الرهان على الفوضى
محمد جواد الميالي
بات الوضع في سوريا، يمثل أحد أعقد الأزمات السياسية والعسكرية في المنطقة، حيث تتداخل فيه المصالح
الإقليمية والدولية، بشكل يصعب فك تشابكاته..
هذه الأزمة-العقدة عادت إلى الواجهة بعد عقد من الزمن، لتعيد فيها الفصائل المعارضة (داعش) وتيرة النشاط
المسلح، وتسيطر على مدينتي ادلب وحلب، مباشرة بعد وقف اطلاق النار بين الكيان الغاصب و لبنان، ليثار
تساؤل واقعي، عن الأسباب الحقيقية والتزامن الوقتي لهذا التمرد المسلح؟! ومن أين جاء السلاح؟
لمعرفة ذلك يجب أن نفهم البعد الجيوسياسي، لمنطقة الشام داخل الشرق العربي، ومن هم اللاعبون على أرض
سوريا؟!
من بين أبرز الأطراف الفاعلة في هذا النزاع، تأتي في المقدمة روسيا، التي لها قواعد ثابتة، ومواقع سيطرة
استراتيجية داخل الأراضي السورية، وخاصة في مناطق الساحل كطرطوس واللاذقية، وهذه المواقع لا تُعتبر
فقط رموزاً لدعمها لنظام الأسد، بل هي أيضاً أدوات لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، المتمثلة في تأكيد نفوذها
بالشرق الأوسط، ومواجهة النفوذ الغربي، وقطع الطريق أمام أنبوب الغاز الذي يربط قطر بأوروبا، بما يوضح
بما لا يقبل التأويل، أنها لن تستغني عن سيطرتها على سواحل سوريا.
على الجبهة الشمالية، تُشكل المناطق الكردية تحدياً كبيراً لتركيا، التي ترى في تشكيل أي كيان كردي مستقل
على حدودها، تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وهذا التوتر تفاقم بسبب الدعم الذي تتلقاه، المجموعات الكردية من
بعض القوى الدولية، على رأسهم إسرائيل وأمريكا، مما يدفع تركيا إلى تصعيد تدخلها العسكري، عبر عمليات
عابرة للحدود، كما حدث سابقاً في حملتي “غصن الزيتون” و”نبع السلام” فبالنسبة لأنقرة فأن استمرار الفوضى
في سوريا، يُغذي احتمال قيام دولة كردية في شمال سوريا، وهو سيناريو تعمل بكل جهدها على منعه.
إيران من جانبها كانت تعتبر دمشق ممرا، تدعم منه قوى المقاومة في لبنان، وتمدها بالمال والسلاح من هذه
البوابة، التي لم تعد ذات أهمية بعد سلامة الجنوب اللبناني، والدخول في معاركه خسارة لهم، لأن الخسائر تفوق
المكاسب في الربح..
لذلك فإن إسرائيل ربما تكون قد ارتكبت، خطأ استراتيجيا كبيرا، بدعم التمرد المسلح في هذا الوقت، لأن
اعتقادها أن نشر الفوضى داخل سوريا، قد يخدم مصالحها، بإضعاف المحور الإيراني، وقطع خطوط الإمداد
للمقاومة اللبنانية، سيكون خاطئا، لأنها تناست أن هناك نوافذ كثيرة، يمكن من خلالها ان يتم دعم الحزب.
من أين جاء السلاح؟
منذ اندلاع الأزمة السورية، عملت إسرائيل بشكل غير مباشر، على دعم بعض الفصائل المسلحة المعارضة
لنظام الأسد.. ففي تصريح لوزير الدفاع الإسرائيلي عام 2015، أُعلن أن إسرائيل قدمت مساعدات للمسلحين
المعارضين، وهو ما أكدته تقارير أممية عام 2014 التي اشارت إلى لقاءات بين مسؤولين إسرائيليين، وبعض
قادة المعارضة السورية، إلا أن هذا التدخل لم يُسفر عن النتائج المرجوة، بل أفضى إلى تعزيز النفوذ الروسي
والإيراني داخل سوريا، ومع استمرار الكيان في استهداف مواقع سورية وإيرانية عبر غاراتها الجوية، تبدو في
مواجهة تحديات جديدة، لا سيما أن الوضع قد ينقلب إلى حرب استنزاف طويلة، مع أطراف مختلفة داخل
سوريا.
لذلك فإن اندفاع نتنياهو وتمسكه بالحرب، ما هو إلا “القشة” التي ستقسم ظهر البعير، وتذهب به إلى محكمة
الكنيست، ولتنهي هذا المرض النفسي، الذي عاث الخراب في المنطقة، لأنه وعلى الرغم من أن إيران كانت
الفاعل الأكثر تأثيراً خلال السنوات الأولى للأزمة، إلا أن الأوضاع بدأت تميل نحو تعاظم الدورين الروسي
والتركي، وبينما تسعى الأول للحفاظ على توازن القوى لصالحها، تعمل تركيا على تعزيز مواقعها، لمنع قيام
كيان كردي، مما يزيد من تعقيد المشهد، بالإضافة إلى أن أمريكا لن تسمح بالرهان على الفوضى في الشرق
الأوسط، لأنها تريد أن تحلحل الأوراق العالمية، وتتفرغ إلى المواجهة مع الصين.