف يقوم باختيار وبتوجيه ومحاسبة وزير الزراعة , و وزير الصناعة , وزير التجارة , و وزير الشباب والرياضة , و وزيرة البيئة , وزيرة شؤون الامومة والطفولة .. وجميع الوزراء .. بمن فيهم : وزير الداخلية و وزير الدفاع – و وزير الأمن العام والمباحث – كبير البصاصين / حسب تعبير ” الجبرتي ” المؤرخ المصري – عام 1753 م : 1825م
ليس مطلوباً من المثقف أو الكاتب , أن يكون خبيراً سياسياً , ولا مفكراً أومنظرا في السياسة .. كلا . بل يكون مدركاً لدور السياسة وأهميتها في حياتنا . وفاهماً لتحركاتها .. ولا يصل به الجهل – كما الدهماء – لدرجة التعامل معها كما لو كانت سُبّة تشين من يهتم بها , أو شيء من قبيل العبث الخطر الواجب تجنبه !! .. فسؤ الساسة لا يعني الابتعاد عن السياسة والدعوة لاجتنابها , والا فنحن ندعو للابتعاد عن أنفسنا وحياتنا وشؤوننا وترك الساسة المغفلين والجهلاء والفاسدين يلعبون ويعبثون بمقدراتنا .. ونحن مبتعدون وكأن الامر لا يعنينا .. !!
هناك من يبتعدون عمن لديهم مجرد اهتمام بالسياسة ويجتنبونهم , كما اجتناب العربان للبعير الأجرب , خشية العدوي .. !
وهناك من هم محسوبون علي الفكر والثقافة .. ويدعون لاجتناب السياسة والاتجاه لكرة القدم ولانواع أخري من الرياضة
يبدو أن هؤلاء لم يسمعوا عن مساهمة واهتمام شخصيات فكرية وأدبية وشعرية – رموز ورواد – بالسياسة , ودفعوا ضريبة نضال سياسي .. إما بالنفي او السجن , او المطاردة والملاحقة البوليسية لمدد طويلة . كما عباس العقاد , وأحمد شوقي , وبيرم التونسي , وعبد الله النديم .. وغيرهم ممن جاءوا بعدهم , من الأسماء الكبيرة الرائدة الذين تعرضوا للسجن , في عصر الحكم العسكري والحكام العسكر المختلفين – الأبنودي , وأحمد فؤاد نجم – وشعراء آخرين غيرهم , تعرضوا للسجن .. ورموز فكرية رفيعة مثل : لويس عوض , محمود أمين العالم – وغيرهما – , ومعاصرون مناضلون حاليون سجنوا , ومن هم – خلف القضبان – كثيرون لا يتسع المكان هنا لسرد أسمائهم ..
أحب القراءة والمتابعة والكتابة في السياسة .. لكن عقليتي ليست رياضياتية , لا تستسيغ أبدا ” علم الجبر” بالذات والحساب , نهائياً . ودائما كان يوجد عداء مستحكم بيني وبين مدرسي الرياضيات في كل مراحل التعليم , يكرهونني ولا أحبهم .. في السنة الثانية من الدراسة الاعدادية طلبت الكلام من مدرس الجبر , وسيطرت علي نفسي لكي لا تظهر كراهيتي الشدية له ولمادة الجبر , وسألتة : أستاذ .. ما هي وظيفة الجبر في الحياة العملية ؟..
فقال – بعدما أشار لي بالجلوس – : يستخدمونه في شركات الأدوية , لعمل المعادلات والوصول للحسابت المطلوبة
فهمت الكلام اجمالاً . وعرفت ان له اهمية كبري . وبقيت عدم مقدرتي علي حل مسالة جبر !
للآن مخي لا يحتمل سماع 4 كلمات فقط حول الجبر .. ولكن مما قاله المدرس زمان , يمكنني أتصور استعمال المعادلات الجبرية بالاضافة لشركات صناعة الأدوية , أظنه يستخدم في التركيبات الكيميائية المختلفة , وحسابات تصميم المشاريع الهندسية الكبري , وفي علم الفضاء الخارجي وكل ما يتعلق بصناعة واطلاق سفن الفضاء وقياس المسافات والأبعاد الفلكية الجبارة – هكذا أتصور أهمية الجبر – منذ سمعت ما قاله لي المدرس .. وعرفت الأهمية الكبري له . وفيما بعد .. علمت ان قدماء المصريين قد استخدموا علم الجبر . وتوجد برديات تحمل معادلات جبرية .. !
https://www.google.ca/url?sa=i&url=https%3A%2F%2Fkelmetna.org%2F6767%2F&psig=AOvVaw0h9vzk6zngTrury6zJTX5S&ust=1682442744331000&source=images&cd=vfe&ved=0CBEQjRxqFwoTCODvteaBw_4CFQAAAAAdAAAAABAE
من هنا .. لا يمكنني ارتكاب حماقة الدعوة لالغاء تدريس علم الجبر من المدارس . واستبداله برياضة كرة القدم أو أي شيء آخر
وأنصح من لا يفهمون في السياسة ويتصدون للكتابة للقراء .. بأن يتبعوني في أن يحبسوا السنتهم بداخل أفواههم , عند الكلام في السياسة , مثلما أحبس لساني في فمي واحكم الاغلاق عليه , عند الكلام في علم الجبر ..
ليس عيباً أن تكون غير قادر علي الفهم في علم ما .. بل العيب أن تستعدي الناس عليه , وتقلل من قيمته . وتدعوهم لتفضيل اللعب واللهو عليه . لمجرد انك لا تفهم فيه .