الرَّحمةُ وَتَجَلِّياتُها في الوُجُود
الرَّحمةُ وَتَجَلِّياتُها في الوُجُود
زعيم الخيرالله
اللهُ تعالى هوَ مَصدَرُ الرَّحمةِ في هذا الوجود . كل الرَّحمةِ التي نراها في عالَمِنا هي تجليات لرحمة الله المتجليَّة في اسم الرحمن (الرَّحمة الرَّحمانيّة) واسم الرَّحيم(الرَّحمة الرَّحيميَّة) .
هناكَ ثلاثَةُ تَجَلِّياتٌ لِلرَّحمَةِ في هذا الوُجُودِ:
1- الرَّحمةُ الطَّبيعِيَّةُ: وهي الرَّحمةُ المَوجودةُفي طبيعةِ الاشياءِ في هذا الكون المترامي الأطراف، فذراتُ الطبيعةِ ينجذبُ بعضُها الى البعض الآخر بطبيعةٍ أَودعها الله فيها، وبدون هذهِ الرَّحمةِ ينفرطُ عِقدُ الكونِ وتتصادَمُ الاشياء ويُدَمِرُ بعضُها البعض. انما اتساقُ الكونِ وحركتُهُ وجمالُهُ بهذهِ الرَّحمة التي التي جعلها الرحمنُ في بنيةِ الاشياء وتراكيبها.
2- الرَّحمةُ الحَيَوانِيَّةُ: وهي الرَّحمةُ الموجودةِ عندَ كُلِّ الكائناتِ الحَيَّةِ والتي من خلالِها ترحمُ الكائناتُ الحيَّةُ صغارَها.وتدافعُ الأُمُّ الحَيَوانِيَّةُ عن صغارِها وان عَرَّضَها دفاعُها الى الموتِ.
هذهِ الرَّحمَةُ مصدرُها الغريزةُ، هذه الرَّحمةُ مشروطةٌ ومقيَّدَةٌ بقيودٍ ، فالأُمُ الحَيَوانِيَّةُ تُدافعُ عن صغارها هي ، ولايمكنُها بهذهِ الرَّحمةُ الغريزيَّةُ أنْ تدافعَ عن صغارِ خصمها. الأُمُ الحَيَوانِيَّةُ تدافعُ عن بيتِها وعن صغارِها وعن حُدودِها وعن كلِّ مايتعلقُ بها. لايمكنُها أَنْ تتجاوزَ الغريزةَ وتدافعُ عن صغارِ عدوها ؛لان صغار العدوِّ يستحقونَ الحياة. الرَّحمةُ الحَيَوانِيَّةُ لايمكنُ أَنْ تتجاوزَ هذا الافق المحدودَ ؛ لانَّها رحمةٌ مشروطةٌ وَمُقَيَّدَةٌ بقُيودٍ.
3-الرَّحمةُ الانسانِيَّةُ:وهي الرَّحمةُ التي تتجاوزُ حُدودَ الرَّحمةِ الحيوانِيَّةِ ،وتتجاوز الغريزة لتدافعَ عن العدو اللدود ؛ لأنَّهُ كائنٌ يستحق الحياة ؛ فهي ليست رحمةً مسجونَةً بحدود الغريزةِ.هي رحمةٌ تقوم على الصفح والتسامح والايثار ولاتقوم على ردودِ الافعال كما هو الحال في الرَّحمةِ الغريزيَّةِ .وهذه الرَّحمةُ الانسانيَّةُ المتجاوزةُ للغريزة الى الآفاق العليا تتجلى في قول السيد المسيح حسب انجيل متى “وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،” (مت 5: 44).
وكما جاء في القُرآنِ الكريم :
(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ). فصلت: الآية:(34).
وهذه الرَّحمةُ الانسانِيَّةُ الواسعةُ الآفاق المتجاوزةُ لحدود الغريزة بلغت غايتَها الكاملة في النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي بلغَ أعلى درجات الكمال، والذي وصفه ربُّهُ بقوله تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ). الانبياء: الآية:(107).
فرسولُ الله هو الانسانُ الكامل والذي تجلّت فيه الرَّحمةُ في انصعِ صورها ، صلى الله عليه وآله وسلم في يوم مولده وفي كلِّ يوم عَلَّنا نتخذ من رحمتهِ دروساً في عالَمٍ يفترِسُهُ التَّوحش وتدمرُهُ الحروب وتقتل فيه كل معاني الخير والحب والرَّحمة.