الزراعة العربية و الأمن الغذائي

أحمد فاروق عباس

بالإضافة إلي ندرة الأراضى الصالحة للزراعة فإن الندرة المتزايدة للمياه في المنطقة العربية تشكل عقبة رئيسية أمام التوسع في إنتاج الغذاء ..
ووفقا للبنك الدولى انخفض نصيب الفرد في العالم العربي من المياه المتجددة بنسبة ٧٥% بين عام ١٩٥٠ وعام ٢٠١٠ ، ومن المتوقع أن ينخفض مرة أخرى بنسبة ٤٠% بحلول عام ٢٠٥٠ ، والشرق الأوسط موطن لنحو ٥ – ٦ % من سكان العالم لكنه لا يحتوي إلا على ١ – ١,٤% من مياه العالم العذبة ..
بالإضافة إلي أن عمليات سحب المياه – من المياه الجوفية – أعلى بكثير في المنطقة من المتوسط العالمى ..
وتعنى ندرة الأراضى والمياه في العالم العربي أنه سيحتاج إلى زيادة الإنتاجية بدلا من التوسع في الزراعة التقليدية ، ويعزى جزء كبير من النجاح النسبى في محاصيل رئيسية مثل القمح والأرز فى مصر وسوريا إلى إنتاج أنواع محسنة من هذين المحصولين ..
وسيؤدى نقص المياه في العالم العربي بالإضافة الى تغير المناخ وتزايد الطلب على المياه الصناعية ( تحلية المياه ) فى الأنشطة السياحية والصناعية إلى تقليل المياه المتاحة للمحاصيل الزراعية ..
ويبلغ نصيب الفرد من المياه على مستوى العالم حوالى ١٠ أضعاف نظيره فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ..
وطبقا للمنظمات الدولية فإنه يمكن تقسيم دول المنطقة من حيث توافر المياه إلى ثلاثة أقسام هى :
١ – دول تتوافر فيها موارد المياه إلى حد كبير : العراق – لبنان – سوريا – السودان – تركيا – إيران .
٢ – دول تتوافر فيها موارد المياه إلى حد متوسط : المغرب – الجزائر – تونس – إسرائيل – مصر .
٣ – دول مواردها من المياه شحيحة : الأردن – فلسطين – ليبيا – دول الخليج العربية ..
ويدعو كثير من المهتمين بمشاكل المياه في العالم العربي إلى وضع خطط وطنية للمياه تحتوى على توافر بيانات دقيقة حول المياه في الدولة ، والاهتمام بالتكنولوجيا الجديدة فى المياه مثل تحلية المياه وإعادة تدوير المياه ، استخدام المياه في الزراعة بكفاءة أكبر ، وتخفيض دعم الوقود والمياه ، حيث أن الدعم يشجع على عدم كفاءة إستخدام المياه ..
ومن زاوية سياسية قدمت النيوليبرالية الاقتصادية المستندة على إجماع واشنطن نصائح محددة فيما يخص المياه والزراعة ، وتستند هذه النصيحة على التركيز بصورة أكبر على نهج قائم على التجارة فى مجال الأمن الغذائي ، وفقا للمبادئ الاقتصادية المعروفة فى نظرية الميزة النسبية ..
ومؤدى ذلك ومعناه الابتعاد عن زراعة المحاصيل كثيفة استخدام المياه مثل القمح والشعير والأرز والحبوب الآخرى فضلا عن تربية الماشية ( للألبان واللحوم ) ، والتحول إلى محاصيل ذات قيمة أعلى وأقل استهلاكا للمياه مثل الفواكه والخضروات والزهور وتصديرها ، واستخدام عائد التصدير في شراء محاصيل مثل القمح والأرز والذرة وغيرها !!
وقد دعا إلى ذلك صراحة اقتصاديين من الدول النامية عملوا في المؤسسات الاقتصادية الدولية ..
وعلى المستوى الشخصى ، ومن سنتين أو ثلاثة وبينما أقلب فى بعض أعداد الأهرام فى بداية التسعينات ( بعد أن أصبحت متاحة على الإنترنت ) وجدت سلسلة مقالات للدكتور سعيد النجار يدعو فيها إلى ذلك صراحة وبلا لبس ..
والدكتور سعيد النجار إسم معروف جيدا فى المجال الاقتصادى المصرى – على الأقل بالنسبة للأكاديميين – وهو اقتصادى ليبرالى عمل طويلا فى البنك الدولى ، وعاد إلى مصر أوائل التسعينات مع تحول مصر بصورة أكبر إلى اقتصاد السوق ، وفتحت أمامه الصحف الحكومية يقول فيها ما يشاء ، وأنشأ جمعية النداء الجديد ليدعو من خلالها لأفكاره ..
وبالمناسبة ، كان يدعو إلى الحوار والتقارب مع الجماعات الإسلامية المسلحة التى حاربت الدولة المصرية فى ذلك الوقت ، فأفكار القريبين من الغرب واضحة .. فى الاقتصاد كما فى السياسة !!
وفى تلك الفترة من أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات ، ومع لجوء دول عربية كثيرة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولى لمعالجة التعثر الاقتصادى الذى وقعت فيه ظهرت مشاريع ذات دلالة خاصة فى مجال الزراعة ، ترمى كلها إلى زيادة تشجيع صادرات سلع زراعية معينة واستيراد أخرى ..
ومن هذه المشاريع التى رعاها الغرب مشروع التصدير الفعال ، ومشروع التنمية الزراعية للاتحاد الأوروبي ، ومشروعات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ، ومشروع المؤشرات الجغرافية … إلخ .
وبالتزامن مع ذلك تم الضغط على دول مثل مصر لتحرير الايجارات الزراعية والتراجع عن سياسات عبد الناصر فى التنمية الزراعية ، وكان نتيجة ذلك ما رأيناه في العقود الثلاث الأخيرة من المضاربة على أسعار الأرض الزراعية ، وتحويلها إلى أراض للبناء ، لولا أن انتبهت الدولة نسبيا في الخمس سنوات الأخيرة إلى خطورة الأمر ومنعت تماما البناء على الأرض الزراعية ..
ما بين المياه التى تزيد ندرة ، وبين السياسات النيوليبرالية في الزراعة يعيش العالم العربي – وضمنه مصر – أوقاتا صعبة فى مجال الإنتاج الزراعى ، على الرغم من مشروعات تستحق الاحترام والتشجيع للدولة المصرية فى العقد الأخير ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى