أخبارتعاليقرأي

الذكاء الصناعي.. إيحاء بفناء البشرية

رشيد مصباح (فوزي)

مع هذا التطوّر التقني الرّهيب، وشيئا فشيئا، بدأت الحياة تفقد طابعها الإنساني الجميل. لكن هل يجحد هذا المخلوق الضّعيف وينكر فضل هذا التطوّر التقنيّ عليه وعلى من يشاركونه هذا الوجود؛ لقد وصل الانسان إلى المريخ بفضل المركبة الفضائيّة، وهو الآن يبحث عن حياة مستقرّة وسط البليارات من الأجرام السماوية، هذا في الآفاق وأمّا في أنفسنا؛ فقد سهل عليه التجوّل داخل الخلايا والأجسام المجهرية ومن خلال تقنية ”النّانو“.

والإنسان؛ هذا الكائن العاقل الذي خلقه الله ليكون خليفة في الأرض؛ لغيره من المخلوقات التي تكبّرت وتجبّرت وعلت في الأرض وطغت فتقاتلت و تناحرت و أبادت بعضها بعضا؛ حسب ما جاء في بعض النّصوص والرّوايات القديمة. قد مرّ عليه دهر طويل كان فيه معدوما: ﴿ هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا﴾[ سورة الإنسان: 1].

هذا المخلوق الذي ”نصفه ملاك ونصفه الآخر شيطان“؛ كما قالت إحدى الممثّلات في فيلم روسي يصوّر حياة العائلة القيصرية داخل القصر. استطاع هذا المخلوق الضعيف بفضل ذكائه الوصول إلى ما وصل إليه من الرّقي والتطوّر الرّهيب. كما وقد يكون ذلك بوحي من الشيطان ذاته، كما يرى أنصار ”نظرية المؤامرة“.

ويرى أنصار هذه النظرية ”نظرية المؤامرة“ كذلك، أنّ الجن والشياطين من وراء السِرّ في هذا التطوّر العجيب. وهناك أكثر من نظرية ورواية وردت في مثل هذا الأمور. حتى إن بعضا منهم قال إن (دافنتشي) نفسه كانت لديه اتّصالات بالجن والشياطين، وذلك أثناء خلوته بالمغارة التي اتّخذ منها ملجأ للتخفّي عن الأنظار، وهو ما جعله محل بحث خلال المد’ التي قضاها بتلك المغارة العجيبة التي تبعد بضعة أميال عن مكان إقامته.

كما أن للأسد الميكانيكي الذي قام (دافينتشي) بإهدائه للملك (فرانسوا الأوّل)، إلى جانب بعض المخطوطات الموجودة في متحف ”اللّوفر“ بالعاصمة الفرنسية (باريس) والتي تحمل بعض الأسرار والرّسومات الغريبة مثل الأطباق الفضائية والطائرات بأنواعها وبعض المحرّكات التي لم تكن موجودة في ذلك الزمان من القرون الوسطى، أسالت كثيرا من الحبر وفتحت المجال أمام التأويلات الخطيرة والتي من بينها أن (دافنتشي) كانت له بالفعل اتّصالات وأحوال مع مخلوقات غريبة من العوالم الأخرى.

إذا كان الإنسان ليس هو المبدع الحقيقي لهذا التطوّر التقني الرّهيب، فهذا ما يعزّز من صحّة أقوال وادّعاءات أصحاب ”نظرية المؤامرة“، الذين لم يتوانوا في التنديد بالمنظّمات السرّيّة التي تعمل في الخفاء، والتي هدفها الأوّل والأخير -كما يقول أصحاب هذه النظرية- هو إبادة البشرية جمعاء؛ وهو ما ذهب إليه أنصار ”نظرية المليار الذّهبي“، إلّـا من بعض الأفراد من النّخب والفئات المتواطئة. و استخلافها بجيل من الرّوبوتات، محاكاة للرب ولما قد جرى في الأزل الأوّل.

إذا كانت النوايا كذلك، ستكون الغاية؛ من وراء كل هذا التطوّر التكنولوجي الرّهيب، هي القضاء على أثر الإنسان في الوجود، وينسحب ذلك على ما يسمّى بالذّكاء الصّناعي: هذا الآلي الذي أخذ في الانتشار ليحلّ محل الإنسان في كل المجالات، بما في ذلك مجالات الإبداع الفنّي والفكري.

ولقد لقي هذا التطوّر الخطير معارضة شديدة قديما وحديثا، ولا يزال هناك ثلّة من المفكّرين يحذّرون من مستقبل غامض وخطير في ظلّ هذا الاستخلاف الذي سيلغي وجود البشرية نهائيّا من على هذا الكوكب الجميل.

لقد بدأنا شيئا فشيئا نفقد الطمأنينة والأمن والأمان والاستقرار بسبب فقداننا لميزات تلك الحياة البسيطة التي عشنا فيها ذات وجد أحلى وأعذب الأوقات، وحينما تقرّر إلغاء الشموع ليتم تعويضها بمصابيح كهربائية. ولم ولن يتبقَّ من المشاعر الانسانية الجميلة سوى ما نطالعه في النصوص و القصص الرّومنسيّة، وحينما تقرّر الاستغناء عن الحصان صديق الإنسان المخلص الوفي ليتم استبداله بآليات ميكانيكية خطيرة تسبّبت في قتل المئات، وحين صار قتل عشرات الألوف من الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء أسهل شيئ عند الجبناء، بعدما صارت أخلاق الحرب محفوظة في النصوص مهدورة في الميادين… صارت الحياة كلها تعب، ولم يعد للحياة طعم ولا مذاق.

تَعَبُ كُلّها الحَياةُ فَما أعْـ
جَبُ إلاّ مِنْ راغبٍ في ازْديادِ
إنّ حُزْناً في ساعةِ المَوْتِ أضْعَا
فُ سُرُورٍ في ساعَةِ الميلادِ
*

(أبو العلاء المعري)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى