الدبلوماسية والتنمية
المعهد الألماني العربي للدراسات السياسية / الدبلوماسية والتنمية
ممر سوالكي
Suwalki- Corridor
د. ضرغام الدباغ
ممر سوالكي، ويسمى أيضا الممر البولوني، كما في الخريطة الألمانية (Sualki Lücke) أي ثغرة سوالكي، وهو ممر يربط بين مقاطعة كونكسبيرغ (königsberg) الألمانية الأصل، وبين بيلوروسيا والممر يحاذي حدود دولتين : ليتوانيا وبولونيا.، وهو الطريق البري الوحيد الممكن بين دولة بيلوروسيا الموالية لروسيا الاتحادية، وبين كونيكسبيرغ التي اتخذت أسماً روسياً (كالنينغراد) . ويبلغ طول الممر كخط نظر أفقي نحو 66،40 كم، ولكنه على الأرض يبلغ نحو 100 كم.
وكالنينغراد أرضا تعود للسيادة الروسية، ولكنها بعيدة عن روسيا، حبيسة بين أراضي ليتواونية وبولونية، لذل الاتصال المباشر لمقاطعة كالنينغراد يتم بواسطة السفن البحرية، والاتصالات البرية (قطارات وسيارات) يتحتم عليها المرور عبر ممر سوالكي حتماً، وبالطبع هذه مسألة خاضعة للظروف السياسية.
وكانت المدينة مسرحاً لحروب طويلة للاستيلاء عليها لموقعها الاستراتيجي، وفي عام 1758 سيطرت عليها الإمبراطورية الروسية أثناء حرب السنوات السبع (1756-1763) التي قادتها الامبراطورة إليزابيتا بيتروفنا الابنة الصغرى للإمبراطور بطرس الأكبر، لكنّ خلفها بطرس الثالث تنازل عنها لبروسيا في عام 1762 بمقتضى اتفاقية سلام.
ولاحقاً احتلتها الإمبراطورية البولندية الليتوانية قبل أن تعود لسيطرة الألمان حتى عام 1945، إلى حين اكتسحها الجيش السوفييتي وطرد قرابة 350 ألف ألماني منها، وباتت جزءاً من الاتحاد السوفييتي نتيجة مؤتمر بوتسدام الألماني 1945.
وملكية أراض مقاطعة كالنينغراد انتزعت من السيادة الألمانية، والحقت تحت السيادة السوفيتية، وقد تبادلت القوى الكبيرة السيادة على هذه المنطقة وخاصة بين الروس والألمان، والبولونيين، والليتوانيين، وتداولوا السيادة بحسب نتائج الحروب وتقسيم المغانم. وأنشأ الممر بنهاية الحرب العالمية الأولى ليكون معبرا لسكان كونيغسبيرغ الألمان مع سائر مناطق بروسيا الشرقية الألمانية، ولكن الاقليم فقد هويته الألمانية نهائيا بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبح اقليما روسياً. وإن كان وضعه الجغرافي حرجاً، ألا أن السلطات الروسية تحرص بالحفاظ عليه.
يقع جيب كالينينغراد في أقصى شمال غرب روسيا ويعد معزولا، حيث لا يتمتع بأي حدود برية مشتركة مع روسيا، لكنه يحظى بأهمية استراتيجية بالنسبة لها؛ نظرا لأنه يطل على ساحل بحر البلطيق ويقع فيه مقر أسطول البلطيق الروسي. ويحد جيب كالينينغراد ليتوانيا في الشمال والشرق وبولندا في الجنوب ويمتد على مساحة تصل إلى 15 ألف كيلومتر مربع فيما يبلغ عدد سكانها قرابة نصف مليون نسمة وتحمل عاصمة الإقليم اسم كالينينغراد. تعرف كالينينغراد بأنها مدينة الكهرمان حيث تذخر بكميات كبيرة من الكهرمان الخام
كان هذا الجيب في السابق جزءا من شرق مملكة بروسيا الألمانية السابقة، وعقب هزيمة ألمانيا النازية في نهاية الحرب العالمية الثانية جرى التنازل عن هذا الجيب لصالح الاتحاد السوفيتي المنتصر في الحرب العالمية الثانية، وعقب سيطرة الروسي عليه، تغير اسم المدينة الرئيسية في الجيب من “كونيغسبرغ” في بادي الأمر إبان الحكم الألماني إلى كالينينغراد فيما جرى إطلاق هذا الاسم على المنطقة بأسرها. وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبح جيب كالينينغراد جزاء من روسيا الاتحادية.
ولا تتوقف أهمية كالينينغراد على النواحي العسكرية بل إن الجيب يحظى بأهمية تاريخية وأديبة فقد كان مسقط رأس الفيلسوف الألماني الشهير إيمانويل كانط (أيضا: كانت)، الذي وُلد عام 1724 في مدينة كونيغسبرغ، حيث قضى معظم حياته في المدينة حتى وفاته بها ويعد رائدا في مجال النقد والتنوير.
كذلك يعد جيب كالينينغراد مركزا هاما في التجارة العالمية في الكهرمان أو ما يُعرف بحجر الحب حيث يذخر بحوالي 80 % من احتياطيات الكهرمان في العالم.
وتتزايد الاهمية الاستراتيجية للمنطقة في الوقت الحاضر في ظل تصاعد حدة التوتر في مناطق البلطيق/ كتداعيات للأزمة / الحرب الروسية / الأوكرانية، وتتمركز وحدات صواريخ روسية محملة بالرؤوس النووية المصوبة إلى عواصم غرب أوربا والمراكز الصناعية، وبالمقابل تزيد روسيا من تحصيناتها وخطوط دفاعها عن الأقليم المهم استراتيجياً
ومن المرجح أن لا تثير روسيا ما يؤدي لرفع التوتر في منطقة البلطيق، ولكنها (روسيا) يتنظر في الأمر بختام الصراع العسكري الدائر في أوكرانيا، لتشدد من قبضتها على منطقة البلطيق.
وجود هذا الممر بتفاصيله وفي ظل تصاعد التوتر في المنطقة، سيكون سبباً في اصطدام المصالح والتدخلات الاجنبية.