السرقة و السطو
كاظم فنجان الحمامي
وقعت بيدي الطبعة الأخيرة للمعجم الوسيط, وهو من إصدارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة. يتألف من 1900 صفحة في جزئين، وكان حديث زملائي في المكتبة يدور حول تفاقم ظواهر السرقات، بمسمياتها الشائعة في اللهجة العراقية العامية. ففكرت في البحث عن أصولها اللغوية في المعجم. وإليكم المفاجأة:-
- اللغف: لغف يلغف لغفاً: لغف الإناء: لعقه, لغف الطعام: أكله سريعاً, لغف المال: سرقه, لغف الثروات: ابتلعها كلها من دون خوف, فهو (لغّاف). .
- البواق: من باق يبوق بوقا: باق الشيء: سرقه وخطفه وأخفاه, باق: كذَّبَ, باقت السفينة: غرقت, باق عليه القوم: اجتمعوا عليه فقتلوه ظلماً, وجاءت في العامية العراقية عبارة: (بايق هوى) بمعنى خائف ومذعور. .
- حرامي: أي اللص. وتطلق على السارق لأنه يفعل الحرام، فالحرامي هو فاعل الحرام، ويكثر إطلاق هذه الكلمة على الذين سرقونا وارتكبوا أبشع الانتهاكات والمحرمات. .
- نشّال: نشل ينشل نشلاً: نشل الشيء: نزعه وخطفه وسرقه بسرعة, نشل الخاتم: اقتلعه ونزعه, نشل اللحم: انتزعه بيده من القدر من غير مغرفة, نشل الطعام: طبخه من غير توابل. .
- خمّاط: من خمط يخمط خمطا: خمط الخروف: سلخه وشواه على عجل, خمط اللحم: شواه ولم ينضجه, خمط الشيء: جعله في وعاء, ولجذر هذه الكلمة وتصاريفها معان متنوعة ومتناقضة, جاء في الوسيط: خمط الرجل: تكبر, وخمط: غضب غضباً شديداً, والخمط من اللبن: الحامض, وتأتي أحياناً بمعنى المر, وخمط الشراب: طابت رائحته, ولا يفصل بين هذه المعاني المتناقضة إلا سياق الحديث, وما يتضمنه من قرائن لفظية. أما في العامية العراقية فأن كلمة (خمط) تعني الاستيلاء السريع على المال الحرام. .
- فرهود: للفرهود والفرهدة تفسيرات كثيرة تبعث على الدهشة, فهي بالعراقية الدارجة النهب والسلب واستباحة أموال الغير، فالفرهود هو الاستيلاء على مدخرات الناس ومصادرة مقتنياتهم ونهب ممتلكاتهم, وربما تعود جذور هذا الكلمة إلى حملات النهب وغارات السلب, التي نظمتها الدولة العراقية ضد منازل اليهود ومحالهم التجارية في الأول من حزيران (يونيو) عام 1941 بعد اندحار حكومة رشيد عالي الكيلاني الانقلابية, فأطلقوا على تلك الحملات (الفرهود) حينما فرَّ اليهود في بغداد على وجوههم, فاندمجت كلمة (فرَّ) بكلمة (يهود)، وتوحدت في مفردة: (فرهود), وكان الحرامية وقتذاك يتلذذون بالفرهود, باعتباره من الملاحم (القومية المجيدة), فتغنوا به لسنوات بعد عام 1941, وشاعت بينهم أهزوجة شعبية تقول: (حلو الفرهود كون يصير يومية). وهكذا أصبح الفرهود من مصائبنا اليومية التي أسسها الحرامية بغاراتهم الهمجية في المناسبات الفوضوية، فتعمقت في نفوسهم المريضة مفاهيم اللغف والنهب والخمط والفرهدة والحرمنة منذ زمن بعيد, وساءت أحوالنا, وتراجعنا إلى الوراء, حتى لم يعد وراءنا وراء. أما في اللغة العربية الفصحى فللكلمة تفاسير متناقضة تماماً مع المفردات العراقية الشائعة, فالفرهود: هو الغلام الحسن الممتلئ, وفرهود: ولد الوعل, وفرهود: ولد الشاة, وفرهود: ولد الأسد. وفرهد الغلام: تضخم وانتفخ بدنه, ولا علاقة لهذا التضخم بالذين انتفخت كروشهم, وترهلت أبدانهم من اللغف والخمط والحرمنة. .
ولنا مقالة أخرى في قادم الأيام نتحدث فيها عن سمو اخلاق (قدوري النشّال) من مشاهير النشّالة بمدينة البصرة في خمسينيات القرن الماضي. .